أصبح الحزب الجمهوري حزب الأكثرية النيابية وحزب الأقلية في مجلس الشيوخ. وبطبيعة الحال، عليه اختيار زعيم الأكثرية في مجلس النواب، وبالتالي يتحول إلى رئيس لمجلس النواب خلفاً لرئيسة مجلس النواب النائبة عن الحزب الديمقراطي نانسي بيلوسي. كما أن على الحزب الديمقراطي، الذي فقد أكثريته، أن يختار رئيساً للأقلية الديمقراطية.
مر انتخاب رئيس الأقلية الديمقراطية بطريقة مريحة، حيث تم انتخاب النائب عن مدينة نيويورك جيفري حكيم رئيساً للأقلية، بأغلبية مطلقة في الحزب الديمقراطي، حيث حصل على 212 صوتاً من أصل 212 ومن الجولة الأولى.
أما في المقلب الآخر في الحزب الجمهوري، فهنا كانت الأزمة والتأزم. فمنذ الفوز، اعتقد زعيم الأقلية السابقة كيفن مكارثي أنه رئيس مجلس النواب كتحصيل حاصل، ولكن كانت المفاجأة أنه لم يتمكن من الحصول على أغلبية 218 عضواً، المطلوبة للحصول على مطرقة رئاسة مجلس النواب. مر اليوم الأول بثلاث دورات، دون أن تتغير النتيجة، حيث لم يحصل إلا على 200 صوت، بينما حصل معارضوه على باقي الأصوات. وبقي المرشح الديمقراطي على أصواته الـ212 طيلة اليوم الأول وفي دوراته الثلاث.
تكررت الأصوات ذاتها في اليوم الثاني بعد فشل المفاوضات بين أعضاء مجلس النواب من الحزب الجمهوري، لتبقى النتيجة كما هي: 200 صوت لكيفن مكارثي، وتقاسم باقي الأصوات المرشحون الآخرون. هنا انطلقت الشائعات من الطرف الجمهوري بأن النائب مكارثي قد قدم تنازلات لخصومه، الذين هم من غلاة الجمهوريين ومن المتشددين في مجموعة الرئيس السابق دونالد ترامب.
بقيت النتيجة ذاتها في اليوم الثاني والثالث والرابع، حيث ظل كل في موقفه. لم يحصل كيفن مكارثي في كلا الدورات إلا على نفس النتيجة (200 صوت)، ولم يصل مع خصومه إلى نتيجة. ولكن في الدورة الانتخابية الخامسة عشر، استطاع كيفن مكارثي ومجموعته إقناع ستة من خصومهم بالامتناع عن التصويت، وغياب البعض الآخر. وفي النهاية، حصل، وبشق النفس، مكارثي على 216 صوتاً. ويبدو أن هناك مشادة حدثت بينه وبين بعض خصومه، وحتى الآن ليس واضحاً ما هي التنازلات التي قدمها مكارثي لخصومه السياسيين. وبالطبع، وكما يقول المثل، “فإن لناظره لقريب”.
ما يدل على هذا الصراع على السلطة لدى الحزب الجمهوري هو أنه يعيش حالة تأزم منذ أن اختار دونالد ترامب رئيساً. ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس السابق للأقلية الجمهورية، ورئيس مجلس النواب الحالي، تراجعه عن إدانة الرئيس السابق دونالد ترامب في أحداث السادس من كانون الثاني 2021، أدى إلى ضعضعة موقفه في المجلس. من هنا، يُعتقد أن خصومه قد استغلوا ضعفه هذا من أجل التمادي بالمطالب ضده.
أضف إلى ذلك، أن عدم انتصار الحزب الجمهوري سواء بأكثرية تسونامية كما كان يعتقد، أو خسارته مجلس الشيوخ، حيث فاز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس الشيوخ وليسوا بالضعف الذي كان يتمناه الحزب الجمهوري. خلال العملية الانتخابية لرئاسة مجلس النواب، أثبتوا أنهم يمتلكون قوة متضامنة أدت إلى عدم تراجع أصوات النائب عن مدينة نيويورك، جيفري حكيم، حيث استقر عدد الأصوات على 212 دون تبدل. وفي اليوم الرابع، وجه النائب جيفري نوعاً من الإنذار لهم، كونهم بخلافهم هذا يمنعون قيام مجلس النواب بمهامه التشريعية، مما يعني أن الحزب يتحمل مسؤولية عدم قيامهم بالواجبات التي انتخبوا من أجلها.
ظننت وأنا أراقب عملية الانتخاب أننا في دويلة حزب الله حيث التصويت يتم بالورقة البيضاء، حتى يأتي القرار من الخارج. ويبدو أن الخارج عند الحزب الجمهوري هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي راهن على أن يتراجع مكارثي عن موقفه. وعند فشله في ذلك، قرر المساعدة على إنهاء هذا التأزم.
كان الحزب الجمهوري دائماً متشنجاً وعالي السقف في مطالبه. من عمل في السياسة وكمراقب سياسي، يلحظ أن الحزب الجمهوري هو حزب أزمات. بدءًا من أزمة جون مكارثي المغالي في معاداته للشيوعية، إلى أزمة الرئيس نيكسون واضطراره للاستقالة، إلى الرئيس ريغان الذي ساوم الإيرانيين على الرهائن، إلى تلاعب الرئيس جورج دبليو بوش بالنتائج، إلى مطالبة الرئيس ترامب بالانقلاب على نتائج الانتخابات الأخيرة. فإلى متى سيستمر هذا التأزم والمساومات؟
وكما فشل نيوت غينغريتش في المئة يوم التي دعا إليها الجمهوريون لتغيير وجه أمريكا، فمن المحتمل أن يفقدوا أغلبيتهم النيابية بعد سنتين، لأن الناخبين لا يسامحون.