الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد
جملة تتكرر من الأنظمة والقوى المؤيدة للأسد ” مصير الأسد يقرره الشعب السوري” كل مطلع تصريح للروسي لافروف او الإيراني ظريف او الحالشي حسن نصرالله، يرددون هذه العبارة، كأنها أصبحت البسملة بالنسبة لهم جميعاً. بالإضافة الى ان هذا الكلام الذي يعتبر نوع من الهرطقة السياسية، فهو في الوقت ذاته، كلام حق يراد به باطل، نعم من يقرر مصير الأسد هو الشعب السوري البطل، الذي دفع ثمناً غالياً لهذا الحق، الذي لم يكتمل بعد، رغم السنوات الخمسة من عمر الحراك الثوري، والذي كانت اول صيحات الحرية في منطقة الحريقة، تلك الصيحة المدوية التي كانت اول تعبير معادي للسلطة الاسدية، تلك الصرخة القائلة ” الشعب السوري لن ينذل،” ومن هنا كانت بداية تقرير مصير الأسد الابن.
مقابل هذه الهرطقة يطرح سؤال هام واساسي، يتكرر بشكل يومي، وعلى كافة الأصعدة، وفي الكل صحافة المنطقة، سواء الورقية منها، او الالكترونية، او صفحات التواصل الاجتماعي، الا وهو ” هل نظام البعث، وبالتالي نظام الأسد، الأب والأبن، شرعي؟ وفي حال كونه شرعي من اين أتت شرعيته هذه؟ هل هي من الشعب ام من الدبابة؟ “. يجمع معظم السوريون بأن شرعية البعث، وكما سبق ان كررناه في أكثر من مقال، شرعية انقلابية، سواء بانقلابه على السلطة الديموقراطية، التي افرزها انفصال الوحدة المصرية – السورية، او بانقلابه على من شاركوه الانقلاب، او على رفاقهم في حركة 23 شباط 1963، وصولاً الى حركة حافظ الأسد، المسماة زوراً وبهتاناً، بالتصحيحية، لتنتهي بتوريث السلطة للأسد الابن. في كل هذه الحركات الانقلابية لم يكن للشعب أي دور، بل غالباً ما كان ينتفض بداخله، ليصمت مشكلاً تلك الأكثرية الصامتة، التي لم تكن تمتلك الشجاعة، لقول كلمة لا لهذه الهرطقة السياسية، والتي حولته الى شاهد زور على حقه في تقرير مصير الاسدين، الاب والابن، حيث لم يكن امامه أي خيار الا خيار ” قائدنا الى الأبد” الذي كان ضمنيا مرفوضاً من الشعب السوري المقهور والمضطهد والمسلط عليه الأجهزة الأمنية المتصرطنة على المجتمع السوري.
لنفترض جدلاً، بأن ما تقوله القوى المؤيدة للأسد، عن حق الشعب السوري بتقرير مصير الأسد ونظامه برمته صحيح، فما هي الوسيلة المثلى لتحقيق هذا الحق؟ قد يقول قائل يتم ذلك عن طريق الانتخابات، وقد يردف حسنو النية، بأشراف دولي عبر مجالس حقوق الانسان العالمية. لنسلم معهم ونقبل بهذا الطرح، ولكن يقفز هنا سؤال بديهي، وماذا عن الأجهزة الأمنية، التي كانت تضع القوائم، وتشرف على الاستفتاءات بكل اشكالها، ما هو دورها في حق تقرير مصير الأسد؟. لا يمكن، لا بل من المستحيل، ان تجري اية انتخابات وتكون شفافة، ولا حتى بنسبة واحد بالمئة، كون المواطنون السوريون، في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية، لن يكون لهم حرية الاختيار، فالاختيار سيكون لما تخططه الأجهزة الأمنية من تزوير مؤكد للانتخابات.
لجماعة ” الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد“، نقول: هل يستطيعون ان يكفوا يد الأجهزة الأمنية عن حق الشعب السوري بالاختيار الحر؟ وبوجب أي دستور ستجري هذه الانتخابات؟ عرفت سورية خلال الخمس سنوات من عمر الحراك الثوري، استفتاءات على دستور، الذي لم يضعه ذوي الاختصاص بالقانون الدستوري، ومن هنا جاء دستوراً اسوء من دستور ابيه، حيث وضع مقادير الدولة السورية كلها في يد الرئيس، وأعلن أسلمة الدولة من خلال المادة الثالثة والرابعة، والاستفتاء عليه جاء منقوصاً كونه جرى في المناطق المتواجد فيها النظام فقط، أي ان أكثر من نصف الشعب السوري لم يذهب الى الاستفتاء، ولم يستفتي الا المؤيدين والخائفين على وظائفهم واعمالهم، كون سلطة الأجهزة الأمنية ترهب أكثرهم، ورغم كل هذا، هناك أكثرية صامت لم تشارك بهذه المهزلة. ما يقال عن هذا الاستفتاء، يقال أيضا عن انتخابات المجلس، المسمى زوراً بمجلس ” الشعب”، والذي لا يمثل الشعب السوري بالمطلق، وهو مجلس كون في مطابخ الأجهزة الأمنية، ترشيحاً وانتخاباً. اما الاستفتاء على رئيس الجمهورية، فلنا في مهزلة التصويت الذي جرت في السفارة السورية في لبنان، خير دليل على قسر المواطن على التصويت للأسد، بطرق تحايل لم تعرفها حتى اعتى الديكتاتوريات في جمهورية الموز.
مختصراً، نرد على مقولة ” الشعب السوري يقرر مصير الأسد”، بأنه قد قررها فعلا، سواء بالتظاهر ضده في بداية الحراك، وبالقتال ضد جيش الأسد المترهل والفاسد، ومن لم يستطيع ان يقاتل، فضل ركوب المخاطر، واللجوء الى بلاد الاغتراب، وذلك هرباً من بطش وبراميل ودبابات والطيران الحربي الدولي، أو من كل قوى الشر والتكفير. ان هروباً كهذا هو أيضا مشاركة بتقرير مصير الأسد، وذلك برفض سلطته ونظامه، الشعب قال كلمته في حق تقرير مصير الأسد، بكلمتين رددها ابراهيم القشوش، ودفع حياته ثمناً لها ” ارحل عنا يا بشار” وبشعار “الشعب يريد اسقاط النظام” الذي كتبه أطفال ومراهقي درعا.
في بداية الثورة وبالتحديد في شهر اب 2011، كتب جورج طرابيشي مقالاً بعنوان ” النظام السوري، اصلاح ام الغاء” ليتوصل الى نتيجة منطقية بأنه لا يمكن اصلاح هذا النظام الا بإلغائه، وقد كان على صواب.
كتبت هذه المقالة في جريدة العرب لوس انجلوس العدد 1154 في 9 كانون الأول 2015. ونشرت في كلنا شركاء على الرابط التالي