توثيق مجزرة الحولة : مجزرة الحولة … وتحويل السهل الأخضر إلى يباس بقلم د.خولة حسن الحديد

توثيق مجزرة الحولة : مجزرة الحولة … وتحويل السهل الأخضر إلى يباس

د.خولة حسن الحديد

منطقة الحولة أو ما يعرف بسهل الحولة، هي عبارة عن سهل زراعي خصب يمتد من غرب وادي نهر العاصي إلى  جبل الحلو غرباً ، ويتموضع ما بين محافظتي حمص وحماة، يتألف السهل من عدة قرى وبلدات تشكل خزاناً بشرياً مترابطاً ومتشابهاً بالعادات والتقاليد وأسلوب الحياة وحتى الأعمال والمهن ، و يضم السهل عدة قرى وبلدات تشكل ما يعرف ب ” الحولة ” وهي “تلدو” التي تعتبر حاضرة منطقة الحولة ومركزها التجاري الرئيس، وهي مركز ناحية يتبع لمحافظة حمص، تقع جنوبها بحيرة سد الحولة الطبيعية التي تحجز فيها مياه الأمطارشتاءً ويعتمد الأهالي عليها في ري محاصيلهم الزراعية صيفاً، و “كفرلاها” وهي  أكبر بلدات منطقة الحولة تقع على طريق حمص – مصياف بين بلدتي تلذهب وتلدو، وإلى الشمال منها تقع

 ” تلدهب”، وغربها تقع “الطيبة الغربية” بالقرب من جبل الحلو وتشتهر بزراعة الزيتون، وتتبع منطقة الحولة وناحية “تلدو” العديد من القرة والبلدات الصغيرة التي تمتد على كافة مساحة السهل المعروف باسمها ( البرج ، طلف ، سمعليل ، أكراد سنينة .. غيرها )، ليصل تعدد سكان تلك المنطقة إلى حوالي 130 ألف نسمة .

تشتهر المنطقة بزراعة الحبوب والبقوليّات، والكرمة والزيتون والرمان، والقطن والخضار، وتربيّة الحيوانات كالأبقار والأغنام والدواجن، والنحل، وتربية أسماك الكارب في سد الحولة، وتشكل خزاناً غذائيا لمحافظ حمص ومختلف القرى والبلدات التي تمتد إلى الغرب منها على سفوح جبل الحلو . كما يشتهر أبناء الحولة بسفرهم إلى المملكة العربية السعودية للعمل ، وبعملهم في تجارة الأثاث المنزلي والمفروشات التقليدية ، وأعمال النجارة .

كانت منطقة الحولة بمختلف قراها وبلداتها من أول المناطق التي التحقت بالثورة وحصلت فيها الكثير من عمليات القتل والتصفية الجماعية والاعتقال من قبل النظام السوري ، وتموضع فيها الجيش والأمن منذ شهور طويلة ، ولم يثن ذلك أهلها عن مواصلة التظاهر … ولكن مجزرة الحولة الأخيرة وضعت المنطقة تحت دائرة الضوء .لتصبح حديثا عالمياّ وذلك لهول المجزرة وفظاعتها والعدد الكبير من ضحاياها .

المجزرة …. “الحولة” تحت دائرة الضوء .. وأكبر انعطافات الثورة السورية

شهدت بلدة ” تلدو” في منطق الحولة مظاهرة حاشدة في جمعة ” دمشق موعدنا قريب ” ٢٥/ مايو ٢٠١٢ شارك فيها عدد كبير من الأهالي، وبوجود  الحواجز الأمنية والأسلحة الثقيلة كما هو معتاد منذ شهور ، قبل انفضاض المظاهرة بوقت قليل ما بين الواحدة والنصف والثالثة ظهراً بدأ القصف العشوائي وإطلاق الرصاص على الأهالي من مختلف الحواجز الموجودة في البلدة ، وقد اشتدّ القصف من الجهة الشرقية للبلدة من جانب المزارع ،وتمت الاستعانة بالطيران الحربي واستفرد الجيش والأمن بالبلدة التي أصبح القصف عليها عنيفا من مختلف الجهات .

كان القصف مباشر على بيوت المدنيين وخاصة الواقعة على الطرف الشرقي ، مع إطلاق كثيف للرصاص من حاجز أمني عند دوار الحرية وسط البلدة ( تلدو) بكل الاتجاهات، بتغطية من الطيران الحربي والشراعي، تواصل القصف الكثيف حتى منتصف الليل وبقي متواصلاً حوالي عشر ساعات ..قصفت خلالها البلدة من جهة الجنوب من حاجز نصب على مفرق قرية القبو ومن قبل القوات الخاصة التي جاءت بأعداد كبيرة لتتجمع في قرية القبو للتوجه منها إلى بلدة “تلدو” بحجة حدوث حرائق هناك وطلب تعزيزات أمنية وعسكرية من قبل الأهالي ، وقامت هذه القوات بقصف مدفعي بادئ الأمر ثم تم اقتحام البلدة بشكل رهيب وهمجي ، وخلال دقائق انتشروا في كامل البلدة دون أن يلقوا أية مقاومة إذا لم تكن موجودة أصلاً، و نصب مزيد من الحواجز العسكرية والأمنية حول المنطقة… ومن جهة الغرب شمالأ من تلة تطل على قرية قرمص الموالية للنظام وقرية فلة الواقعة غرب سد الحولة مباشرة .. كما تم قصف البلدة من الكلية الحربية بحمص بالصواريخ وهذا ما يشهد عليه عدد من سكان منطقة الوعر حيث تقع الكلية الحربية .. ومن قرية خربة السودا الكائنة على بعد 10 كم من جسر طريق مصياف غرب مدينة حمص قليلا كانت تنطلق القذائف من  راجمات الصواريخ…. مع تواصل تحليق للطيران الحربي فوق البلدة، و فتح لجدار الصوت مترافقاً مع قصف بالدبابات ال تي 72 و الشيلكة الروسية التي كانت تستهدف كل شيء في المنطقة، لتتحول البلدة إلى ساحة حرب حقيقية ، كما كان القناصون المنتشرون في الأحياء الداخلية للبلدة يطلقون الرصاص على أي شيء يتحرك .

قبل حلول الظلام بفترة بسيطة دخلت إلى البلدة عدة سيارت من نوع بيك آب بيضاء محملة بالمسلحين ..جاؤوا من مفرق قرية القبو من الجنوب، ومن قرية فلة والشرقلية ومصياف البستان من جهة الغرب ، ومن قرية الشنيه من جهة دوار الحرية الذي يتوسط البلدة. يرتدي بعضهم اللباس العسكري المموه الشبيه بلباس الجيش، وبعضهن الآخر يرتدي اللباس المدني الذي يغلب عليهم اللون الأسود ..بدأ هؤلاء بمهاجمة البيوت وقتل عائلات كاملة رمياً بالرصاص عن قرب .. أو ذبحاً وطعنا بحراب أسلحتهم . لم يكن أحد من أهالي البلدة قادر على معرفة ماذا يحصل خارج بيته ، ترّكزت عمليات الشبيحة بشكل رئيسي في البيوت التي على أطراف البلدة وخاصة تلك الواقعة في الحي المقابل للمشفى الوطني ، وفي حي الناصرية..مع إحراق لأراضي الزراعية وبساتين الزيتون المجاورة لمنازل الأهالي ،وبعض البيوت وقتل المواشي بأعدد كبيرة من أبقار وأغنام. بعد توقف القصف بعد منتصف الليل وبزوغ ساعات الفجر الأولى ..بدأ الناس والناشطون بتفقد ما جرى ليجدو عشرات الأطفال والنساء قد قضوا داخل البيوت .. هذا عدا عن الذين قضوا بسبب القصف العشوائي، وتعذر إسعاف أي جريح بسبب سيطرة الجيش والأمن على المشفى الوطني بالبلدة وقيام الشبيحة بإحراق المشفى ..

خلال القصف وبعد اكتشاف المجازر حاولت عدد من العائلات الهرب باتجاه الأراضي الزراعية شرقاً ..وخلال ذلك كانت تتم ملاحقتهم من قبل الشبيحة وتتم تصفيتهم ..وما زال الأهالي حتى اللحظة يمشطون الحقول الزراعية ويجدون مزيداً من جثث الأطفال والنساء وكبار السن خاصة..

كانت الحصيلة الأولية للشهداء 92 شخصاً بينهم 32 طفلاً دون سن العاشرة، وأبيدت عائلات بكاملها منها عائلة السيد الكائن منزلها بجانب مفرزة الأمن العسكري،وهي العائلة التي أظهر صورها تلفزيون الدنيا . وتحدث الأهالي والناشطون عن مناظر رهيبة لجثث غطتها الدماء ، ولأطفال  تهشمت جماجم بعضهم بضربات حراب البنادق أو سلاح أبيض غير معروف، ومنهم من طعن في شتى أنحاء جسده .

 تحدث الأهالي عن دخول المسلحين إلى بيوتهم بحماية من الدبابات القريبة ، كانوا يسألوا عن الرجال، وحتى عندما لم يكن في المنازل أي رجل كان يتم اقتحام المنازل وإطلاق الرصاص بكثافة عن قرب واستخدام السلاح الأبيض لطعن الضحايا، وبعض الأطفال قد تم تقييد أيديهم وأرجلهم وربطهم ببعضهم البعض حسب شهادات الناجين والصور التي توثق ذلك.

في رواية الأهالي يتم اتهام الشبيحة من القرى المجاورة بالقيام بمجزرة على خلفية حقد طائفي وعمل ثأري، إذا يروي الأهالي أن سكان قرية القبو كانوا قد توعدوهم لمقتل رجل من عندهم يعرفون عائلته وهويته، وهو سائق تكسي ويسكن في كرم الزيتون بمدينة حمص ،وقد وجد يوم 22 مايو الجاري قريبا من المزراع شرق القبو مقتولاً ويومها أحضره أهالي ” تلدو” إلى أحد مساجدهم ودفنوه على الطريقة الإسلامية وتعرفوا على هويته من خلال أحد معارفه، ولاحقاً جاء أقارب له برفقة الشبيحة ونبشا القبر وأخذوا الجثة ، اتهم أقارب الرجل أهل البلدة بقتله وهم الذين اعتبروه شهيدا ودفنوه مكرماً كشهيد ، وتوعدوا بالانتقام ..واستغلوا وجود الجيش وتنفيذه لعملية عسكرية ودخلوا إلى البلدة ونفذوا عمليات قتل بشعة ..وكان عدد من الأهالي قد تعرّف على عدد منهم وهم من قرية القبو ومن بلدة قناقية الكائنة بين قريتي القبو والشرقلية.. قام هؤلاء مع شبيحة القبو بالدخول إلى البلدة وأطلقوا الرصاص على أي شيء يتحرك ، وتمّ واقتحام البيوت واستباحة البيوت بشكل كامل، دون وجود أية مقاومة من الأهالي ودون أي محاولة ردع لهم من قبل الجيش، ويؤكد بعض الناشطون معرفتهم لهؤلاء كونهم ارتكبوا قبل شهور مجزرة في البلدة قام بها شبيحة من مناطق وادي الدهب والنزهة من مدينة حمص حيث قتلوا ذبحاً بالسكاكين 11 عامل بمصنع بالحولة تحت حماية الجيش والأمن، وكان بعض من هؤلاء برفقة شبيحة القبو في المجزرة الحالية .

يؤكّد رواية الأهالي هذه أيضاً بعض الناشطين من ناحية مريمين المجاورة، والذين تحدثوا عن جهود كبيرة بذلها أهالي مريمين وكبار السن فيها وحتى النساء منهم لمنع ثلاثة من الشبيحة المعروفين من الخروج من البلدة ومشاركتهم في  الهجوم على بلدة “تلدو”، وبعد عناء كبير استطاع الأهالي منعهم ..وكانت المفاجأة أن يأتي رجال الأمن السوري ليأخذوا هؤلاء “الشبيحة” من بيوتهم ليشاركوا في المجزرة .. علماً أن هؤلاء معروفين لسكان مريمين وهم من قام بنصب حاجز في مدخل بلدتهم .. وهم من شارك في عمليات نهب وسرقة لبلدة الطيبة سابقا .وحينها تدارك أهالي مريمين الموقف وتواصلوا مع أهالي الطيبة وقدموا اعتذاراتهم وحاولوا تعويض الأهالي ، وتربط عدد من شباب مريمين علاقة وثيقة بأبناء الحولة ..وقبل يومين فقط من المجزرة اعتقل أحد أبناء مريمين وهو في طريقه لتوصيل خميرة لعجين الخبز إلى إحدى قرى الحولة، ويوم المجزرة بالذات أيضا اعتقل شخص آخر وكان معه مواد طبية وإسعافية ، وتؤكّد هذه الرواية تورط الأمن السوري والجيش المرابط في الحولة وبلداتها بالمجزرة التي ارتكبت وما ارتكب قبلها من مجازر ، كما تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن النظام وعصاباته يسعون بكل قوتهم لإشعال فتنة طائفية ولإثارة الحقد ومشاعر الانتقام ، وبعد ارتكاب المجزرة مباشرة شهد أهالي مريمين حضور عدد كبير من السيارات البيضاء محملة بأعداد كبيرة من المسلحين الغرباء عن المنطقة جاءت غلى بلدتهم دون أن يعرفوا الهدف من وجودهم، وماذا تبيّت للمنطقة كلها عصابات النظام.

يذكر أن الأهالي والناشطين طالبوا لجنة المراقبين الدوليين بالتوجه عاجلاً للحولة و معاينة ما يحدث فيها من تدمير وقتل ، ولم يصل المراقبين حتى اليوم التالي ، وتحدث الناشطون من مدينة حمص على وسائل الإعلام بأنهم اتصلوا بالمراقبين وقالوا لهم بأنهم لا يستطيعون الوصول للمنطقة، وإنما سيكلمون محافظ حمص ويطلبون منه وقف القصف .

في اليوم التالي للمجزرة ،شهد المراقبون الدوليون دفن الجثث في مقبرة جماعية.

ويتحدث الأهالي اليوم عن ارتفاع عدد الشهداء إلى 116 شهيد بعد أن وجدوا عدداً من الجثث في الأراضي الزراعية ..والعدد مرشح للزيادة .. وقد نزح عدد كبير من أهالي البلدة إلى القرى المجاورة لها باتجاه الشرق ، وتم إجلاء عدد من الجرحى إلى مناطق متفرقة غالبيتهم جروحهم خطيرة وبحاجة لعمليات جراحية ، ومنهم من بترت أعضاءه .

ملاحظة : المعلومات الواردة أعلاه جمعت من شهادات الأهالي والناشطين في منطقة الحولة والقرى المجاورة .

 

 

من فيديوهات المجزرة – شهادات الأهالي

http://www.youtube.com/watch?v=d7mV59pU0MY&feature=youtu.be

http://www.youtube.com/watch?v=TdsXYPGaW5c&feature=relmfu

http://www.youtube.com/watch?v=GAT-HuMq4OU&feature=youtu.be

http://www.youtube.com/watch?v=GAT-HuMq4OU&feature=youtu.be

http://www.youtube.com/watch?v=DJhAbaaNGuE

http://www.youtube.com/watch?v=ezI5gMu6mr4

http://www.youtube.com/watch?v=lnhlWpE-MNY&feature=related