إدمان السياسة -سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
تتحدث السيرة عن العقود السبعة التي عاشها الكاتب منذ اربعينيات القرن الماضي حتى الآن، منذ طفولته المبكرة في مدينة القدس التي بدأت بنكبة فلسطينية ثم هجرة ورحيل تطور إلى غربة دائمة وانقطاع عن الموطن الأول وانتقال لموطن جديد ليشهد ملامح الحياة السياسية الديمقراطية في سوريا ثم الانقلابات العسكرية الأولى التي رافقتها ولينخرط في الاهتمام بالسياسة التي أدمنها منذ الصغر بحكم عوامل عديدة منها بشكل خاص هزيمة 48 ذاتها، ليتعزز الأمل في تجاوزها مع صعود عبد الناصر للسلطة والنجاح في صد العدوان الثلاثي على مصر ومنعه من تحقيق أهدافه، والتعلق بالوحدة العربية كحل سحري يعيد للعرب القدرة على صنع تاريخهم من جديد، والانخراط في التيار الناصري وخاصة في أجواء القاهرة التي درس في جامعتها وتخرج منها بالإضافة للانتماء لتنظيم سياسي ناشئ، “حركة القوميين العرب”، التي كانت، حسب اعتقاده حينها، رافعة هامة لتحقيق الأهداف الكبيرة.
تتعرض السيرة لما عايشه الكاتب من تطورات في “الحركة” سياسية وفكرية بالانتقال من الافكار القومية التقليدية إلى الأفكار الاشتراكية، ودور “الحركة” في الأحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط، والهزيمة التي شهدتها بانهيار الجمهورية العربية المتحدة وإعلان الانفصال السوري، الذي تلاه تجربة الكاتب الأولى في الاعتقال السياسي في سجن المزة بدمشق ثم مواكبته لانقلاب 8 آذار الذي أتى بحزب البعث للسلطة الذي رغم أنه كان من أهم الأحزاب الوحدوية، فقد كرس الانفصال وأنشئ حكماً قطرياً سورياً استبداديا، أدى الصراع معه من خلال “الحركة” لاعتقال جديد للكاتب ولمدة أطول في سجن السويداء، إلى أن اندلعت حرب حزيران لتستولي إسرائيل على أراض عربية جديدة، وأثر الهزيمة الجديدة على “الحركة” التي هربت للأمام نحو الأفكار الماركسية والكفاح المسلح. وينتقل الكاتب للأردن للالتحاق بالجبهة الشعبية ثم يساهم بتشكيل ما اصطلح على تسميته “البؤرة الغيفارية” على حدود الجولان في محاولة فشلت منذ بدايتها في إرساء “مقاومة” سورية مفترضة، إلى جانب المقاومة الفلسطينية التي انطلقت ونجحت بالاستمرار لفترة طويلة.
كما تتحدث السيرة عما مر به الكاتب من اعتقال جديد في سجن القلعة بتهمة “قتل” سياسية ملفقة من قبل الأجهزة الأمنية البعثية التي كان يقودها عبد الكريم الجندي والذي انتحر فيما بعد أو “نحر”. ثم خوض محاكمة طويلة انتهت بعد ثلاث سنوات بحكم البراءة. لينتقل بعد الخروج من السجن مباشرة إلى لبنان للمشاركة في العمل العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي كان يقودها نايف حواتمة، والتي انتقلت مع بقية الفصائل الفلسطينية إلى لبنان بعد خروجها من الأردن إثر الحملة العسكرية التي شنتها ضدها السلطة الاردنية في “أيلول الاسود” والتي انتهت بإزالة أي وجود عسكري او سياسي لها من الأردن. الكاتب في لبنان عمل كمسؤول عن القطاع الشرقي للجبهة ثم مسؤولاً عن ميليشيات الجبهة في مخيمات لبنان، لكنه لم يستمر طويلاً لعدم توافقه مع قيادة الجبهة فتركها وغادر لبنان بعد ان شهد بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، ليتزوج وينتقل إلى بغداد ويعمل في اختصاصه حيث كان قد تخرج من كلية زراعة عين شمس بالقاهرة.
كانت تلك نهاية عمله السياسي الملتزم بتنظيم ما ولكن ليبقى الاهتمام بالشأن السياسي ومتابعة ما يجري في المنطقة وخاصة التدخل العسكري السوري في لبنان والعمليات الإرهابية للطليعة المسلحة للإخوان المسلمين في سوريا التي تلتها مجزرة حماة. كما تابع توجه أنور السادات للصلح مع إسرائيل وأحداث الثورة الإيرانية وغرق العراق في مستنقع الحرب مع إيران بالإضافة لغرق السوفييت في المستنقع الأفغاني، ثم احتلال إسرائيل لعاصمة عربية، دون أن تحرك الدول العربية المجاورة ساكناً، لتليها متابعة ما حدث في لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي من حرب مخيمات وإخراج ياسر عرفات من طرابلس وانتفاضة الحجارة في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
خلال هذه الفترة تطور فكر الكاتب من الماركسية إلى نقدها مع اكتشاف المفكر الماركسي المصري سمير امين، وقراءات لإلياس مرقص وياسين الحافظ ودويتشر وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي وغيرهم، بالإضافة لمتابعة ما حدث من تمردات على الهيمنة السوفييتية في أوروبا الشرقية بدءاً بثورة المجر ثم ربيع براغ كبداية لتليها حركة التضامن في بولونيا، مع خوض نقاشات حول جميع هذه الافكار والأحداث مع شلل من الأصدقاء المتابعين للشأن السياسي في سوريا، ليندفع الكاتب مع صديقه وليد مبيض لكتابة دراسة عن بيروسترويكا غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي، التي أعقبها سقوط جدار برلين وتحرر دول أوروبا الشرقية من الهيمنة السوفييتية ثم انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه. لينتقل الكاتب من نقد الماركسية من داخلها إلى نقدها بعد التخلي عنها بنشر دراسة حول أولوية الوقائع على النصوص، والتوجه لكتابة مقالات سياسية في نشرات لتنظيمات سياسية ثم في صحيفة “الكفاح العربي” اللبنانية بعد أن أصبح هناك هامش ضيق للكتابة دون التعرض لمشاكل كبيرة مع أجهزة الأمن السورية.
المقالات السياسية بأغلبها كانت تعكس الهم الديمقراطي الذي أصبح له الأهمية الأولى لدى الكاتب بالإضافة لحقوق الإنسان والحقوق القومية للأقليات وحقوق المرأة والحريات الدينية. لم يغب الاهتمام بالشأن الفلسطيني، لكنه أصبح في المرتبة الثانية مع القبول بالحل المرحلي بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبفك الاشتباك التاريخي مع إسرائيل والانتقال لحلول واقعية. وصار بإمكان الكاتب أن ينشر مقالاته في صحف سورية وعربية منها الحياة والنهار والسياسة الكويتية وصحف أخرى مختلفة ومواقع الكترونية سياسية، متعرضاً لانطلاق “ربيع دمشق” أوائل الألفية الثالثة، التي شهدت أحداثاً أخرى تابعها في مقالاته ومنها بشكل خاص “غزوة نيويورك” الإرهابية وما ادت إليه من تغييرات دولية وأخرى في السياسة الخارجية الاميركية تجاه المنطقة العربية والعالم، التي أصبح ممكنا الابتعاد عن “شيطنتها” السائدة أثناء الحرب الباردة المنقضية، ليليها غزو أفغانستان و”الزلزال العراقي” الذي أدى لاستئصال أول نظام ديكتاتوري عربي، وما تلاه من عملية سياسية لإنشاء نظام ديمقراطي في العراق على وقع العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة وفلول النظام القديم، التي ابتلى بها العراق بعد الاحتلال الأميركي.
كما يشير النص لمشاركة الكاتب في مؤتمر قبرص لحق العودة الفلسطيني ومؤتمر إربيل الذي اهتم بالعلاقات الكردية العربية، فالمسألة الكردية كانت من اهتماماته التي جعلته ينشر حولها العديد من المقالات وخاصة حول انتفاضة القامشلي والحركة السياسية الكردية في سوريا. كما يعطي النص فكرة عن كتابين ألفهما بمشاركة وليد مبيض، يبحث أحدهما في العلاقات الروسية العربية في القرن العشرين، والآخر في خيارات إيران المعاصرة، بالإضافة لفكرة عما تضمنته دراسة لإشكالية الديمقراطية في حركة القوميين العرب التي قدمت ل “مركز دراسات الديمقراطية في البلدان العربية” الإماراتي. كما يعرض الكتاب لمقالات نقدية للاتجاهات السياسية الرئيسية في المنطقة العربية ومنها التيار القومي العربي الذي ما يزال مصراً على التمسك بشعارات مضى زمانها، وتيار الإسلام السياسي بأشكاله المختلفة من حماس وحزب الله والإخوان المسلمين السوريين والطالبان والمحاكم الإسلامية الصومالية، والنظام الديني الإيراني بعد إقصائه للتيار الخاتمي من السلطة الذي فشل في تنفيذ إصلاحاته وإنتقل لصفوف المعارضة وشارك في الانتفاضة الشعبية التي تلت تزوير الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة.
كما يتعرض الكتاب للمقالات التي نشرت حول قضايا الاقليات في المنطقة العربية ومنها إلى جانب الكردية، القبطية والامازيغية والأيزيدية والبهائية، وأزمة الوجود المسيحي في المشرق العربي. ويبدي اهتماما خاصاً بالشأن السوري من خلال التعرض لمحاولات الإصلاح السياسي الفاشلة للنظام السوري، ودور ثورة الأرز بإنهاء الوجود السوري في لبنان، ونقد المعارضة السورية وإعلان دمشق من موقع مؤيد، وخاصة “حزب الشعب” السوري الذي تحول من تنظيم ماركسي إلى حزب يساري ليبيرالي لم يقطع نهائياً مع أوهام الأيديولوجيا الشمولية، ونقد لنموذج حزب “ما العمل؟” اللينيني المعروف، بالإضافة لمشاركة الكاتب في مؤتمر للمعارضة السورية بواشنطن، ولتقديم اقتراحات لبرنامج ليبرالي سوري كمشاركة في “ورشة نقاش سورية” تضم مهتمين بانتقال سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية.
وينتهي النص برأي الكاتب في ثورات الربيع العربي وأمله في نجاح الثورة السورية في تغيير النظام القائم، بعد عرض سيرة، تكاد تكون سياسية أكثر منها ذاتية، رغم التعرض لشؤون شخصية، موزعة على مائة وخمسة عشر عنواناً ومكونة من حوالي مائة وثلاثين ألف كلمة، لمشاركته ومتابعته وشهادته على العصر خلال حياته الحافلة.
* ملخص الكتاب الصادر عن دار العارف للمطبوعات في بيروت – آب 2013