اللجان الشعبية في سوريا.. دعوة للتسلح تزيد الطين بَلة…؟ بقلم محمد عبود

       

اللجان الشعبية في سوريا.. دعوة للتسلح تزيد الطين بَلة؟

محمد عبود – سيريانيوز

اللجان الشعبية ميليشيات تعيق الحياة اليومية للناس، وهي تذكرنا بظاهرة الحرس القومي في تموز 1963، فالعقلية المليشاوية للنظام الاسدي ليس بالجديد، فهو من ضمن اديولوجيا البعث وآلته العسكرية. بالطبع تحمس الكثير من ابناء " الاقليات " وتطوعوا في هذه اللجان التي في الحقيقة هي تدمير لمنطقة تواجدها ونعطي نموذجا للارمن في حي الميدان بحلب اذ سقط اكثر من شهيد فور التصادم ما بين اللجان الشعبية الارمنية وما بين الجيش الحر حيث لم يصمد اكثر من دقائق.

قيادات اللجان الشعبية هم عبارة عن تجار مخدرات وقتلة ومهربي الدخان، وهم من اخرجهم طاغية دمشق من السجون لكي يحارب بهم الشعب السوري ويضرب الطوائف بعضها ببعض. مثال هذه القيادات عصابات آل بري بزعامة زينو شعبان البري، الذي اعدم بعد انهزامه امام الجيش الحر، لجان زينو اعاثت فسادا في حي السليمانية والميدان بحلب بحجة حماية الناس.

المحرر

"    رافعاً صدره، ويمشي بثقة، يجلس على الكرسي مخرجاً مسدسه من جنبه ليضعه على الطاولة ويجلس وكأنه مسؤول كبير".. هكذا وصفت لطيفة ابن شقيقتها الوحيد سامر الذي لا يتجاوز العشرين عاما من العمر عندما قدم لزيارتها قبل أيام..

     سامر طالب في كلية الحقوق وقد تطوع مؤخرا للمشاركة في حراسة أحد المباني الحكومية مقابل راتب شهري وسلم سلاحاً يحمله حتى خارج إطار الدوام الرسمي.

      سامر ليس حالة فريدة في سورية، حيث يكثر أمثاله فيما بات يعرف باللجان الشعبية التي تتولى "حراسة" بعض المناطق والقرى خاصة تلك التي تضم ما يتم وصفهم بـ "الاقليات" في بعض مدن سوريا.

      والدافع لحمل السلاح طبعا هو الدفاع عن الاهالي أو حماية المنشآت الحكومية من "العصابات المسلحة" التي تستهدفها.

     ظاهرة يجدها البعض ضرورية ولازمة، فيما يجد فيها البعض الاخر خطرا يمكن ان يكون سببا في تحول الصراع في سوريا لحرب أهلية وسببا في الانقسام.

دعوة للتسلح

    بالنسبة الى العديد من المناطق "صورتان شخصيتان وصورة عن الهوية كافية لتمكنك من امتلاك بندقية روسية يبلغ ثمنها 100 الف ليرة" كما اخبرنا عيسى احد سكان قرية من قرى درعا.

    وتابع متهكماً "تلك هي شروط حمل السلاح في قريتي، فيصبح حامله سلطان زمانه مسلح ومدعوم من الدولة بآن واحد، لم يعد رفاقي يستوعبون خطورة الوضع الذي وصلنا له، وأن مثل هذه الافعال قد تزيد من حدة الصراع بشكل كبير.

    وعندما أناقشهم عن سبب تسلحهم يقولون: نريد حماية أنفسنا من أي خطر قادم والبعض منهم فقد ثقته بالدولة فقرر الحصول على السلاح لحماية نفسه".

     ويسخر عيسى من جواب أحد رفاقه الذي يقول "عندما يسقط النظام سنبيع الروسية ونحصل على ثمنها!".

    هل فعلا حمل السلاح يؤمن الحماية؟

     تتسائل ماري وهي من سكان باب توما في دمشق ذات الغالبية المسيحية "كيف سيحمي هذا السلاح المنطقة؟"

     وتستشهد بالانفجار الذي حصل في باب توما مؤخرا وتقول "كثيرون من الاهالي هنا في بعض الحارات حملوا السلاح فهل استطاعوا ان يمنعوا حدوث الانفجار في باب توما الذي ذهب ضحيته العشرات".

     ويتفق كلام ماري مع المشهد العام في سوريا الذي يعطي مثالا على ان اكثر المناطق تسلحا هي اكثرها عرضة للهجمات والدمار والقتل.

     وما يجري فعليا على ارض الواقع بأنه عندما يدخل السلاح الى منطقة معينة من قبل طرف، فإن المنطقة تصبح مستهدفة من قبل الطرف الآخر وعندما تحدث المعركة فإنها لا تميز بين الافراد ويقع السكان جميعا ضحايا الاقتتال.

      وتكشف ماري عن ان "كثيرا من الشباب الذين تسلحوا جائتهم تهديدات مباشرة لترك السلاح وقاموا بالفعل بتسليم سلاحهم والابتعاد عن ما يسمى باللجان الشعبية".

مخاوف

     ويتجاوز موضوع اللجان الشعبية المدن وينتقل الى القرى حيث ان قرية "عيسى" من القرى التي تم توزيع ما يقارب ثلاثمائة بندقية روسية فيها رغم أن تلك القرية لم تتعرض لأي هجوم من قبل أي مسلحين طوال الفترة الماضية.

     وهذا ما أكده أبو أدهم من تلك القرية، الذي قال "طوال العام والنصف الذي مضى لم يقترب أحد من قريتنا سواء من جيش النظام أو الجيش الحر لماذا يتم توزيع السلاح على السكان اليوم؟ الا يشكل ذلك خطرا علينا؟

     ويطرح نهايةً سؤال مشروع "ألن يفسح ذلك المجال للتسبب بنزاعات بيننا وبين القرى المجاورة؟"

المؤسسة الدينية ترزح تحت الضغوط

     يلعب رجال الدين دوراً محدوداً في ضبط هذا الموضوع، فيما نقلت لنا مصادر لم ترغب في الكشف عن هويتها تورط البعض القليل منهم في عملية توزيع السلاح ونشره، الأمر الذي رافقه حملة استهجان ورفض لمثل هذه الافعال ودعوات من الاهالي والمثقفين لرجال الدين بالالتزام بمهامهم الروحية وعدم الحض والتشجيع على الاقتتال.

     يقول شاب من درعا على تواصل برجال اللجان "المشايخ في طائفتنا بداية رفضوا التسلح ولكن بعد تعرضهم لضغوطات تم التسليح، ولكنهم وجدوا سلوكا غليظا وشاذا قبل الشباب الذين تسلحوا وتلقوا شكاوى من الناس حول تلك اللجان فعادوا وطالبوا بأن تسلم الأسلحة بأشخاص معروفين بتوزانهم وتعقلهم".

    ومع هذا فمن خلال إجراء هذا التحقيق اعتبر العديد ممن التقيناهم ان افراد اللجان في معظمهم مجرد "زعران" غير مسؤولين.

   من جانبه يؤكد أحد الذين التقيناهم حول الموضوع (أبو أدهم) أن المؤسسة الدينية في قريته ترفض التسلح وتدعو إلى النأي بالنفس عما يجري من أحداث، ولكن عندما يصل الأمر إلى قرار من جهة عليا فإنها تقف جانباً.

كيف يصل السلاح الى الاهالي

     وبالسؤال عمن يجلب السلاح للقرية وآلية توزيعها قال أبو أدهم "هناك طرق كثيرة إحداها التوزيع عن طريق فروع حزب البعث التي تتولى هذه المهمة من خلال اعضاءها، حيث يرشحون اشخاص أكفاء لتولي هذه المهمة أو عن طريق رجال موثوقين بالنسبة للنظام موجودين في المنطقة كأعضاء مجلس الشعب".

     ويتابع أبو أدهم "ويتم أحيانا استغلال عملية الترويج لأفكار عديدة وبث اشاعات كالقول بأن القرية سيتم مهاجمتها من قبل الجيش الحر كونها لم تشارك في الثورة وقد أعلن ذلك فلان في الفيس بوك.. الخ، مثل هذا الكلام يؤثر على الناس ويخيفهم ما يجعل مهمة تسليح السكان أسهل".

     وعن طبيعة وأعمار حاملي السلاح في قريته يقول "لا يوجد عمر محدد لحمل السلاح ولكن غالباً ما يكون الشاب قد أتم الثامنة عشرة من عمره، وهناك شبان متعلمون وهناك غير متعلمون، إلا أنه على ما يبدو أن الطيش الذي يجمعهم لا يميز بين جاهل ومتعلم، وهؤلاء ينظرون إلى الذين رفضوا حمل السلاح على أنهم مجرد جبناء لا حول لهم ولا قوة" ويتابع.. "برأيي هؤلاء سيجرون للقرية بلاء هي بغنى عنه"

صور من الواقع

     وفي الصورة العامة يمكن القول بأن اللجان الشعبية انتشرت منذ بداية الاحداث في كثير من مناطق سوريا وقد وقعت عدة حوادث بين هذه اللجان وبين مسلحين، لم تتكشف طبيعة هذه الحوادث إلى الآن.

     وتنسج الكثير من الروايات بين الناس عن قيام تلك اللجان بالقبض على مسلحين إرهابيين أو قيام تلك اللجان بإطلاق النار على سيارات لمدنيين لرفضهم الوقوف تحت إمرة تلك اللجان.

     ومن تلك الحوادث مقتل الشبان الستة من اللجان الشعبية في منطقة جرمانا الذين قضوا بإطلاق النار عليهم في ساعة متأخرة من الليل حيث قامت سيارتان باطلاق النار عليهم وقتلهم دون أن يتم التعرف على هوية القاتل إلى الآن.

دوافع التسلح

     يؤكد أحد السكان كان على تواصل مع شابين من اللجان الشعبية أنهما شابان طيبان ولم يشهد منهما أي سوء، ولكنه يعتقد أنه قد "غرر بهما".

     ويوضح "يتم تعبئة هؤلاء الشباب من خلال تخويفهم من العصابات المسلحة والإرهابيين واقناعهم انها تستهدف الاهالي في المنطقة، الأمر الذي يسهل تسليحهم.. وبالتأكيد لا أنفي وجود شبان عاطلين طائشين يحملون السلاح بسبب عطالتهم ولكن ايضا هناك اشخاص جيدون".

     وفيما اذا كان الدافع المالي هو سبب رئيسي في عملية قبولهم، يقول الساكن الذي لم يرغب في ذكر اسمه "تملك عائلة أحد هؤلاء الشهداء أبينة في منطقتنا تقدر بالملايين فهم ليسوا بحاجة للمال، ولكن بشكل عام دوافع التسلح كثيرة قد تكون منها الحاجة للمال ومنها الرغبة بالظهور بمظهر الشجاع المدافع عن مدينته والمجتمع الذي ينتمي له".

قلق من الاهالي في محيط تواجد اللجان

     ايفلين أم لثلاثة أطفال تقول "كل يوم استيقظ مذعورة في الليل أحمل أولادي من غرفهم لأضعهم في الصالون كونه لا يحوي نوافذ مطلة على الشارع، فأمام منزلي تجمع لما يسمى لجان شعبية أحياناً اسمعهم يتشاجرون مع أشخاص لا أعرف من هم واسمع أصوات اطلاق رصاص تصيبنا بالذعر لو لم يكونوا موجودين لكان ذلك أفضل لي ولعائلتي، وقد حاولوا أن يقيموا في منزل مهجور مجاور لمنزلي ولكن أهل الحي قلة منهم أعلن رفضه والبعض الآخر خاف من أن تقدم بحقه شكوى على أنه معارض للنظام فيخرج من قصة ليدخل بقصة أخرى، بتنا لا نعرف أي طريق يجب أن نسلك لنبقى سالمين".

     وبالفعل فقد اصبحت الحواجز التي تضم مسلحين من الجيش والامن، وحتى من اللجان الشعبية (الأهالي) هدفا للمعارضة المسلحة، وتم تفجير ومهاجمة العشرات منها في كل المناطق السورية خلال الاشهر الماضية، ما يجعل تواجدها في الامكان السكنية خطرا حقيقيا على السكان هناك.

وجهة نظر أخرى.. "تسليح الناس واجب"

    وإن كانت وجهة النظر عن رفض التسلح من واقع بأنه قد يكون خطرا على المجتمعات التي يتواجد فيها وليس حماية، فإن البعض من تلك المجتمعات قد يكون له رأي آخر.

    جمال (50عام) أب لبنتين وصبيين لديه وجهة نظر مغايرة، فقد كان من أوائل المتقدمين للحصول على السلاح عندما سلحت قريته، وهو يفخر بذلك ويبرر إقدامه بالقول "تسليح الناس بات واجباً على الدولة وبإمكانها أخذ بيانات المسلح لضمان حسن تصرفه وسلوكه، الكل يعرف الأذى الذي سببته العصابات المسلحة وهي لا تعرف دين ولا اخلاق، لذا يجب أن نسلح أنفسنا لأن الدولة لا تملك عيون في كل بقعة على أرض سورية، يجب أن نكون عونا لها، ونحن لا نهاجم مدنين او مسالمين من يقترب منا سنرد عليه بالشكل الملائم".

    وعن مخاوفه من أن يجر له السلاح مشاكل لعائلته قال "الذين استشهدوا لست انا ولا أولادي أفضل منهم، يكفينا فخرا أن نموت ونحن ندافع عن أرضنا وعرضنا".

    أم اسماعيل من جانبها من سكان ذات القرية اشادت باللجان وقالت "بالتأكيد لا يقبل عاقل أن يعرض حياته للخطر مقابل المال فلا مبرر للتهجم على اللجان الشعبية، الهدف منها هدف نبيل وهو حماية المناطق السكنية وقد قاموا بإيقاف أشخاص حاولوا التسلل لمدينتي وهم يحملون متفجرات ألا يتوجب علينا ان نشكرهم، ما الذي يمكن أن يدفع هؤلاء لحمل السلاح سوى محبتهم لوطنهم وخوفهم على أهلهم وجيرانهم".

    وطبعا تبقى وجهة النظر هذه موجودة، ورغم أننا لا نملك إحصاءا دقيقا عن نسبة انقسام الآراء حول هذا الموضوع، إلا أنه ومن خلال إنجاز هذا التحقيق ومتابعة آراء المثقفين وقادة الرأي ومعظم رجال الدين يمكن القول بأن موضوع التسلح وتشكيل "اللجان الشعبية" موضوع مثير للجدل والمزاج العام في المناطق التي يتم العمل على تسليحها ما زال يرفض الفكرة.

    وهكذا يبقى موضوع الفئات التي لم تدخل في الصراع المسلح بعد من أكثر المواضيع خطورة في رسم مستقبل الصراع في سوريا وسط المخاوف في أن يتحول هذا الصراع إلى حرب أهلية في حال كان الضخ والتحريض أكبر من وعي الاهالي وإدراكهم، بعد غياب أي دور ايجابي للدولة في هذا المجال.