ليست المرة الأولى التي تحاصر فيها غزة، وبالقطع لن تكون المرة الأخيرة. وإثر أي عملية مقاومة يتحجج الإسرائيليون بها ليتم اجتياح القطاع، فمنذ ان اعلن شارون الانسحاب العسكري من قطاع غزة، اجتيح القطاع أكثر من مرة، وفرض عليها حصاراً جواً وبراً وبحراً، حيث عان فلسطينيو القطاع من معاناة قاسية على المستوى الإنساني.
مما لا شك فيه ان الحصار والاجتياح مدان إدانة كاملة من الناحية الإنسانية والأخلاقية والسياسية، ولا يبره مقتل الإسرائيليين الثلاث، المدان هو أيضا، لانه عملية مجانية لم تحقق للخاطفين اي مكسب الا اذا كانت غايتهم هي منع المصالحة الفلسطينية ما بين حماس وفتح، وقيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وهي بالطبع رغبة اسرائيلية.
حصار وأجتياح غزة هو من قبل دولة عدوة، ولكن ماذا عن الحصارات التي فرضتها الدول التي كان من المفترض بها ان تكون داعمة للشعب الفلسطيني، فمنذ 1948 والشعب الفلسطيني يعيش في أوضاع صعبة، فلقد حوصروا في معسكرات التنك والتوتياء، ضمن غيتوات لم يكن يستطيعون الخروج منها الا للعمل، كونهم يشكلون يداً عاملة رخيصة. ولقد ذبح وقتل من الفلسطينيين بأيد عربية اكثر بكثير ممن قتل باليد الإسرائيلية. اذا كان الناس تنسى فالتاريخ لن ينسى مجزرة أيلول الأسود، الذي اجتاح فيه الجيش الأردني معسكرات الفلسطينيين بحجة إقصاء المنظمات الفلسطينية المقاومة للعدو الإسرائيلي، ولن ينسى تاريخ الشعب الفلسطيني حصار مخيم الضبية والنبعة وتل الزعتر بأيدي لبنانية ولكن بدعم كامل من قبل جيش الاحتلال السوري للبنان.
لن ينسى هذا التاريخ كيف لعب النظام الأسدي على الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، فمزق هذه المنظمات وجعل منها أكثر من منظمة، ليس هذا فحسب بل اثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان وعاصمته بيروت، وقفت قوات حافظ الأسد، المحتلة للبنان، تتفرج على العدو الإسرائيلي وهو يحاصر المقاومة الفلسطينية، ويخرجهم بالبواخر الى الشتات حيث المصير قاتم ومجهول. نتيجة هذا الخروج كانت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي، وباعتراف القوى الإسرائيلية، كانت من افظع المجازر ولقد ارتكبها مع الأسف مليشيات مسيحية وبحماية إسرائيلية.
ولكن هل حصار غزة هو الوحيد في المنطقة العربية، فالحصارات تتوالى على المنطقة العربية منذ قيام الدولة العبرية، وكان نصيب الفلسطينيين الحصة الأكبر، حصارات ليس فقط من قبل الدولة العبرية بل مِن قبل مَن كان من المفترض ان يعملوا على المساهمة في تحرير هذا الشعب المنكوب منذ 66 عاماً، وتحقيق حلمه بحق العودة.
لم تكن نكبة 1948 نكبة للشعب الفلسطيني فحسب، بل كانت مأساة لكل شعوب المنطقة التي ابتليت بحصار قاتل من قبل الأنظمة القمعية، وذلك عن طريق قمع هذه الشعوب بحصارها بالأجهزة الأمنية التي حبست أنفاسها منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
لم يكن الحصار فقط حصاراً أمنياً، بل كان حصاراً بالتأخر الذي شمل كل جوانب الحياة. فقمع الحريات العامة وعدم السماح بقيام الأحزاب السياسية، ومنع حرية الصحافة والمعتقد، أدى الى تصحر سياسي غيب العملية الديموقراطية، وحول المنطقة الى مستنقع من الجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
أنعكس هذا الحصار اللاديموقراطي على كل جوانب الحياة لبلدان المنطقة. لم تستطع بلدان المنطقة ان تبني حياة سياسية، بل حوصرت شعوبها بمفهوم الحزب الواحد اللاديموقراطي، حيث سيطر العسكر على هذا الحزب او ذاك، وعوضاً ان يبنوا دولاً بنوا مزارعاً تديرها عصابات مافيوية، ولنا في كل من نظامي البعثين العراقي والسوري الا خير نموذج على مأسوية أحوال بلدان المنطقة، فالبعث العراقي ساهم في تدمير اقتصاد العراق والخليج وايران، ولقد مارس هذا النظام البعثي الصدامي الطائفية السياسية والعنصرية، ولا زال العراق يحصد نتائج هذه السياسة، وما بروز داعش ” المفاجئ” الا نتيجة من نتائج هذه السياسة.
اما البعث السوري، سواء في عهد الأب والآبن، فحدث ولا حرج، ففي سورية وخلال نصف قرن من الزمن لا دولة، فأهم مقومات الدولة العصرية غير قائمة، فالقضاء فاسد، والاقتصاد مرتهن لعصابات أقارب آل الأسد، والتعليم متفسخ، والجيش غير منضبط. وبالطبع نتيجة الهيمنة الأمنية، فلا فصل بين السلطات، فالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، هي تحت اشراف الأجهزة الأمنية التي حاصرت الشعب السوري ولا زالت منذ أكثر من نصف قرن لتفرض عليه إرهاب الدولة. هذا النظام هو من ادخل سورية تحت الاحتلال الإيراني وتحت الاحتلال الداعشي والقوى التكفيرية.
في القديم قال طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
اليوم إسرائيل تحاصر غزة وتجتاحها، والنظام الاسدي وحلفائه يحاصرون اليرموك ويدمرونها على رأس أصحابها أسوة بكل سورية وشعبها، فأي حصار أرحم؟ أحصار الدولة العدوة ام حصار العصابات الاسدية والتكفيرين لكل سورية؟
سؤال جوابه معروف ولكن يخجل الجميع من الاجابة عليه.