حصار غزة وحصار المنطقة العربية بهنان يامين

مخيم اليرموكغزة

 

 

 

 

 

 

         غزة تموت يا عرب                                                        مخيم اليرموك يموت جوعا

حصار غزة وحصار المنطقة العربية

                       بهنان يامين

    ليست المرة الاولى التي تحاصر فيها غزة، وبالقطع لن تكون المرة الأخيرة. وإثر أي عملية مقاومة يتحجج الاسرائيليون بها ليتم اجتياح القطاع، فمنذ ان اعلن شارون الانسحاب العسكري من قطاع غزة، اجتيح القطاع أكثر من مرة، وفرض عليها حصاراً جواً وبراً وبحراً، حيث عان فلسطينيو القطاع من معاناة قاسية على المستوى الانساني.

   مما لا شك فيه ان الحصار والاجتياح مدان إدانة كاملة من الناحية الانسانية والاخلاقية والسياسية، ولا يبره مقتل الاسرائليين الثلاث، المدان هو ايضاً، لانه عملية مجانية لم تحقق للخاطفين اي مكسب الا اذا كانت غايتهم هي منع المصالحة الفلسطينية ما بين حماس وفتح، وقيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وهي بالطبع رغبة اسرائيلية.

      حصار وأجتياح غزة هو من قبل دولة عدوة، ولكن ماذا عن الحصارات التي فرضتها الدول التي كان من المفترض بها ان تكون داعمة للشعب الفلسطيني، فمنذ 1948 والشعب الفلسطيني يعيش في أوضاع صعبة، فلقد حوصروا في معسكرات التنك والتوتياء، ضمن غيتوات لم يكن يستطيعون الخروج منها الا للعمل، كونهم يشكلون يداً عاملة رخيصة. ولقد ذبح وقتل من الفلسطينين بايد عربية اكثر بكثير ممن قتل باليد الاسرائيلية. اذا كان الناس تنسى فالتاريخ لن ينسى مجزرة أيلول الاسود، الذي اجتاح فيه الجيش الاردني معسكرات الفلسطينيين بحجة إقصاء المنظمات الفلسطينية المقاومة للعدو الاسرائيلي، ولن ينسى تاريخ الشعب الفلسطيني حصار مخيم الضبية والنبعة وتل الزعتر بايدي لبنانية ولكن بدعم كامل من قبل جيش الاحتلال السوري للبنان.

   لن ينسى هذا التاريخ كيف لعب النظام الأسدي على الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، فمزق هذه المنظمات وجعل منها أكثر من منظمة، ليس هذا فحسب بل اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان وعاصمته بيروت، وقفت قوات حافظ الاسد، المحتلة للبنان، تتفرج على العدو الاسرائيلي وهو يحاصر المقاومة الفلسطينية، ويخرجهم بالبواخر الى الشتات حيث المصير قاتم ومجهول. نتيجة هذا الخروج كانت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي، وباعتراف القوى الاسرائيلية، كانت من افظع المجازر ولقد ارتكبها مع الاسف مليشيات مسيحيية وبحماية اسرائيلية.

       

    ولكن هل حصار غزة هو الوحيد في المنطقة العربية، فالحصارات تتوالى على المنطقة العربية منذ قيام الدولة العبرية، وكان نصيب الفلسطينين الحصة الأكبر، حصارات ليس فقط من قبل الدولة العبرية بل مِن قبل مَن كان من المفترض ان يعملوا على المساهمة في تحرير هذا الشعب المنكوب منذ 66 عاماً، وتحقيق حلمه بحق العودة.

   لم تكن نكبة 1948 نكبة للشعب الفلسطيني فحسب، بل كانت مأساة لكل شعوب المنطقة التي أبتليت بحصار قاتل من قبل الإنظمة القمعية، وذلك عن طريق قمع هذه الشعوب بحصارها بالاجهزة الأمنية التي حبست انفاسها منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.

  لم يكن الحصار فقط حصاراً أمنياً، بل كان حصاراً بالتأخر الذي شمل كل جوانب الحياة. فقمع الحريات العامة وعدم السماح بقيام الاحزاب السياسية، ومنع حرية الصحافة والمعتقد، أدى الى تصحر سياسي غيب العملية الديموقراطية، وحول المنطقة الى مستنقع من الجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

  أنعكس هذا الحصار اللاديموقراطي على كل جوانب الحياة لبلدان المنطقة. لم تستطع بلدان المنطقة ان تبني حياة سياسية، بل حوصرت شعوبها بمفهوم الحزب الواحد اللاديموقراطي، حيث سيطر العسكر على هذا الحزب او ذاك، وعوضاً ان يبنوا دولاً بنوا مزارعاً تديرها عصابات مافيوية، ولنا في كل من  نظامي البعثين العراقي والسوري الا خير نموذج على مأسوية احوال بلدان المنطقة، فالبعث العراقي ساهم في تدمير اقتصاد العراق والخليج وايران، ولقد مارس هذا النظام البعثي الصدامي الطائفية السياسية والعنصرية، ولا زال العراق يحصد نتائج هذه السياسة، وما بروز داعش " المفاجئ" الا نتيجة من نتائج هذه السياسة.

   اما البعث السوري، سواء في عهد الأب والآبن، فحدث ولا حرج، ففي سورية وخلال نصف قرن من الزمن لا دولة، فأهم مقومات الدولة العصرية غير قائمة، فالقضاء فاسد، والاقتصاد مرتهن لعصابات أقارب آل الاسد، والتعليم متفسخ، والجيش غير منضبط.  وبالطبع نتيجة الهيمنة الامنية، فلا فصل بين السلطات، فالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، هي تحت اشراف الاجهزة الامنية التي حاصرت الشعب السوري ولا زالت منذ أكثر من نصف قرن لتفرض عليه ارهاب الدولة. هذا النظام هو من ادخل سورية تحت الاحتلال الايراني وتحت الاحتلال الداعشي والقوى التكفيرية.

   في القديم قال طرفة بن العبد:

وظلم ذوي القربى اشد مضاضة    على النفس من وقع  الحسام المهند

 اليوم اسرائيل تحاصر غزة وتجتاحها، والنظام الاسدي وحلفائه يحاصرون اليرموك ويدمرونها على رأس اصحابها أسوة بكل سورية وشعبها، فأي حصار أرحم؟ أحصار الدولة العدوة ام حصار العصابات الاسدية والتكفيرين لكل سورية؟

سؤال جوابه معروف ولكن يخجل الجميع من الاجابة عليه.