حمص المدمرة… صخرة الصمود في وجه الطغيان بقلم بهنان يامين

حمص المدمرة… صخرة الصمود في وجه الطغيان

                                                                بقلم بهنان يامين

«لا أرى مسلماً أو مسيحياً. أرى قبل كل شيء إنساناً. أنا الكاهن الوحيد والأجنبي الوحيد. لا أشعر أنني أجنبي، أنا عربي مع العرب».

                                   الكاهن اليسوعي الهولندي فرانز فان در لوغت من حمص المحاصرة.

 

بهنان يامين جديدة

     هذا الكلام للأب اليسوعي فرانس، هو نموذجاً للمسيحي الحقيقي، البعيد عن الطائفية، ورغم تقدمه في السن، 75 عاماً، رفض الخروج وأصر على البقاء مع المضطهدين، وهو موقف متقارب مع موقف الأب الصديق باولو ديليليو، وكليهما ليسا من سورية فالأب فرانس هولندي الجنسية والأب باولو ايطالي، وهما لم يؤثرا السلامة والهروب، بل أصرا على البقاء مع بني البشر الذين عاشوا معهم لمدة طويلة. هذا كان الموقف الانساني لكلا الأبوين اليسوعيين الأجنبين، وهو موقف لن ينساه اهل حمص القديمة المعذون على الارض، ولا أهل سورية كلها، والمحاصرون منذ أكثر من 600 يوماً، وايضا لن ينسوا بأن يقف ابناء وطنهم موقفاً لم يكن يتوقعونه بأن يقف مجموعة من سكان بعض احياء حمص المرتاحة، من المؤيدين للنظام الفاشي، ليشكلوا حائطاً مانعاً طائفياً، لدخول المعونات والمواد الغذائية الى حمص القديمة المحاصرة، من قبل النظام الفاشي، مما يشكل قمة الحقارة واللاأخلاقية، وهو شيء لم يكن أحد يتوقعه في سورية التي كانت تعيش، وكنا نتأمل ان نبقى نعيش دائما جنباً الى جنب، وبعيداً عن الطائفية البغيضة.

    منذ أكثر من ثلاث سنوات والنظام يريق الدم السوري، ولقد انتقل من فن قتل الى فن أخر، فمن اطلاق النار على المظاهرات السلمية وقتل بضع من البشر، الى استهداف المدن الثائرة بالاسلحة التقليدية والثقيلة من مدفعية وهاون ودبابات، وكانت حمص اولها ولحقتها تلبيسة والرستن وكل الريف الحمصي، معطياً الضوء الأخضر لشبيحته بأن يرتكبوا مجازر سهل الحولة وهي مجموعة من القرى تتصف بالاكثرية السنية، ولقد كانت بشعة الى درجة حتى السفاح القابع في قصر الشعب، إعتبر بأن فقط الوحوش هي من تقوم باعمال كهذه، معترفاً بان هذه العائلات المسفوكة الدماء لم يبقى منها أحد ليعزوه.

    حقد النظام واجهزته الأمنية على حمص وخاصة حمص القديمة، لانهم كانوا أول من أسقط صورة الطاغية، واول من نادى باسقاط النظام، ولم ينفع تبديل محافظها الفاسد أياد غزال لتهدئة أهل حمص، فاستمروا بالثورة. منذ بداية الثورة والطاغية الاسدي يثير المسألة الطائفية، فكان المندسون على المظاهرات يرفعون الشعار الشهير " العلويون الى التابوت، والمسيحيوون الى بيروت،" وهو شعار مفبرك في مطابخ الأجهزة الامنية، وما التضامن الاسلامي – المسيحي في حمص القديمة المحاصرة، وتشاركهم بلقمة العيش والمعاناة، الا خير دليل على عدم طائفيتهم.

   مع اقتراب الثورة من عامها الثالث، فشل النظام في كسر شوكة الحراك الثوري في كل سورية، وخاصة لم يستطيع حتى الآن، ان يدخل حمص، رغم وقوف الطاغية بشار الأسد على باب حي بابا عمرو مدعياً النصر على حمص، وهو ما كشف كذبه صمود أهل حمص حتى يومنا هذا.

    وعندما ضعف النظام بسبب الانشقاقات إنتقل الى درجة أعلى من البربرية والهمجية، حيث ونتيجة مشورات الايرانيين وقادة حرسهم الثوري، باستخدام الصواريخ البعيدة المدى وان يستنجد بالقوى الطائفية من لطمي لبنان، حزب الله وألمتحالفين معه، الى المنظمات الشيعوية العراقية، الى الحرس الثوري، مستخدما الطائفية حيث كانت اسطوانة الدفاع عن الاعتاب المقدسة هي المبرر غير المقدس لهؤلاء.

   فشل النظام، رغم بعض التقدم في بعض الاحيان، باسقاط الثورة وخاصة بعد ان دخلت حلب وريفها، ودمشق وريفها، الثورة، وأستطاع الحراك الثوري ان يعزل سورية عبر أهم مطارين، دمشق وحلب وأخراجهما من الخدمة، حيث أعلنت كل شركات الطيران، حتى الصديقة للنظام مثل ايرفروت الروسية، عدم تسيير رحلات الى دمشق وحلب، مما فرض نوع من الحصار على المدينتين حيث لم يبق الا الطريق البري، حتى مسؤولي النظام يضطرون استخدام الطريق البري الى بيروت ومنها الى الدول الاوروبية، وهو ما خنق النظام ودفعه الى تصعيد عمليات القتل فتفتقت عبقريته وعبقرية الايرانيين والروس عن استخدام البراميل المتفجرة لمعاقبة الشعب السوري الثائر، فكانت البراميل تسقط وبشكل يومي على الحاضنة الشعبية للحراك الثوري،مما يزيدها صمودا وتصدياً.

    ان فشل النظام الفاشي باسقاط الحراك الثوري أدى الى المزيد من شراسته، وهو لم يشبع من الدم السوري المراق، وهو لم يتعلم بأن عهده قد ولى، ولن ينقذه انتخابات رئاسية مزورة كالعادة، فالشعب السوري قد بصقه وبصق عليه، ولم يعد يتحمل حكمه هذا وسيستمر في صراعه ضد سلطة الطغمة العسكرية.

   نعم حمص صامدة، وكذلك حلب ودمشق وحماة ودير الزور وومعظم المدن السورية، ومن يدري متى تنثقل النار الى المدن الساحلية فهي بالطبع لم تبقى بعيدة عن ما يحدث في مجمل سورية.