تذكرني صورة الرئيس السابق دونالد ترامب بأحد أباطرة الإمبراطورية الرومانية المتأخرين، وهو كاليغولا، الذي شهدت الإمبراطورية الرومانية في عهده بداية التدهور. فقد ورث هذا الإمبراطور إمبراطورية من أعظم الإمبراطوريات، لكنها بدأت تتدهور مع حكمه. وإذا استعرنا عنوان كتاب الصحفي الفرنسي كلود جوليان، الإمبراطورية الأمريكية، يمكننا القول براحة تامة بأن وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحكم عام 2016 كان بداية تدهور الإمبراطورية الأمريكية، التي تأسست منذ مبدأ مونرو حتى سقوط الاتحاد السوفياتي، وتربعت على عرش الدولة الأقوى في العالم، مسيطرةً على جميع دول العالم شرقاً وغرباً، فارضةً هيمنتها على كل تفاصيل حياتنا اليومية، بما في ذلك أسلوب الاستهلاك الأمريكي الذي فرض نفسه على جميع دول العالم.
وصل دونالد ترامب إلى الحكم وهو شخصية غير متزنة، وشكّل أولى حكوماته التي ستحكم معه. ولعل أفضل وصف للرئيس السابق هو الوصف الذي أطلقه عليه أول وزراء خارجيته ريكس تيليرسون، حيث وصفه بـ”الأحمق” (Moron)، وهو وصف دقيق يعكس شخصية الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اشتهر بتغيير مساعديه بشكل متكرر.
حكم ترامب دورة أولى مدتها أربع سنوات، تميزت بأنها الأكثر اضطراباً في تاريخ الحكومة الأمريكية، وترشح لدورة ثانية لكنه فشل انتخابياً أمام الرئيس الحالي جو بايدن. ومع سقوطه المدوي، بدأ بوضع العراقيل أمام الانتقال السلمي للسلطة، حيث طلب من وزير داخلية ولاية جورجيا أن يجد له 11,700 صوتاً كي يتغلب على خصمه بايدن، كما حرض المتظاهرين على اقتحام الكونغرس، في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك على طريقة انتخابات الدول الديكتاتورية. والجدير بالذكر أن ترامب كان معجباً بهؤلاء الحكام مثل بوتين وكيم جونغ أون.
وبعد أن اقتحم أنصاره الكونغرس ونجحوا في دخوله، طلب من نائبه مايك بنس عدم تثبيت نجاح بايدن في مجلس الشيوخ. إلا أن بنس أصر على أداء دوره وتثبيت نتائج الانتخابات، كما أقرّتها كل الولايات، ما جعل جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.
رافق سقوط ترامب سلسلة من الفضائح والإحالات إلى المحاكمات، من فضائح الضرائب إلى الفضائح الجنسية. خلال تلك الفترة، تمكن ترامب من السيطرة على الحزب الجمهوري وتحويله إلى حزب عنصري غير ديمقراطي، حتى أنه فشل مراراً في انتخاب رئيس لمجلس النواب بسبب تدخل الترامبيين.
المواطن الأمريكي، خاصة في الولايات الريفية التي يتمتع سكانها بالبساطة، يخضع بسهولة لديماغوجية أمثال ستيفن بانون، المحكوم بالسجن. وقد أدت هذه الديماغوجية إلى تقسيم المجتمع الأمريكي إلى قسمين، أحدهما عنصري والآخر ديمقراطي يمثله الولايات المتقدمة.
شهدت الأسابيع الماضية محاكمة ترامب بتهم تتعلق بتزوير الوثائق المالية والتلاعب بأموال الحملات الانتخابية، لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية الشهيرة ستورمي دانيلز حول علاقتها الجنسية معه، وهي الفضيحة التي كشفها محاميه السابق. وقد تم توجيه 34 تهمة لترامب، وهو أول رئيس سابق يُتهم بجرائم.
نقترب اليوم من الانتخابات الرئاسية، وكلا المرشحين هما الرئيس بايدن عن الحزب الديمقراطي وترامب عن الحزب الجمهوري. وقد يُعيب البعض على بايدن تقدمه في السن، لكنه، من منظور أمريكي، يُعد رئيساً ناجحاً، بينما يحمل المرشح الجمهوري تاريخاً طويلاً من التهم، منها الفساد المالي والتهرب الضريبي والاحتيال الأخلاقي والتحريض على اقتحام الكونغرس.
سيكون صندوق الاقتراع هو الحكم بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، وأرى شخصياً أن نجاح بايدن سيجنب الولايات المتحدة الوقوع في ديكتاتورية لم يشهدها تاريخها.