الشعـب السوري ومصـير الاسـد بهنان يامين

الشعـب السوري ومصـير الاسـد

بهنان يامين

   بهنان يامين جديدة جملة تتكرر من الأنظمة والقوى المؤيدة للاسد " مصير الاسد يقرره الشعب السوري" كل مطلع تصريح للروسي لافروف او الايراني ظريف او الحالشي حسن نصرالله، يرددون هذه العبارة، كانها اصبحت البسملة بالنسبة لهم جميعاً. بالاضافة الى ان هذا الكلام الذي يعتبر نوع من الهرطقة السياسية، فهو في الوقت ذاته، كلام حق يراد به باطل، نعم من يقرر مصير الاسد هو الشعب السوري البطل، الذي دفع ثمناً غالياً لهذا الحق، الذي لم يكتمل بعد، رغم السنوات الخمسة من عمر الحراك الثوري، والذي كانت اول صيحات الحرية في منطقة الحريقة، تلك الصيحة المدوية التي كانت اول تعبير معادي للسلطة الاسدية، تلك الصرخة القائلة " الشعب السوري لن ينذل،" ومن هنا كانت بداية تقرير مصير الاسد الابن.

   مقابل هذه الهرطقة يطرح سؤال هام واساسي، يتكرر بشكل يومي، وعلى كافة الاصعدة، وفي الكل صحافة المنطقة، سواء الورقية منها، او الالكترونية، او صفحات التواصل الاجتماعي، الا وهو " هل نظام البعث، وبالتالي نظام الأسد، الأب والأبن، شرعي؟ وفي حال كونه شرعي من اين اتت شرعيته هذه؟ هل هي من الشعب ام من الدبابة؟ ". يجمع معظم السوريون بأن شرعية البعث، وكما سبق ان كررناه في أكثر من مقال، شرعية انقلابية، سواء بانقلابه على السلطة الديموقراطية، التي افرزها انفصال الوحدة المصرية – السورية، او بانقلابه على من شاركوه الانقلاب، او على رفاقهم في حركة 23 شباط 1963، وصولاً الى حركة حافظ الأسد، المسماة زوراً وبهتاناً، بالتصحيحية، لتنتهي بتوريث السلطة للاسد الابن. في كل هذه الحركات الانقلابية لم يكن للشعب أي دور، بل غالباً ما كان ينتفض بداخله، ليصمت مشكلاً تلك الاكثرية الصامتة، التي لم تكن تمتلك الشجاعة، لقول كلمة لا لهذه الهرطقة السياسية، والتي حولته الى شاهد زور على حقه في تقرير مصير الاسدين، الاب والابن، حيث لم يكن امامه أي خيار الا خيار " قائدنا الى الأبد" الذي كان ضمنيا مرفوضاً من الشعب السوري المقهور والمضطهد والمسلط عليه الأجهزة الامنية المتصرطنة على المجتمع السوري.

    لنفترض جدلاً، بأن ما تقوله القوى المؤيدة للاسد، عن حق الشعب السوري بتقرير مصير الأسد ونظامه برمته صحيح، فما هي الوسيلة المثلى لتحقيق هذا الحق؟ قد يقول قائل يتم ذلك عن طريق الانتخابات، وقد يردف حسنو النية، باشراف دولي عبر مجالس حقوق الانسان العالمية. لنسلم معهم ونقبل بهذا الطرح، ولكن يقفز هنا سؤال بديهي، وماذا عن الأجهزة الامنية، التي كانت تضع القوائم، وتشرف على الاستفتاءات بكل اشكالها، ما هو دورها في حق تقرير مصير الأسد؟. لا يمكن، لا بل من المستحيل، ان تجري اية أنتخابات  وتكون شفافة، ولا حتى بنسبة واحد بالمئة، كون الموطنون السوريون، في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية، لن يكون لهم حرية الأختيار، فالأختيار سيكون لما تخططه الأجهزة الأمنية من تزوير مؤكد للانتخابات.

   لجماعة " الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد"، نقول: هل يستطيعون ان يكفوا يد الاجهزة الأمنية عن حق الشعب السوري بالأختيار الحر؟ وبوجب اي دستور ستجري هذه الانتخابات؟ عرفت سورية خلال الخمس سنوات من عمر الحراك الثوري، استفتاءاً على دستور، الذي لم يضعه ذوي الاختصاص بالقانون الدستوري، ومن هنا جاء دستوراً اسوء من دستور ابيه، حيث وضع مقادير الدولة السورية كلها في يد الرئيس، وأعلن أسلمة الدولة من خلال المادة الثالثة والرابعة، والاستفتاء عليه جاء منقوصاً كونه جرى في المناطق المتواجد فيها النظام فقط، اي ان أكثر من نصف الشعب السوري لم يذهب الى الاستفتاء، ولم يستفتي الا المؤيدين والخائفين على وظائفهم واعمالهم، كون سلطة الاجهزية الامنية ترهب أكثرهم، ورغم كل هذا، هناك أكثرية صامت لم تشارك بهذه المهزلة. ما يقال عن هذا الاستفتاء، يقال ايضاً عن انتخابات المجلس، المسمى زوراً بمجلس " الشعب"، والذي لا يمثل الشعب السوري بألمطلق، وهو مجلس كون في مطابخ الاجهزة الامنية، ترشيحاً وانتخاباً. اما الاستفتاء على رئيس الجمهورية، فلنا في مهزلة التصويت الذي جرت في السفارة السورية في لبنان، خير دليل على قسر المواطن على التصويت للاسد، بطرق تحايل لم تعرفها حتى اعتى الديكتاتوريات في جمهورية الموز.

   مختصراً، نرد على مقولة " الشعب السوري يقرر مصير الأسد"، بأنه قد قررها فعلا، سواء بالتظاهر ضده في بداية الحراك، اوبالقتال ضد جيش الاسد المترهل والفاسد، ومن لم يستطيع ان يقاتل، فضل ركوب المخاطر، واللجوء الى بلاد الاغتراب، وذلك هرباً من بطش وبراميل ودبابات والطيران الحربي الدولي، أو من كل قوى الشر والتكفير. ان هروباً كهذا هو ايضاً مشاركة بتقرير مصير الأسد، وذلك برفض سلطته ونظامه، الشعب قال كلمته في حق تقرير مصير الأسد، بكلمتين رددها ابراهيم القاشوش، ودفع حياته ثمناً لها " ارحل عنا يا بشار" وبشعار " الشعب يريد اسقاط النظام" الذي كتبه اطفال ومراهقي درعا.

  في بداية الثورة وبالتحديد في شهر اب 2011، كتب جورج طرابيشي مقالاً بعنوان " النظام السوري، اصلاح ام الغاء" ليتوصل الى نتيجة منطقية بأنه لا يمكن اصلاح هذا النظام الا بالغاءه، وقد كان على صواب.

كتبت هذه المقالة في جريدة العرب لوس انجلوس العدد 1154 في 9 كانون الاول  2015. ونشرت في كلنا شركاء على الرابط التالي

http://all4syria.info/Archive/277436