همجية الاحتلال وهمجية الاستبداد بقلم بهنان يامين

همجية الاحتلال وهمجية الاستبداد

                                     بقلم بهنان يامين

 

     ما الفرق مابين سورية وغزة                                          

كانت الصورة التي نشرت في المانشيت الرئيسية في جريدة "لوريان – لوجور"، اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية، هي الأكثر تعبيرا عن المأساة التي يعيشها كلا الشعبين، الفلسطيني والسوري. كانت صورة مزدوجة، الاولى من غزة وكتب تحتها: غزة خمسة ايام 80 شهيدا، سورية يوم واحد اكثر من 200 قتيل، بالطبع كانت الصورة تشير الى الدمار في غزة واحدى المدن السورية، الاولى نتاج سلطة احتلال والثانية نتاج سلطة استبداد وقمع.

  وحدت المأساة الشعب الفسطيني والسوري في المصير والمسار، وكأن القدر كان يريد ان يكمل توحد كلا الشعبين، بعد ان اختلط الدم السوري بالدم الفلسطيني في مخيمات اللاجئين الفلسطنيين الذي قمعه النظام الاستبدادي إسوة بالشعب السوري المنشد لحريته.

  وحد بينهما، عندما حول الشعب السوري الى شعب نازح، ليكون مصير السوري الأبي كمصير الفلسطيني المقاوم، كلاهما مشرد. الفلسطيني شرده احتلال فلسطين 1948 وتلته هزيمة حزيران1967، وايلول الاسود 1970، الذي غطى الطاغية حافظ الاسد مجازر الملك الاردني ضده، والسوري شرده قمع النظام الذي مارس الاستبداد عليه منذ عام 1963 يوم قيام سلطة البعث، والذي ينحره اليوم لجريمة مطالبته بالحرية والكرامة.

  حقيقة الامر كان الشعبان السوري والفلسطني موحدين قبل هاتين الهجمتين البربريتين، فكما خضع الشعب السوري الى آلة القمع البعثية، كذلك كان الشعب الفلسطيني أسير الآلة القمعية ذاتها، حيث كان خيرة القيادات الفلسطينية تزور سجون البعث، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر جورج حبش وياسر عرفات وغيرهم الكثيرين من قادة المقاومة الفلسطينية.

   يوم احتل النظام الاسدي لبنان، شهدت المخيمات الفلسطينية همجية قوة الاحتلال الأسدية، حيث ساعدت على تدمير مخميات الفلسطينيين في تل الزعتر وضبية وغيرها، ومزقت المنظمات الفلسطينية حيث حولت مثلا فتح الى فتح ابوعمار، وفتح الانتفاضة لتخرج من بطنها فتح الاسلام. والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الى جبهة ديموقراطية، وجبهة شعبية – القيادة العامة، بقيادة احمد جبريل، المرتبطة كليا بالمخابرات السورية والتي استخدمتها الآلة القمعية السورية في حرب الفنادق ضد المقاتلين من المسيحيين اللبنانين، ونضع هذا الكلام برسم صديق بشار الاسد الجديد ميشيل عون والمسيحيين المتلطيين بالنظام القمعي الأسدي، واستخدمهم ايضا في مخيم نهر البارد مرتين، الاول لطرد فتح وقائدها الراحل ابوعمار ليسلم حكم المخيم لفتح الانتفاضة، بقيادة ابو صالح وخالد العملة الذي سيؤسس فتح الاسلام. اما المرة الثانية فكانت في مثل هذه الايام من عام 2007 لمحاربة السلطة المدنية اللبنانية، مسخدما فتح الاسلام، والذي اعتبرها حسن نصرالله، بايعاز من المخابرات السورية الى خط احمر، يومها أكمل الجيش اللبناني بقيادة الرئيس الحالي ميشيل سليمان طرد فتح الإسلام من مخيم نهر ولم يأبه لكلام نصرالله وخطوطه الحمر.

   الشعب السوري اليوم ينتفض كطائر الفنيق، مطالبا بحريته وكرامته المستلبة منذ اكثر من نصف قرن، وهو يقاتل لما يقارب السنتين آلة القمع الاسدية، اولاً بالطرق السلمية وثانياً بالقوة العسكرية التي يبدو بأن النظام المعزول في قمة جبل قاسيون، لا يفهم غيرها.

   لو اجرينا مقارنة ما بين همجية سلطة الاحتلال الاسرائيلية، وما بين همجية قوة الاستبداد الاسدية، فسنجد همجية الاستبداد اشد عنفا وبطشا ودمارا. فالطيران الحربي السوري الذي لم يطلع ولا طلعة عسكرية ضد القوة العسكرية الاسرائيلية، التي عربدت طائراته الحربية في سماء دمشق واللاذقية ودير الزور، اكثر من مرة؛ نراه اليوم يعربد في سماء حلب وادلب ودمشق ودير الزور مدمرا كل المدن السورية بهمجية ما أرحم همجية قوة الاحتلال الاسرائيلية مقارنة بها.

   تراكض العالم كله لوقف اطلاق نار ما بين الاحتلال الاسرائيلي وحركات المقاومة الفلسطينية في غزة منعا لما قد يؤذي اسرائيل، اما في سورية فلا زال الشعب السوري الأبي والبطل يغالب مأساته، وكل العالم يتفرج اليه كيف يذبح بشكل يومي منذ ما يقارب العامين. ليس هذا فحسب فالحكومة الكيجيبية ( نسبة الى الـ ك. ج. ب. والتي كان بوتين من ضباطها) في موسكو، تدعم همجية نظام الاستبداد الاسدي، بحجة محاربة اللإرهاب، ولسخرية القدر كان ميشيل كيلو أول من احيل الى محكمة قانون الإرهاب الذي تفتق عنه عبقرية النظام الاسدي.

  الشعب السوري يقاوم اليوم النظام الذي لم يعد يمثله، كما ان الشعب الفلسطيني يقاوم اليوم الآلة العسكرية الاسرائيلية لمنع احتلال غزة من جديد، فما الفرق، هنا قمع وقتل وتدمير، وهناك تدمير وقتل وقمع. الفارق الوحيد هو ان في غزة عدو غاشم وفي سورية نظام انبثق من شعب يقتله كل يوم ويدمر مدنه وقراه وبنيته التحتية بعد ان دمر لمدة أكثر من نصف قرن من الزمن البنية الاخلاقية للشعب السوري.