في انتظار وترقب ما صار حياة يومية لعموم السوريين ….. المخاوف من الحرب الأهلية!! بقلم عزيز تبسي .

في انتظار وترقب ما صار حياة يومية لعموم السوريين

    المخاوف من الحرب الأهلية!!

عزيز تبسي

حلب أيار 2012.

         إعتاد مرافقوا السائقين في الحافلات،النداء التذكيري للركاب المتعبين والشاردين بضرورة الإستعاد للنزول لمن هم قاصدين المحطة الوسيطة وعادة ما تكون حماة – حمص في الرحلة الطويلة التي لم تنتهي بعد من حلب إلى دمشق، وما إن تأخذ الركاب سنة من وسن حتى يأتيهم صراخ المرافق الحاسم "الحمد لله على السلامة" وصلنا ياشباب!!

  ويظهر بلا ريبة كراج حرستا المكتظ بالمسافرين اللاهثين بحمولات حقائبهم وتفقدات ذويهم الموزعين على الأرصفة العالية، أمام الحافلات التي توشك على الإنطلاق إلى أربعة أطراف البلاد.

لم تكن الحرب الأهلية يوماً في نسق خيارات الحركات الثورية والإنتفاضات الشعبية، الحرب الأهلية هي منتوج نهائي وحاسم لإستعصاء مشروع الطبقة الحاكمة، أو للفئة المهيمنة منها وهي تواجه ميدانياً حركة ثورية متصاعدة بمطالب راكمها تفلت الطغمة الحاكمة الدائم عن تلبية الإقتراحات التي ترصدها الحركة السياسية والناشطون المستقلون، وتعجز عن التوصل معها إلى حلول توقفها في منتصف الطريق، بما يمكن تسميته في مجاز سياسي"الإصلاح،" يبدأ بتجريف للسماكات الأكثر تعفناً من الطبقة الحاكمة وتقليص إمتيازاتها،وإعادة الإعتبار للمنسيات الديموقراطية يدخل إليها من باب حرية الرأي وحق التعبير عنه في حزب وصحيفة،وتأكيد حق الإعتراض من خلال الإجتماع والتظاهر،وحق تمكين منظمات الدفاع الذاتي كالنقابات..والتوكيد على الحقوق المجانية التي لاتقبل المساومة التعليم والصحة………….

وتظهر على الدوام مقاومات الطغم الحاكمة كمقاومات دفاعية مضموناً تتمظهر في أشكال هجومية. حيث ماعاد بحيازتها شيئاً ذا قيمة حقيقية تمنعه عن الشعب، ولاشيئاً ذا قيمة حقيقية تمنحه إياه، سوى ومن باب الهزل قوانين مرورية جديدة يكفي تطبيقها لإيقاف الحركة المروية في البلاد أو دفع كل مايجنيه السائقون بإرهاق من مال إلى دوريات المرور المتربصة بهم وبسياراتهم، وأنظمة فريدة لنظافة الشوارع وجدرانها، والإشارة إلى الآمان من حين لآخر لتذكير هذا الشعب أنه لايعيش في غابة، ولا يفسر هذا إلا بكونه لم يبقى من الضواري من بات يحافظ على أنيابه أو يملكها، بل منحة من ملك الغابة الذي يخبئ الكواسر في أقفاصه ويهدد بفتح رتاجاتها متى يشاء.

وحتى لانكون من المحولين للإلتزام بنسق محدد يمكن إعتباره "نموذجاً للحروب الأهلية، كالحرب الأهلية الفرنسية ،الحرب الأهلية الأمريكية، الإسبانية، اليونانية، اللبنانية، الجزائرية، الأفغانية، اليوغوسلافية….الخ وهذه كلها تجارب غير نهائية(نموذجية) في الحروب الأهلية، أي أن كل تجربة لها خصائصها المحلية وشروطها التاريخية.

من هنا يمكن إعتبار أن من ينتظر وقوع الحرب الأهلية في سوريا يقرأها في منظار النموذج، وهو عن حق في غياب النموذج "الحقيقي"، تتأسس القراءة على نموذج إفتراضي. فالذي يحصل في سوريا اليوم والذي تتوضح مقدماته منذ 18آذار2011 هو الشكل السوري من الحرب الأهلية، التي تأخذ شكل عدوان حربي على إنتفاضة شعبية سلمية لتركيعها وتقويضها…..أما عن الأسئلة المشككة بالواقعة من مثل: عدم تمكنها من التوسع، ومشاركة كل الشعب بها، فهذا مايمكن رده على تفاوت التطور في البنية الإجتماعية للمجتمع السوري وإنعكاسه على البنية الثورية للإنتفاضة.

حرب غير متكافئة بكل المقاييس(عسكرياً- سياسياً- إعلامياً….)،كمعظم الحروب الأهلية وغير الأهلية، حيث كل إمكانات الجيش والأجهزة القمعية تحت حيازة الطغمة الحاكمة، يتفلت منها البعض القليل ويهرع لاهثاً إلى تشكيل مقاومة شعبية دفاعية بأغلبها مما بات يعرف بالجيش السوري الحر، المحدود الإمكانات العسكرية والإستخباراتية، وتكمن قوته الوحيدة من ثلاثة عناصر:

1) بداية تفكك الأجهزة الفاشية الحربية….

2) تهشيم الخطاب الفاشي بكشف سلسلة طويلة من أكاذيبه وإدعاءاته عن العصابات المسلحة وهجوماتها الوهمية على الوحدات العسكرية، وعن إستعمال الجيش لأسلحة كيماوية في ضرب القرى والبلدات المنتفضة………………..

3) ضبط الميول المسلحة للحاضنة الشعبية للإنتفاضة والتي تمده بالعناصر الكفاحية من أبناء الفلاحين والعمال الزراعيين…..

وللحرب الأهلية في سوريا مقدماتها وأدواتها ومساراتها. أساسها التكويني:عجز الطغمة العسكرية كتعبير عن رأسمالية طفيلية إحتكارية عن الإصلاح في أي درجة منخفضة من درجاته،إنتصار الخيارات الأكثر رجعية وطائفية وفاشية داخلها، عززها غياب الردع الدولي كتعبير عن الميول الرأسمالية العالمية في الإلتفات للسيطرة على أزماتها الإقتصادية وتداعياتهاالتي قد تكون ثورية، والدور التدخلي الرادع من الكيان الصهيوني، الذي يتنعم بإمتيازات العيش الآمن منذ أربعة عقود، الدعم المفتوح من الفاشية الإيرانية والإسناد الحقوقي والسياسي الروسي في المنظمات الدولية، إرتياب الأنظمة العربية من توسع الإنتفاضة وتجذر مقولاتها……..لكن من شروط الحرب، توفر قوتين مستعدتين للإحتراب، وهذا غير متوفر بالمعنى النموذجي الذي أشرت إليه، لذلك تأخذ الحرب الأهلية في سوريا ، شكل عدوان حربي(عسكري) أمني على جمهور الإنتفاضة ووسطها الإجتماعي….

ولايمكن أن نغرق فيما لايمكن الغرق به، وهو تقديم نصائح وتحذيرات للشعب السوري(كنصائح أطباء القلب بالإقلاع عن التدخين….) بسلسلة من النواهي والتي غالباً ماتتوجه إلى جمهور الإنتفاضة، والتي تشكل بمجموعها حزمة من الهذيانات التربوية الآمرة، حيث يكفي الأخذ كي نتجنب الحرب الأهلية ونتائجها الكارثية، ما ينبغي معاينته هو الشروط التي تحكم الإنتفاضة وحركيتها….. ما من إنتفاضة شعبية في التاريخ تسعى لتوفير حوافز الحرب الأهلية، السلطات الحاكمة هي من يعمل على إرباك الفعل الثوري ومحاصرته بالحرائق والدم ، ويشكل هذا كله أساس مقاومتها للتغيير الثوري المطلوب.

إن كان الحديث عن حرب أهلية، فهذا بعض ما أريد قوله، وإن كان الحديث عن تحولها إلى حرب طائفية، فهذا رهن بمساراتها الخاصة وبتحول الجغرافيا السورية إلى حقل صراع إقليمي، وإنزلاق الأدوات النضالية للإنتفاضة في لحظة اليأس التاريخي الأسود إلى تبني الخيار الفاشي الطائفي المضاد، وتوفير المستلزمات الحربية لهذا الخيار، من تسليح وذخيرة ووسائل إتصال وإمداد………..الخ

نحن في الحرب الأهلية ياشباب!!

ولم يكن هذه المرة صوت مرافق سائق الحافلة، بل أصوات أكثر من ثلاثة عشر ألف شهيد وأنين أكثر من ثمانين ألف جريح ومصاب وخمسون ألف معتقل منهم عدد كبير من الضائعة أخبارهم،وأكثر من مليون مهجر داخل البلاد ومائتا ألف من المهجرين على خارج البلاد،ومدن وبلدات وقرى سويت بالأرض.