منذ ان تدخل الطيران الروسي في سماء سورية، وهو يعربد في تلك السماء الطاهرة، حيث يقصف المدنيين حاصداً أرواح المئات منهم يومياً، ولم يردعه أحد، وبالطبع حجته هي إرهاب داعش، ولكنها في الحقيقة هو دعم إرهاب رأس النظام السوري، الطاغية الأسدي. هذا الطيران المعربد لم يقصف مواقف داعش، بل كان يقصف كل مناطق تواجد المعارضة السورية المقاتلة على الأرض.
ليس هذا فحسب، بل هو اخترق أكثر من مرة، فضاء الدولة التركية، حيث اعتذر العديد من المرات على ذلك، من هذه الدولة التي تربطها بالوطن السوري حدوداً تبلغ مئات الكيلومترات، ولكن هذه المرة، وبعد عدة إنذارات عدة، قام الطيران الحربي التركي بإسقاط طائرة السوخوي 24، ليسقط قسم من حطامها في الأراضي السورية، حيث اعتبرها وزير خارجية النظام الأسدي، وليد المعلم، بأن اسقاط هذه الطائرة هو انتقاص من سيادة الأراضي السورية، التي لم يبقى جيش من جيوش العالم ولم ينتقص من هذه السيادة، وذلك بحجة حماية النظام “الشرعي” المسجون في قاسيون، والمضحك وبطريقة مأسوية ومبكية اعتبار هذا الوزير الارعن، بأن السيادة السورية هي امتداد للسيادة الروسية، فـ “أين السيادة يا سيادة الوزير، ولقد ادخلتم كل حثالات العالم الى الوطن السوري الغالي، مستبيحين هذه السيادة لإسرائيل وايران ومخلفاتها، وروسية، واليوم حتى البلغار يريدون ان يكون لهم دور في هذه الاستباحة”، هذا بالطبع غير استباحة قوى التحالف الجوي العالمي، الذي يدعي محاربة داعش و الداعشية، لسماء هذا الوطن.
جن جنون صاحب الكرملين، وازدادت عرب9دته ضد الاتراك، فلقد فقد في ما يقارب الشهر ثلاث طائرات، واحدة مدنية في سيناء، ذهب ضحيتها 224 مدنياً، وهو بالطبع عمل ارعابي مدان، وطائرة السوخوي 24، وحوامة كانت تفتش عن بقايا طياري السوخوي، وهو ما لم يكن يتوقعه طاغية الكرملين، لأنه كان يعتقد بأنه سيستمر في انتهاك الأجواء التركية دون ان يتلقى أي صدمة، معتقداً بنفسه ان الطيران العسكري التركي لن يرد عليه، فكان الحدث الذي افقد بوتين عقله قبل اعصابه، وأخذ يرغي ويزبد ضد الجار التركي، مهدداً إياه بالانتقام السريع، فارسل الى سورية بطاريات أس 400 لحماية طائراته المحتلة لمطار الحميم، مهدداً بأسقاط اية طائرة تنتهك السماء السورية، كأنه امتلك هذه السماء، ناسياً أو متناسياً بأنه اول المنتهكين لهذه السماء.
حاول بوتين ان ينتقم عن طريق فرض عقوبات اقتصادية على تركية، بحجة انها تدعم داعش وتشتري النفط منها، لا بل مد اتهاماته الى الدول الخليجية، ولقد بلغت الصفاقة لدى الاعلام البوتيني بأن يهدد كل الخليج، كون الأخير يمكن ان يشكل بديلاً للغاز الروسي. في المعادلة الاقتصادية القائمة بين الجارين الروسي والتركي فأن الروس هم الخاسرون، فالاقتصاد الروسي في حالة لا يحسد عليها، فبوتين قد اعماه الحقد والطائفية عن توخي الحقيقة، بأن تركية ليست معزولة دولياً، بينما الاقتصاد الروسي معزول ومطوق من كل جانب، وبسهولة تستطيع تركية ان تعوض السوق الروسية، بينما من الصعب على السوق الروسية ان تعوض هذه السوق التي كانت مفتوحة لها، سواء عن طريق شراء الغاز الروسي، او بناء المفاعل النووي التركي، وغيرها من المنتجات، لأن الميزان التجاري ما بين البلدين لا يتحمل المغامرات البوتينية وعربداته.
اما تصرفه الارعن بحق رجال الاعمال الاتراك، فهو عبارة عن شخبطات لا معنى لها، حتى فرضه تأشيرة الدخول على الاتراك والتضييق على العمالة التركية في روسية ليس لصالح الاقتصاد الروسي الذي قد يهتز من جراء هذه القرارات المتسرعة، التي يعوضها الاتراك بسهولة في باقي انحاء العالم، وما منحة الثلاث مليارات يورو، التي قدمها الاتحاد الأوروبي لتركية، وبعد اسقاط الطائرة الروسية، وذلك من أجل منع تدفق اللاجئين الى أوروبا، وبالمناسبة ليس كلهم سوريين، الا خير دليل بأن أوروبا لن تتخلى عن تركية، وما يقال عن أوروبا يقال أيضا عن الولايات المتحدة الامريكية الحليف الاستراتيجي لتركية.
على بوتين ان يتوقف عن الاعتداءات في كل مكان، فهو ليس في وضع مرتاح حتى يستمر في عربدته، فلقد انتصف الشهر الثاني من تدخله السافر في الوطن السوري، لأنه في الحقيقة كان يتدخل بشكل متستر، منذ بداية الحراك الثوري، وهو لم يحقق أي انتصار لا هو ولا حليفه الاسدي ولا الإيرانيون، فلقد بقيت القوى المقاتلة غير الداعشية، مسيطرة على الأرض، وكل هذا القصف للمدنيين لن يزيد الشعب السوري الا صلابة وصموداً وقوة ضد الغزاة، ولن تنفع كل قوى الشر المستنفرة لقتال هذا الشعب التواق الى الحرية والديموقراطية والكرامة التي حرمهم منها البعث لمدة أكثر من نصف قرن من الزمان، لمنعه من الوصول الى هدفه هذا.
نشرت هذه المقالة في جريدة العرب لوس انجلوس كاليفورنيا في العدد 1152 تاريخ 25 تشرين الثاني 2015 وكذلك في موقع كلنا شركاء عبر الرابط