تعليق على مقال رضوان السيّد عزيز العظمة

تعليق على مقال رضوان السيّد 

عزيز العظمة

مــا سبق لي أن ناقشت رضوان السيّد فــي نصّ مكتوب، ولو أن معرفتــنا الشخصية تعود إلـى أربعين عاما. مــا سبق لي أن ناقشته لأنّني ما كنت مقتنعا بجدوى النقاش معه، و ما زلت على هذا الرأي. إن لرضوان ذاكرة استثنائية، وهـو محقق جيّد للنصوص التراثية، وله قراءات عريضة فـي مجالات متعددة، ولو أنّنـي أرى أنّ اطلاعه على ما تجاوز كتب التراث متسرّع وسطحي  يكتفـي بالإدراك التقريبي وباستخدام هذا الاصطلاح أو ذاك على نحو خطابي. ولذلك فإنّه لم يسبق لـي أن ناقشت كتاباته التاريخية والسيـاسية ولم أستشهد بهـا، لاختلاط الأمور فيها ولانطوائهـا علـى مقاصد دفـاعية و سجاليـة متأتية عن اشكاليات تاريخية متوهّمة، الكثير منهـا عامي، وهـي تروم نتائج إيديولوجية في خدمـة مواقف دينيّة اجتماعيـة وفكريــة محـافظة من أفق رأينـاه يضيق كثيـرا فـي السنـوات الأخيرة. تــلك هــواجس وسجـالات تطبّع بهـا رضوان السيّد منذ حداثة أمره فـي الأزهر، مرورا بتتلمذه علـى العلاّمة الدكتـــور صلاح الدين المنجد – ذي الهوى الإخواني في السياسة والثقافة – ثمّ تسلقه السلّم في معهد الإنماء العربـي الّذي أسّسه القذّافي في بيروت، وصولا إلى حيث هو الآن.

وكما أنّه ما سبق لــي أن ناقشت رضوان السيّد كذلك لا أعتزم أن أناقشه اليوم استنادا إلــى ما كتبه فـي جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 18/04/2014 تحت عنوان " الحملة على الإسلام…والحملة على العرب". ولكن لديّ تعليق يتناول المقاصد والنتائج والأساليب، إذ إن رضوان هاجمنـي شخصيا (مع غيري من الأفراد المذكورين بالاسم)، وكفّرنــي فـي السياسة كمـا فعل بغيري. كما أن لديّ طلبا سأسوقه في الختام.

إن ما كتبه رضوان يـوم 18/04 كثير الاختلاط كالعـــادة وغير متماسك فــي تسرّعه واستعجــاله، ويتعذّر فيه على قارئه تمييز  الخيط الأبيض من الخيط الأسود؛ هذا القارئ الذي يجد نفسه منقاداً إلى أن يستشعر من خلال ما يقرؤه من سطور المقال، عصبية طائفية بدائية غير قادرة على التمييز بين الأمور وعلى التعالي عن عماء التعصّب والانئسار لعصبية ما دون السياسة وما فوقها، عصبيّة لا ترى حولهـا إلاّ فسطاطَيْن: فسطاط الذّات الّتـي لا تحجم، فــي غياب ملكة التمييز لديها، عن المماهاة بين الولاء للدّم الطائفي والذهاب بهذا الولاء – على تقادمه وضرره – إلى تأييد كل ما نطق باسمه من عاقل أو نـاعق أو تكفيري، وفسطاط الآخر الذي ليس على استعداد لانتضاء لواء الاقتتال الطائفـي واتّخاذ رضوان السيّد مناضلا قدوة في هذا. على هذا النّحو يصبح كل من كان غير مستعدّ لانتضاء هذا اللّواء متهما بتأييد الفقيه الولي وحزب الله ولواء أبي العبّاس والحرس الثوري وغيرهم.

تلك تهّمة يكيلها لــي رضوان ولغيري أيضا، باستسهال يدل إمّا علـى الخفّة بل الحمق، وإمّا علـى تهتك فـي الكيــان الأخلاقـي والمعنـوي. هذه – وغيرهـا ممّا جـاء في مـا كتب رضوان- بهتـان صرف  لا يستند إلى شذرة فـي الواقع، وليس لديه عليه أي مستند فـي قول أو نصّ أو فعل. هذا اختـلاق وتقوّل غريبان إذ إن رضوان ليس غريبا عنّي ولا هو بجاهل بمواقفي. أمّا أنّه يتهمني بأنّني أعتقد أن الصديق والرفيق ميشيل كيلـو طائفي، فهذا أمر غريب إلــى درجة العبث. باختصار شديد، إنّ ما أتى به رضوان  من بهتان تجاهي، وتجاه البعض من زملائــي وأصدقائي ومعــارفي، إنّما هو يشكل علــى الأرجح ومن   وجهة نظر القانون قَدحـا وذمّـا مكتملي الأركـان، وهو لم يرتدع عن أن ينشر ما نشر ومـا كان يجب ألا ينشر فــي جريدة محترمة علــى صورة قد ورّطهـا معه فــي هذا الأمر. ما فعله الرجل غير أخلاقـــي  ومخالف للقانون، ولعلّه يستذكر أنّ فقه أهل السنّة يوجب إقامة الحدّ على القدح والقذف و الإفك.

لقد حـاولت جاهدا أن أفكر الأسباب الّتي أوجبت علـى رضوان تجـاوز حدود الأمانة والأدب والمـروءة والقدْر، والافتراء على غيره بهذه الدرجة من الاستهتـار. حاولّت تلمّس ما يدعو إليه من التشبيح والضربـ  يمنة ويسرى علّه يصيب هدفا ما، وهو يطلق خطابا غوغائيا لعله يطمح  من خلاله إلى الظهور علـى شاكلة قرضاوي صغير.

لم أوفق فـي التوصل إلى الأسباب الممكنة، مع أنّنـي قلّبت فـي ذهنـي الخلافـات الإيديولوجية والثقافيـة والسياسية والفكرية الممكنة، ولكنّني لم أوفق في التوصل إلى الباعث على هذه الفرية علـى الأشخـاص  الذين هم على خلاف معه بصدد الشأن الطائفي، وشـأن التحرّر والفكر الحرّ. وعلى ذلك فإنّ الأرجح فـي تقديري هـو الشـأن الأقرب والأسهل الّذي تراكب علـى أوهـام إيديولوجية وأدّى بـه إلــى قحة هذا التجنـي وارتضاء استقبال  لوثة باعثة علـى ما كتبه. والأرجح في تقديري أنّه فعل ما فعل لشيء فـي نفسه.  أترك لغيري اإفصاح عن تقديره.

وفـي النهاية، إنّني أطالب رضوان وهو منقلب اليوم من ذيل الكهولة إلـى بـادءة الشيخوخة أن يتوسّل الأمانة والصدق والمروءة، وأطالبه ثانيا بالاعتذار في هذا الموقع بالذات راجيا ألاّ يكون في هذا الطلب تكليف بملا لا يطاق. قلت يوما لرضوان، وأنا أمازحه معاتبا إيّاه على الإخلال بالوعد، إنّه من العسير عليّ أن أعتقد أنّه على ذلك القدر من السّوء الّذي يحاول أن يظهرعليه نفسه والّذي بات يتحدث عنه الكثيرون. ولأقلها بصراحة:هذه فرصة  تتاح له الآن ليفاجئنا.