الانتخابات المصرية .. نصر للديموقراطية بقلم بهنان يامين

الانتخابات المصرية .. نصر للديموقراطية

 بقلم بهنان يامين

 

 

 

  "ألمصريون يدفنون الـ 99,99 % في انتخاباتهم، ووصلوا الى 66%48,،    انها الحرية فانتظروها."

        الاستاذ المحامي عبدالله خليل

               الرقة  – سورية

   

     لم يكن الاستاذ عبد الله خليل على خطأ بأن المصريين قد دفنوا بلا رجعة نسبة الـ  99,99 % خلال الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت منذ أسابيع، داعيا، من خلال صفحته على الفايس بوك، السوريين الى انتظار الحرية، وانتخابات مماثلة. من لا يعرف الاستاذ عبدالله خليل، فهو من أكثر المحامين نضالا، وهو الوحيد الذي تجرأ وترشح لرئاسة الجمهورية عام 2007 في وجه الطاغية بشار الاسد. بالطبع لم تأخذ الاجهزة الأمنية، وكذلك قيادة البعث ترشحه محمل الجد، وهو كان يتوقع الاعتقال لخطوته، فلا هو اعتقل وهم اغفلوا ترشحه ليتذكروه مع مواقفه المساندة للثورة ففجروا بيته على الطريقة الاسرائيلية وهو في السجن مع بداية الاحداث في الرقة.

    بغض النظر عن نتائج الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، فأن المنتصر هو الأول والأخير هو الشعب المصري، الذي ذهب الى الإنتخابات، وبطريقة حضارية، بإستثناء بعض الحوادث الطفيفة، ليدلوا بصوتهم بحرية تامة، تماما على عكس ما كان يحدث، خلال اكثر من نصف قرن من الزمن، بمهزلة الاستفتائات والنتائج المئوية التي اصبحت مهزلة ومصدر سخرية  للعالم قاطبة.  

   النتيجة لا تخيف لانها خيار حر، لشعب حر، الا وهو الشعب المصري. بل على العكس هي تظهر بأن موزاييك القوى السياسية متقاربة، وليس هناك من قوة تستطيع ان تدعي بأنها القوة الاقوى والاعظم. جاءت نتائج المرشحين الثلاثة الاوئل متقاربة فالفائز الاول، الدكتور محمود مرسي مرشح حزب العدالة والحرية، الواجهة السياسية لجماعة الاخوان في مصر، لم يحصل الا على خمس ملايين و764,952 صوتا، وهذه هي قوة القوى الاسلامية الفعلية من إخوان وسلفيين، وهي نتيجة متراجعة عن نسبتهم في الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر منذ اشهر، حيث سيطر كل من حزبي الحرية والعدالة وحزب النور على الاكثرية البرلمانية، ففشل اداؤهم السياسي جعل قسم كبير من المصريين يتراجعون عن تأييدهم لهم. المرشح الثاني، وهو أحمد شفيق، مرشح فلول النظام البائد، فقد حصل على خمس ملايين و53,227 صوتا، وهي ليست بالنسبة الكبيرة رغم الاموال التي اغدقتها القوى الفلولية دعما له، أضافة بالطبع للدعم المبطن للمجلس العسكري الحاكم. اما المرشح الثالث، والذي اعتبره الجميع حصان الانتخابات الاسود، فلقد اثبت قوة لم يحسب لها الحساب من قبل كل القوى، الا وهو الاستاذ حمدين صباحي، مرشح القوى الناصرية والديموقراطية والشبابية، اذ حصل على اربع ملايين و820,273 صوتا. حصول الصباحي على هذه النسبة ان دل على شئ انما يدل على ان القوى الديموقراطية والنظيفة تستطيع ان تحقق نجاحات كبيرة لو انها تلتقي في جبهة عريضة ومتراصة لحصلة على افضل النتائج.          

    الفارق ما بين ما بين الصباحي وشفيق كان فقط، 232,955 صوتا فقط وهوفارق بسيط جدا، مع الامكانيات المتواضعة لحملته الانتخابية مقارنة بالماكينة الانتخابية لكلا المرشحين الفائزين بانتخابات الاعادة، حيث دعم الدكتور مرسي بقوة المال والتنظيم، وكذلك شفيق، ولكن قوة الصباحي كانت في الدعم الجماهيري من القوى المؤمنة بثورة 25 يناير. هناك ظاهرة لم يلتفت لها الكثيرون الا وهي حصول الصباحي على المركز الاول في العديد من المحافظات ذات الاكثرية العددية وخاصة القاهرة والاسكندرية.

    المرشحون الثلاث الاوائل حصلوا على ما يقارب الـ 75% من اصوات المنتخبين، اما بقية المرشحين فقد حصلوا على 30%، توزع معظمها على الدكتور ابو الفتوح وعمرو موسى، اما البقية فقد حصلت فقط على اقل من واحد بالمئة لكل منها.

   كان الصوت القبطي هو الصوت المرجح، وهذا ينفي بأن لا دور له في الانتخابات، والذي دعم أحمد شفيق، فلقد ذهب الكثير من الاخوة الاقباط الى صندوق الاقتراع وخوفهم من الاخوان المسلمين نصب أعينهم، من هنا تصويتهم لرجل الفلول، العسكري المتقاعد، على حساب مرشح القوى الديموقراطية حمدين صباحي، فلو اعطوا الصباحي نصف ما اعطوا لشفيق لكان هو في مقدمة المرشحين.

   بالطبع الطعون حسمت لصالح مرسي وشفيق، وهذا ما يضع مصر امام خيارين اما القوى الاسلامية في سدة الرئاسة، واما القوى الفلولية والعسكرية. بالطبع هذا هو خيار الشعب المصري الذي سيختار رئيسه بكل حرية وديموقراطية.

   ينعي الكثيرون المسألة الديموقراطية في مصر، ويعتبرون كأن هذه الانتخابات الرئاسية نهاية الطريق والمطاف، والتي في الحقيقة ما هي الا بداية المسيرة الديموقراطية في مصر. فالطريق الديموقراطي بعد اكثر من نصف قرن من التصحر السياسي لا يمكن الا ان  يفرز مثل هذه النتائج. من هنا فعلى القوى الديموقراطية، والتي غيبت واضطهدت، خلال حكم انور السادات وحكم حسني مبارك، ان ترص صفوفها لبداية المعركة الحقيقة، الا وهي المساهمة في بناء الدولة المدنية الديموقراطية التي ثار من أجلها ثوار ساحة التحرير.

  وصول اسلامي او فلولي الى المنصب الاول لا يخيف، فهم لا يتمتعون بالقوة الكافية للانفراد بالسلطة، ومصر ليست "أم الدنيا" فقط، كما يقال، بل هي ايضا "أم الثورات،" فالشعب الذي قام عبر القرنين المنصرمين ومطلع القرن الحالي، باكثر من ثورة مسقطا اعتى الانظمة الفاسدة، وطاردا الانكليز بعد نضال طويل، قادر على اعادة الثورة الى مسارها. واربع سنوات ليست كبيرة في عمر الشعوب والوطن وهي ستحاسب المقصر وتدعم القوى المتأمل منها ان تحقق مطالب المواطن العادي الذي يفتش عن لقمة العيش النظيفة .  فما احلى الحرية وما ابشع الخوف والخضوع لارهاب الديكتاتورية.