واستشهد “ختيار” الثورة الفلسطينية


” لقد اتيت اليكم وبيدي بندقية وغصن زيتون، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي

، لا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي، لاتدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي

الرئيس ياسر عرفات

في خطابه امام هيئة الامم المتحدة عام 1974

بهذه الكلمات خاطب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات المجتمع الدولي من خلال منبر الجمعية العامة للامم المتحدة، داعيا المجتمع الدولي الى خيار السلام الذي يرمز اليه غصن الزيتون، ولكن المجتمع الدولي وخاصة الدول المتقدمة منه رفض هذا الغصن، ودفع ياسر عرفات الى الخيارالآخر الا وهو البندقية، التي لم تسقط من يده طيلة اكثر من نصف قرن من الزمن.

باستشهاد ” ختيار ” الثورة الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات سقطت من يده البندقية، بعد ان عمل كل جهده ان يبقي ممسكا بغصن الزيتون في يده، رغم المقاطعة والعزل الاسرائيلي والامريكي له

فجأة انهارت صحة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وتسارع الاطباء من مصر والاردن لعلاجه، مبعدين طبيبه الخاص، وداعين بشكل غير عادي الى نقله الى فرنسا لعجزهم عن اكتشاف اسباب هذا التدهور. نقل الختيار، وهو اللقب المستحب لياسر عرفات، الى فرنسا لكي تتدهور صحته اكثر واكثر، الا ان وافته المنية وهو بعيدا عن الارض الذي احبها حبا، وقاتل كل حياته من اجل تحريرها، وعودة الشعب الفلسطيني المشرد اليها. عاد اليها وهو مكفن ومغطى بالعلم الفلسطيني، الذي احبه ودفع الجزء الاكبر من حياته لاعلاء شأنه في المجتمع الدولي

ياسر عرفات شكل لغزا للعديد من المراقبين، وتراوح تقييمه ما بين البطولة المطلقة، والخيانة والفساد وما يمر بين هذين الطرفين النقيضين من تقييمات، بعضها كان ينطبق على الختيار وبعضها لم يكن ينطبق. حاول الكثيرون في الغرب ان يحلوا لغز الختيار، والذي رغم كل اخطائه لم يستطع الشعب الفلسطيني الا ان يحبه ويعتبره حتى اخر دقيقة من حياته

ومع استشهاده، وعرفات شهيد ان كان بالمفهوم السياسي او المفهوم الديني، كثرت التحليلات حول اسباب موته، وقد جاء توقيت وفاته مع التجديد الرئيس الامريكي في ولاية ثانية، ليشيرالى احتمال كون ياسر عرفات قد اغتيل بالسم الذي لا تظهر اثاره سواء اكان في التحليل او في التشريح، كونه سما من نوع خاص اشتهرت به اجهزة الموساد الاسرائيلي، وهو ما أكده خالد مشعل الذي نجا من هذا السم يوم أصر الحسين بن طلال على انقاذه ضمن صفقة مع الدولة العبرية، نتيجة انكشاف محاولة الاغتيال هذه والتي اعتبرها الحسين انذاك اعتداء على الارض كون الاغتيال جرى على الارض الاردنية

موت عرفات بهذا الشكل يفتح الباب لكل الاحتمالات، ولقد اكدت مصادر عديدة، مختلفة الاتجاهات بان نظرية الاغتيال ليست بالمستبعدة، وخاصة بان هناك قرار اسرائيلي وبمباركة امريكية وموافقة عربية على انهاء دور ياسر عرفات، وذلك من اجل تمرير عملية الاستسلام للدولة العبرية من قبل الفلسطينيين. وقد تأكدت المخاوف نتيجة اللغط الذي احاط الحالة المرضية ودخول السيدة سهى عرفات على الخط ، وخاصة اثر تصريحاتها الاتهامية للقيادة الفلسطينية المحتملة لياسر عرفات

باستشهاد عرفات، وهو الذي قاد السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير وفتح بشكل فردي، يفتح باب خلافته على مصراعيه، وخاصة كونه قد اختلف مع العديد من رفاق الدرب في الثلاث سنوات الاخيرة حول ضرورة تنازله على الكثير من السلطات، وهو ما رفضه عرفات معتبرا اياه نوعا من الانتقاص لزعامته، وهو بذلك ليس بالمحق، لان النضال الثوري يقتضي مشاركة جماعية من اجل الوصول الى الهدف المنشود. هذا الرفض ادى الى نوع من الارباك لدى القيادة الفلسطينية سواء اعترفوا بذلك ام لا

اليوم لدى القوى الفلسطينية على الارض فرصة ذهبية للتغيير، وذلك بايجاد قيادة فلسطينية جديدة وشابة تجدد دم الثورة والسلطة الفلسطينية، حيث عليهم اختيار قيادة جديدة بعيدة عن سلطة الابوات ، التي لعبت دورها يوم كانت قيادة شابة، والتي فقدت الكثير من حيوتها بعد ترهلها واستكانتها لمقاعد السلطة السياسية، اثر اتفاقية اوسلو. وقد تحلى الدكتور حيدر الشافعي بالحس السليم عندما رفض الترشح، بسبب تقدمه في السن داعيا الى انتخاب قيادات شابة ومرشحا الدكتور مصطفى البرغوثي كرئيس للسلطة الفلسطينية، مفتتحا بذلك الدعوة الى تجديد دم القيادة الفلسطينية لتكون اكثر شبابا واكثر قدرة على مواجهة الدولة العبرية في سبيل الوصول الى الحل الامثل للمسألة الفلسطينية وذلك عن طريق قيام الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقطاع بما فيها القدس الشرقية كعاصمة للهذه الدولة.

لدى الشعب الفلسطيني اليوم فرصة ذهبية لايصال قيادات الصف الثاني في المنظمات الفلسطينية على اختلاف مشاربها واتجاهاتها، وعلى قيادات الصف الاول ان كانت بدورها مخلصة للقضية، ان تفسح المجال لمثل هذه القيادة لاستلام امور القيادة سواء على مستوى السلطة السياسية في السلطة الفلسطينية، او على مستوى المنظمات. ولنا في قرار الدكتور جورج حبش بتنازله عن سلطاته في الجبهة  الشعبية خير نموذج عن الزهد في القيادة لمصلحة القضية والمنظمة.

باستشهاد ” ختيار الثورة الفلسطينية” تطوى صفحة من صفحات فلسطين وقضيتها، حيث لعب ياسر عرفات دورا هاما واساسيا، فلقد وضع بصماته على اهم مراحل تاريخ هذه القضية، حيث ساهم مع رفاقه في فتح والمنظمات الفلسطينية الاخرى في اخراج هذه القضية من بين ايدي الانظمة العربية وخاصة المشبوهة منها

بالقطع لقد كانت البدايات النضالية للقضية الفلسطينية قبل ياسر عرفات وبالطبع ستستمر بعد ياسر عرفات، الا ان يتم تحقيق الحلم الفلسطيني بقيام الدولة الديموقراطية الفلسطينية، وهو ما تصبو اليه القيادات الشابة للشعب الفلسطيني