هل كانت المؤتمرات التي عقدت سواء في إسطنبول او القاهرة خطوة الى الوراء أم خطوة الى الامام أم مكانك راوح؟
سؤال يطرح على كل من يشارك في الحراك السياسي للثورة السورية التي لا زالت صامدة ببطولة فائقة، منذ أكثر من عام ونصف، رغم كل التمخضات هنا وهناك على المستوى السياسي.
الجواب بسيط إن مجرد الإقرار بأن هناك تأزم في الخطاب السياسي للثورة السورية هو خطوة كبيرة الى الامام، وبالتالي ان أي مؤتمر يعقد من أجل توحيد هذا الخطاب، هو خطوة أساسية الى الامام وليس خطوتين الى الوراء حسب التعبير اللينيني.
وبعيدا عن مبدأ التخوين الذي يستخدمه بعض الغلاة من الثورجيين، لا بد من الاعتراف بأن توحيد الخطاب السياسي للقوى السياسية المعارضة في وطننا الحبيب سورية، خطوة شاقة وقاسية، وهي بالتالي مليئة بالاشواك، والسقوط والنهوض، والاخطاء وتصصحيحها… الخ من التعابير التي غايتها الاساسية هي إنقاذ سورية من الحكم الاسدي.
صعوبة التوحيد ناجم عن اسباب خارجية واسباب داخلية، فنتيجة التصحر السياسي، الذي افرزه سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة السياسية، ومن خلالها سيطرة عسكر هذا الحزب على قراراتها، وصولا الى انفراد حافظ الاسد بالسلطة، ليحول الدولة السورية الى نظام سياسي يعتمد قانون المزرعة، هنا لابد من الإقرار بأن مجرد بقاء قوى سياسية، رغم ضعفها، كان عملاً شاقاً وهاماً، ودفع الكثير من المناضلين ثمناً غالياً من سنوات عمرهم في سجون النظام الاسدي.
عندما تسلم الصديق الدكتور عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس الوطني، أرسلت له رسالة تعبرعن وجهة نظري كمعارض حول الخطوات التي يجب ان يتخذها المجلس الوطني السوري، من أجل تنظيم البيت الداخلي للمجلس، الذي هو الاساس لتلاقي القوى المعارضة السورية. وبغض النظر عن وجهات النظرالمختلفة حول تقيم إداء المجلس، فلقد استطاع هذا المجلس، في فترة رئاسة الدكتور برهان غليون، ان ينتزع اعترافا عربيا وأقليميا ودوليا، بأنه من أهم الفصائل التي تمثل القوى السياسية المعارضة.
لا بد من نقل فقرة من تلك الرسالة التي تعبر عن وجهة نظري، وباعتقادي تعبر عن وجهة نظر الكثير من عقلانيي الخطاب السياسي السوري المعارض. فلقد أشرت في الرسالة الى التالي،“نتيجة التصحر السياسي والتنظيمي لاكثر من نصف قرن، وبفضل ثورة الشباب في الداخل، خرج الى النور العديد من التنظيمات السياسية، منها من هو مظلة شبيهة بالمجلس الوطني مثل هيئة التنسيق والمنبر الديموقراطي السوري، ومنها على شكل تنظيمات مثل الكتلة الوطنية الديموقراطية السورية. باعتقادي إن توحيدها صعب جدا وانا من الناس الذين لا يقرون هذا التوحيد، ولكن عليكم ان تعملوا على ايجاد برنامج حد ادنى لعمل موحد ومرحلي.
بالطبع هناك صعوبة للوصول الى مثل هذا البرنامج ولكن هذا ليس بالمستحيل. لا تحاولوا ادخال الناس الى المجلس الوطني بل نستطيع ان نعمل بشكل جبهوي حقيقي يوحد الخطاب المعارض ويسحب الإرضية من النظام الطاغي والدول المساندة له مثل روسية والصين.”
هذه الفقرة تقر بأن أي من التنظيمات التي افرزتها الثورة لا يمكن أن تعبر وحدها عن القوى الثورية التي هي على الارض، والتي هي الاساس، فكل التنظيمات بحاجة الى وقفة مع نفسها لتقوم بتشذيب نبتتها الطرية من الشوائب والاشواك التي لحقت بها. وللقيام بذلك لابد من خروج كل القوى السياسية من جلد احزابها القديمة، التي نلحظ بأنها لم تعد تلائم مرحلة الثورة لاسقاط النظام الطاغي، فلا زال الكثيرون يفكرون في منطق ما قبل الثورة، في منطق أحزابهم الضيق.
في كل مؤتمرات توحيد القوى المعارضة كان هناك دائما نوع من الخوف من هيمنة القوى الاسلامية على مقدرات الثورة، وبالتالي على مقاليد السلطة والحكم في سورية، ولقد جاء وصول القوى الاسلامية الى الحكم في بعض دول الربيع العربي، ليزيد من خوف هذه القوى من ان تحذوا حذوها. هنا لا بد لنا من الاعتراف بأن القوى الاسلامية جزء لا يتجزأ من القوى السياسية السورية، فهم متواجدون على الارض وقد تأذوا من نظام الأسد الأب مثلما تأذى كل الشعب السوري البطل. العمل السياسي المعارض يجب ان لا يكون تحت هاجس الخوف من اي قوة كانت. فالقوى السياسية الاسلامية لا تخيف، فلو نظرنا الى الوثائق التي اصدرتها حركة الاخوان المسلمين في سورية، للحظنا ما يطمئن الجميع، بأن هذه القوى لن تكون الا جزءا من السلطة المستقبلية لا كلها.
تترك المسألة الكردية دائما الى الآخر وتعالج ايضا بالخوف من خروج بعض القوى الكردية عن الاجماع الثوري، ولقد شهدت أكثر المؤتمرات المعارضة، تشنجات قومجية سواء من القوى العروبوية او الكردوية. بالطبع لابد من الاقرار بأن الاكراد، وهم جزء هام من القوى السياسية السورية ايضا، هم جزء لا يتجزء من الشعب السوري بمختلف مكوناته الاثنية والقومية. من الملاحظ بأن بعض القوى الكردية ترفع وتيرة خطابها السياسي، وتدخل القوى السياسية المعارضة الى الايحاء بأنها تدخل الى بازار سياسي لا الى توحد سياسي، ومن هنا رفع سقف مطالبها الى الحد الاقصى وهنا تكمن خطورة هذا الموقف، ليس فقط على القوى المعارضة السورية، بل على المسالة الكردية بحد ذاتها ايضا.
على القوى السورية المعارضة ان تتفهم بعضها البعض وتحاول جاهدة لتوحيد خطابها السياسي في برنامج حد ادنى من أجل اسقاط قوى الطغيان، وبأن لا أحد يستطيع ان يلغي أحد، فقد ولى عهد الالغاءات.