مع نهاية هذا الاسبوع، يكون الحراك الثوري قد طوى عامه الاول، منذ ان انطلقت ثورة تحرر الشعب السوري من النظام الذي اطبق على عنقه لما يقارب النصف قرن. ففي مثل هذه الايام كانت تونس قد طوت ثورتها بهروب بن علي، والشعب المصري قد اسقط حكم حسني مبارك، والشعب اليمني يتظاهر لاسقاط الحكم القرو – وسطي لمحمد علي صالح، والشعب البحريني يريد التحرر من الحكم الاوتوقراطي، والقذافي يتهالك، ليسقط بعد ذلك، فكان السؤال الطبيعي، اي نظام سيضرب اعصار الربيع العربي الهادر. فكان الجواب من درعا، تلك المدينة الحدودية المنسية من قبل الكثيرين.
منذ اليوم الذي اعتقل فيها عاطف نجيب، رجل الامن، وقريب الرئيس، اطفالا بعمر الورد ليقوم بتعذيبهم بطريقة وحشية، بربرية لم يصمد العديد منهم فسقطوا شهداء. استمرت غطرسة رجل الامن هذا، الذي يستمد سلطته من قريبه المتربع على عرش سورية، في اهانة اهل درعا فكانت الشرارة التي اطلقت الثورة، لتمتد كالنار في الهشيم، وتشمل كل سورية.
عام مضى ومع نهايته يدخل الحراك الثوري في سورية عاما جديدا، حيث تصاعدت وتيرة هذا الحرك لتطلق حركة تغييرية كان لا بد منها منذ زمن طويل. فلو اردنا رسم خط بياني للحراك الثوري، فسوف نلحظ بأنه كان دائما في تصاعد وتفاعل.
بعيدا عن نظرية المؤامرة التي يتقول بها النظام ومناصروه، فالحراك الشعبي الذي بدأ عفويا ما لبث ان أخذ يفرز حراكا سياسيا. على الارض، افرز الحراك قيادات شابة لم يكن يتوقعها النظام واذهلت حتى الحركة السياسية السورية، المعارضة منها او الموالية. هذا الحراك ايقظ الجميع لينطلق في البداية بمطالب ملت المعارضة السياسية من تردادها، والسلطة الامنية تغلق عينيها على هذه المطالب.
حاولت السلطة كعادتها ان تلتف على هذه المطالب، فكان التصعيد من قبل تنسيقيات الثورة التي شملت كل سورية من جنوبها الى شمالها، ونتيجة استمرار القمع الامني للحراك، لتنقل للمطالبة باسقاط النظام، وهو في الحقيقة مطلب ليس بالجديد، فالشعب السوري كان دائما تواقا الى الحرية والكرامة التي حرم منه منذ اكثر من نصف قرن.
مع مطلب اسقاط النظام اخذ هذا الاخير يحاول امتصاص الغضب الشعبي، فكانت سلسلة مراسيم العفو العام، التي في الحقيقة لم تشمل سجناء الرأي بل مجرمين تحولوا بعد اطلاق سراحهم الى شبيحة ولجان شعبية وباقي التسميات، تدعم النظام الذي هو احد اسباب اجرامها. والغاءا شكليا لحالة الطوارئ، واستجداء الحوار من المعارضة، والغاء المحاكم الامنية اغير الدستورية، الخ … من القرارات التخديرية، التي اثبت للجميع بأنها ليست باصلاحات فعلية، بل هي التفاف على المطالب، وكان آخرها مهزلة الدستور، الذي ثبت اسلامية الدولة عبر المادة الثالثة والمادة الرابعة، ووصولا الى المواد التي تضع السلطات الثلاث في يد رئيس يطالب شعبه باسقاطه.
افرز هذا الحرك زحما من الحركة السياسية، ونتيجة تعطش الشعب السوري الى الحرية، أخذت التنظيمات السياسية تتشكل في محاولة منها للالتحاق بالثورة، ومحاولة تسيسها وقيادتها، فكانت التيارات والهيئات في الداخل، والمجالس والكتل والمنابر في الخارج. هذه التنظيمات، التي هي في حالة هيولية، تتطور بخطوات متسارعة، وصولا الى التكون السياسي الفعلي.
استخدام الجيوش ضد الشعب سلاح خطير، حيث يتحول عن مهمته الاساسية التي هي حماية الوطن ارضا وشعبا، ليتحول الى اداة قمعية من قبل النظام، وهذا ما دفع الكثيرين من ضباط وصف ضباط وجنود، ان ينشقوا ليشكلوا جيشا رديفا لهذا الجيش، الا وهو ” الجيش السوري الحر”، الذي تعزز ببعض المتطوعين. وبعيدا عن نظرية ” العصابات الارهابية ” التي يطلقها النظام، فان هذا الجيش حقق على الارض، انتصارات مقبولة ونذكر منها سيطرته، لاكثر من شهر، على منطقة الزبداني. واهم انتصار حققه هذا الجيش هو اعتماده حرب العصابات على الطريقة الفيتنامية، حيث يهاجم ويسيطر وينسحب. يسخر الكثيرون من الانسحابات التكتيكية، ولكن هذه الطريقة في القتال تضعف النظام وتنهك الته القمعية، ومن هنا يكثر عدد المنشقين بشكل شبه يومي.
حصيلة القول فأن حصاد العالم الاول للحراك الثوري في سورية هو حصاد جيد، رغم وجود بعض الزيوان في هذا الحصاد، وهو طبيعي في اي حراك ثوري لتحرير الشعب السوري. بالطبع لا احد يعرف متى ينتهي هذا الحصاد، فالثورات الشعبية لا تقاس باعوامها بل بنتائجها، وبالنسبة للثورة السورية كان حصادا مثمرا، سيقود حتما الى حرية وكرامة الشعب السوري وهي الخطوة الاولى لقيام الدولة الوطنية الديموقراطية.