طويت صفحة الانتخابات لعام 2024، وعلينا أن نتدارس هذه النتائج بعقل بارد. فقد كان لهذه الانتخابات تأثير كبير على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. لقد جاء هذا التغيير لأن الرئيس بايدن كان له بالمرصاد، مهدداً باستخدام المنطق الديمقراطي؛ ومع ذلك، فإن هذا الفوز وهذه الانتخابات النصفية لم تكن لصالحه. ومن المهم التذكير بأن الخسارة ليست نهاية العالم، فهي مجرد أربع سنوات لصالح الحزب المناهض للرئيس الحاكم، كما انقضت الأربع سنوات الأولى من حكم الرئيس ترامب بين عامي 2016 و2020، حيث استخدم خلالها الفيتو الرئاسي.
لابد هنا من طرح السؤال التالي: لماذا ربح ترامب ومعه الجمهوريون؟ ولماذا خسرت كاميلا هاريس ومعها الديمقراطيون؟ الرئيس بايدن انسحب من الحملة الانتخابية متأخراً، مما لم يترك لكاميلا هاريس سوى فترة قصيرة جداً لخوض الحملة الانتخابية، بينما كان ترامب قد أمضى أربع سنوات في الإعداد والترويج لحملته. بعض الصحف التي كانت معروفة بتأييدها التقليدي للديمقراطيين، مثل “لوس أنجلوس تايمز” و”واشنطن بوست”، حرمت الحزب الديمقراطي من الدعم الإعلامي المعتاد بسبب تغيير مصادر التمويل الخاصة بهذه الصحف، حيث غالباً ما كانت تصب لصالح مرشحي الحزب الديمقراطي. تدخل أصحاب الأموال الممولة لهذه الصحف أدى إلى هذا الحرمان.
ترامب استغل إمبراطوريات الإعلام المختلفة، بما في ذلك منصة “إكس”، و”كروم كاست”، و”تيك توك” لصالح حملته الانتخابية. ومن المعروف أنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، قد تتغير العديد من القوانين. وفي الانتخابات الديمقراطية، ليس هناك منتصر ومهزوم، بل ناجح وخاسر. فالهزيمة تحدث عندما يكون هناك أعداء حرب مثل حرب التحالف العالمي الأول والثاني ضد الطاغية صدام حسين، إلى غير ذلك من الحروب التي كانت بين الأعداء.
أما ترامب، فلم يتمكن خلال سنوات حكمه من تحقيق العديد من أجنداته العنصرية، فقد جاء إلى السلطة متعطشاً للشرعية عبر بناء جدار على طول الحدود مع المكسيك، إلا أنه لم يتمكن من تأمين تمويل هذا الجدار لا داخلياً عبر الكونغرس، الذي رفض هذا التمويل، ولا عبر الحكومة المكسيكية التي رفضت تمويله معتبرةً أنه ليس مشكلتها، بل مشكلة الرئيس ترامب وحده. وطوال السنوات الأربع الماضية، ظل تدفق المهاجرين من مختلف بلدان أمريكا اللاتينية على الولايات المتحدة مستمراً.
كما أن المحاكم الأمريكية أبطلت أمره التنفيذي الذي يمنع تأشيرات الدخول من بعض الدول الإسلامية، وهنا من الضروري التأكيد على كلمة “إسلامية”. فقد دفعت هذه القرارات بعض الأصوات الإسلامية إلى دعم ترامب كردة فعل على أحداث غزة، حيث اعتبروا الرئيس بايدن مسؤولاً عن تلك الحرب التي اشتعلت في غزة وجنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية في الخامس من هذا الشهر. ولو كان ترامب في الحكم، ربما كان ليشجع إسرائيل على مواصلة التصعيد.
إن فوز الرئيس السابق دونالد ترامب وخسارة كاميلا هاريس لا يعد سابقة ولن تكون الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد سبق وأن نجح رونالد ريغان في التفوق على الرئيس جيمي كارتر، كما فاز المرشح الديمقراطي بيل كلينتون ضد الجمهوري المخضرم جورج بوش الأب. وفوز جورج دبليو بوش الابن على المرشح الديمقراطي آل غور، والذي شكل فضيحة بسبب الطريقة المثيرة للجدل التي احتُسبت بها الأصوات، حيث اتهم المرشح رالف نادر بأنه سحب الأصوات من الديمقراطيين، رغم عدم صحة هذا الادعاء. بل إن جورج بوش الابن جاء بتزوير فاضح للنتائج بمساعدة حاكم ولاية فلوريدا جيب بوش لصالح شقيقه جورج بوش الابن.
وما يقال عن الرئاسة ينسحب أيضاً على مجلسي الكونغرس الأمريكي. ففي الانتخابات الرئاسية الأولى لجورج بوش الابن، سيطر الحزب الجمهوري على الرئاسة ومجلس الكونغرس، إلا أن الأغلبية والأقلية تتبدل نسبياً، ففي تلك الفترة فقد الجمهوريون الأغلبية بعد أن غيّر أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري انتماءه الحزبي ليصبح مستقلاً.
كان تركيز المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس على موضوع حقوق المرأة والإجهاض، إلا أنها لم تتطرق إلى باقي القضايا التي تهم الجيل الجديد بشكل أكبر، مما أفقد الحزب الديمقراطي الأصوات اللاتينية والسمراء. كذلك، عدم استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي واعتمادهم فقط على المهرجانات الخطابية، ناهيك عن تراخي الناخبين الديمقراطيين واعتبارهم أن مرشحيهم سيفوزون حتماً، أدى إلى خسارة العديد منهم أو تحقيق فوز صعب.
حاربهم ترامب بأسلوبه الشخصي، بينما ترفعوا عن هذا الأسلوب وابتعدوا عن القضايا التي لديهم فيها نقاط قوة. وعلى الرغم من أن الانتخابات قد انتهت، إلا أن صفحة انتخابات 2024 الأمريكية طويت بفوز الرئيس السابق دونالد ترامب وخسارة كاميلا هاريس للمرة الثانية في منصب الرئاسة، وكذلك فقدان الحزب الديمقراطي لأغلبية مجلس الشيوخ. وحتى الآن، لم تتبين نتيجة انتخابات مجلس النواب، وقد يحصل أي من الحزبين على الأغلبية، لكنها ستكون ضعيفة.
إذا تمكن الحزب الديمقراطي من الحفاظ على مجلس النواب، فسيكون هناك نوع من التوازن، إلا أن فوز الجمهوريين بأغلبية المجالس قد يدفعهم لتنفيذ سياسات أكثر تشدداً.