تشكل الهجرة الواسعة للمسيحيين العرب ومسيحيي البلدان المشرقية إحدى أهم المخاطر التي تواجهها المنطقة، وذلك بسبب الدور الثقافي الذي يلعبه هؤلاء المسيحيون، كحلقة وصل بين الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الغربية، واستيعابهم وتفهمهم لكلتا الثقافتين، وفتح إمكانية الحوار بينهما. ولا يمكن القول أن هذه الصلة ناتجة عن ارتباط ثقافة المسيحيين في المشرق بثقافة الغرب، بل لتأثير هذه الثقافة على رؤية الغرب لهذا الشرق الذي تتسم غالبا بالسلبية، والنظرة وحيدة الجانب المتمثلة بكونه مصدرا للإرهاب، ومصْدرا للمواد الخام والثروة. لقد مارست الثقافة المسيحية المشرقية على مدى تاريخها تأثيرا متبادلا بين الثقافتين الإسلامية، والمسيحية الغربية، ولعبت دورا في عقلنة التطرف لدى الثقافتين وتفاعلهما مع بعضهما البعض رغم الظروف القاسية التي تعرضت لها بسبب هذا الدور. ، إننا لسنا بصدد البحث في دور المسيحيين، وأهميته، إنما نحاول أن نلقي ضوءا على واقع الهجرة التي أخذت تقلق الأوساط الاجتماعية والسياسية والثقافية في البلدان العربية، الحريصة على استمرار هذا النموذج الحضاري من أجل مصلحة الأمة، من خلال هذه الورقة التي ليست نهائية، لا من حيث الأفكار ولا الأرقام الواردة فيها. وسنركز البحث على هجرة المسيحيين العرب أولا.
يتمركز وجود المسيحيون في الدول العربية بشكل أساسي، في مصر، لبنان، سورية، الأردن، العراق، فلسطين، وجنوب السودان أما بقية الدول العربية فإن وجود المسيحيين فيها يكاد يكون محدودا، بعضها جاء بقصد العمل، كما في دول الخليج والسعودية، والبعض الآخر من بقايا الاحتلال الفرنسي، كما في دول المغرب العربي، أما دخول المسيحية لجنوب السودان فقد جاء عن طريق البعثات التبشيرية.. ويتمركز عدد من المسيحيين في الدول المجاورة كتركيا وإيران حيث يوجد نحو ربع مليون منهم، وقد هاجر قسمهم الأعظم في السنوات الأخيرة إلى مختلف دول العالم.
ويقدر عدد المسيحيين العرب بنحو 10 ملايين نسمة من أصل حوالي 300 مليون نسمة سكان الوطن العربي، أي بنسبة 3.3 % تقريبا، ولكن هذه النسبة تزداد إذا ما أًَخذت على أساس القطر الواحد، فهي في لبنان حوالي 30 %، وفي سورية 8 – 10 %، وفي مصر 6 – 8 % وهكذا، في الوقت الذي كانت فيه هذه النسب أعلى من ذلك بكثير قبل منتصف القرن الماضي. وانخفضت إما بسبب الحد من النسل، أو الهجرة.
وتتقاسم هؤلاء المسيحيين حوالي 11 طائفة عدا الأقباط الذين ينقسمون إلى 3 طوائف. كما يتوزعون بين الأقليات القومية كالأشوريين، والكلدان، والأرمن، وبعض العائلات الكردية. وتدل المعلومات أن الهجرة الأولى للمسيحيينعند عام اشتعال الأحداث الدامية في لبنان عام 1854 ولكن هذه الهجرة اتجهت في أغلبها نحو مصر وفلسطين، إلا أننا نجد بعض الأسماء والأرقام لمهاجرين مسيحيين نزلوا في دول أمريكا اللاتينية خلال هذه الفترة و نزل أول مهاجرين في البرازيل عام 1880 من عائلة زخريا من بيت لحم، وغيرهم إلى بقية دول أمريكا ولكن هذه الأعداد أخذت بالتزايد منذ عام 1892، وبلغت حدا واسعا في الأعوام 1903 – 1930، ووصل عدد المهاجرين إلى البرازيل وحدها حتى عام 1970 إلى 1.8 مليون مهاجرا، وازداد هذا العدد حتى وصل عند عام 1986 إلى 5.8 مليون مهاجر غالبيتهم من المسيحيين.
وفق دراسة أعدها عبد الله باكثير أستاذ التاريخ في جامعة الرباط إلى المؤتمر القومي العربي. وبما أننا لا نسعى من وراء هذا البحث تقديم دراسة أكاديمية بل سياسية، فإن الهجرة الأساسية للمسيحيين بدأت تأخذ طابعا سياسيا منذ منصف القرن الماضي، وكان هدفها أو هكذا تبدو وكأنها محاولة لتفريغ المنطقة من مكوناتها الحضارية وتنوعها الثقافي، وفق ما تسعى إليه سياسة الولايات المتحدة، التي سعت وتسعى لتخريب ثقافات الشعوب عن طريق اقتلاعها من مواطنها الأصلية وبعثرتها في العالم. صحيح أن الهجرة كانت في البداية محدودة وفردية، ولكنها كانت البداية التي أسست لهجرات أوسع، إذ أصبح بامكان هؤلاء أن يسعوا لتهجير غيرهم بعد أن توفرت لهم فرص من العمل كانت بالنسبة للأعمال التي يمارسونها في بلدانهم فتحا هاما، وأخذت تغري لهجرة أقربائهم ومعارفهم أيضا. لقد تعددت أسباب الهجرة وتنوعت، ولم تقتصر على المسيحيين بل شملت كل من استطاع إليها، وكما يذكر الأستاذ عيسى سامي مهنا في دراسته القيمة عن هجرة العلماء والمهنيين العرب، التي أصدرها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية أن هناك 50 سببا للهجرة سياسية، واقتصادية وثقافية ودينية، وغيرها.
ولكن المشاكل التي حصلت في بعض الأقطار العربية كانت تبرر لمزيد من هجرة المسيحيين، خاصة بعد أن حققت للمهاجرين الأوائل استقرارا ماديا ومعنويا أكثر منه. ثقافيا. ونظرا لقلة عددهم أخذت هذه الهجرة تظهر بشكلها الواضح . لكن هذهلأحوال فإن من الصعب معرفة الأسباب الحقيقية للهجرة نظرا لكونها تبدو وكأنها ظاهرة شخصية بحتة إلا أن جملة الأسباب التي ذكرها الأستاذ مهنا، اقتصادية كانت أم اجتماعية وثقافية أو دينية تدخل فيها كلها، وإن كانت الإحصائيات الرسمية تقسم هذه الهجرة وفق التالي: 44 % بسبب العمل، 30 % تكوين أسرة وزواج، 15 % دراسة وعدم عودة، 10% أسباب مختلفة أخرى. لكن هذه الأرقام لا تعكس الحقيقة الأساسية لهجرة المسيحيين، ولا تبين أسبابها، ففي عام 1985 بلغت الهجرة من سورية أوجها واستطاع قسم من الراغبين أن يهاجروا عن طريق أقرباء لهم أو مقيمين في بلدان الهجرة، كندا، أمريكا، السويد، وكان قسما منهم ميسورا على الصعيد المادي، ولهم مشاريع حيوية في سورية ولبنان، وكان بينهم من يشغل مسؤوليات إدارية عالية ، وعدد من الكفاءات العلمية، أطباء مهندسين ومحامين.الخ.. لم يتمكنوا من ممارسة هذه المهن لأن قوانين الهجرة لا تسمح لهم بها، واكتفوا بما يحصلون عليه من معونات البطالة أو ( العمل بالأسود ) أي بدون ترخيص. أما القسم الآخر فقد هاجر تحت حجة اللجوء الإنساني حيث كان المهاجرون يحصلون على سمة دخول إلى إحدى الدول الاشتراكية، وخاصة ألمانيا الشرقية، ومن ثم يغادرون إلى ألمانيا الغربية بواسطة سماسرة ومهربين أو عن طريق أقرباء لهم هناك. بعد أن يتخلصوا من أوراقهم الرسمية، ويساقون بعدها إلى معسكرات ( كامبات ) يتجمع فيها مهاجرين من مختلف أنحاء العالم خاصة النامي منها. حتى أنه يقال إن أحد ( الكامبات ) كان فيه 15000 من المهاجرين بينهم 1300 من المسيحيين السوريين، و800 من لبنان بينهم 300 من الأطفال. وأمضى بعضهم حوالي 5 سنوات في هذه المعسكرات وفي ظروف معيشية قاسية قبل أن تسوى أوضاعهم، وبقي بعضهم أكثر من 15 عاما قبل أن يحصل على الجنسية، وبعضهم لم يحصل عليها حتى الآن. ، واعتبارا من عام 1990 لم تعد سورية ولبنان من الدول التي يمنح مواطنوها اللجوء الإنساني أو السياسي، إلا في حالات خاصة. وعلى الرغم من احتلال فرنسا لسورية ولبنان، وإنكلترا للعراق ومصر، والأردن وفلسطين، لم تسجل في تلك الفترة هجرة خاصة للمسيحيين مميزة، اللهم إلا قلة من الأفراد والعائلات التي عملت مع جيوش هاتين الدولتين، أو في خدمتهم. لكن موجة واسعة من المهاجرين المسيحيين نزحوا من سورية باتجاه لبنان كمحطة أولى في الأعوام 1958 – 1962.
وتقدر الإحصائيات عددهم بحوالي 50 ألف من أصل 200 ألف هاجروا في تلك الفترة واستقروا بداية في زحلة وبيروت، ثم هاجر قسم منهم إلى الخارج. ، وازدادت الهجرة بعد عام 1967، وبلغت ذروتها في فترة الأحداث التي اندلعت بين السلطة والأخوان المسلمين منذ عام 1980 وبعدها، ثم تعاظمت الهجرة حتى بدت واضحة تماما بعد أن انحسرت نسبة المسيحيين لدرجة ملحوظة. ففي عام 1980 كانت نسبة المسيحيين في سورية حوالي 16.5 %، انخفضت خلال ربع قرن إلى 8 – 10 %، ولم تكن النسبة هي التي انخفضت فقط بل العدد نفسه، إذ كان عدد المسيحيين في تلك الفترة 2 مليون، بينما الآن لا يتعدى هذا العدد 1.5 مليون، وهناك إحصائية تقدر عددهم بأقل من مليون، ولكن باعتقادي أنها غير دقيقة.
وتشير دراسة الأستاذ مهنا السابقة الذكر، أن عدد السريان والكلدان الذين هاجروا من الجزيرة السورية والعراق بلغ 500 ألف، وأن قرية تل فائق في شمال العراق وحدها هاجر منها 126 ألف من الكلدان، ولكي ندلل على هذه المسألة نأخذ هجرة الآشوريين الذين يعتبرون من أقدم حضارات التاريخ، واعتنقوا المسيحية منذ بدايتها. لقد قدم هؤلاء الآشوريين من شمال العراق بموجب اتفاق بين الفرنسيين والإنكليز في عام 1939 بعد محاولة انقلاب على الملك غازي، ووضعوا على ضفاف الخابور الأعلى بين رأس العين والحسكة، بنوا فيها بساتين أشبه بالجنان. لقد كان عددهم يقارب أل 50 ألف حتى عام 1980 لم يبقى منهم أكثر من 5000 – 8000 نسمة أغلبهم من الشيوخ بعد أن هاجر الشباب إلى أستراليا، ونيوزيلندا، وأمريكا.
وفي اعتقادي إن هجرتهم تمت بمخطط مرسوم، حيث كانوا يشكلون حلقة الوصل والتواصل بين المسيحيين في سورية والعراق. أما في فلسطين، فقد كان عدد المسيحيين عام 1948 حوالي 150 ألفا هاجر منهم 50 ألف إلى الخارج بعد النكبة. أما الآن فإن عدد المسيحيين المسجلين في فلسطين نحو 400 ألف منهم 51 ألف في الضفة، و114 ألف في فلسطين المحتلة، والباقي في الخارج. وتدل المعلومات أن نسبة المسيحيين في بيت لحم وحدها كانت عام 1947 حوالي 20 % من السكان أما الآن فلا تزيد نسبتهم عن 2 % بعد أن هاجر أغلبهم إلى الخارج. أما في لبنان فقد كانت نسبة المسيحيين حتى عام 1975 تصل إلى أكثر من 42 % من السكان، وانخفضت منذ عام 1994 إلى 30 %، وتفيد دراسة لوزارة المغتربين في لبنان أعدها أنيس أبو فراج أن هجرة المسيحيين بين الأعوام 1975 – 1999 بلغت 26 % للموارنة و25 % للأرثدوكس، و19 % من الكاثوليك، ويعزو بعض المفكرين المسيحيين التوسع في الهجرة من لبنان إلى عدة عوامل بينها حالة التهميش التي يشعر بها المسيحيون العرب، وعدم رغبة الآخرين ببقائهم، بينما يتعلق بعضها بربط العروبة بالإسلام لدى تيارات إسلامية، لإخراج المسيحيين العرب من القومية العربية مما زاد عندهم الشعور بأزمة الهوية.
وفي مصر يشكل الأقباط أكبر كتلة بين المسيحيين العرب تصل إلى ضعف العدد الموجود في بقية الأقطار العربية، فقد هاجر منهم خلال 80 عاما 1.5 مليون نسمة، ولا زال العدد الموجود في مصر موضع خلاف، وأخذ ورد بين إحصاءات الكنيسة والإحصائيات الرسمية، البعض يقدر عددهم بنحو 5 – 6 ملايين نسمة. إلا أن دراسة أعدها باحث فرنسي ووفرها لنا الأستاذ الياس بولاد، تعود لعام 1994 بين أن عدد المسيحيين المصريين هو 2.8 مليون أي نصف التقديرات ولا نعتقدها صحيحة . وتبدو هجرة المسيحيين من العراق أكثر كارثة. لقد قدر عدد المسيحيين في العراق بنحو 700 ألف. لكن أعدادا كثيرة هاجرت منهم منذ عام 1991، بعد العدوان الأمريكي عليه، حيث نزح في هذه الفترة من شمال العرق إلى سورية عدد من العائلات المسيحية التي كانت تسكن هناك وأقاموا في مخيمات قبل أن ينتقلوا إلى المدن السورية، ومن ثم إلى أمريكا وكندا، بعد أن حصلوا على اللجوء السياسي، وكان نصيب كندا وحدها منهم 250 عائلة سافرت دفعة واحدة على متن طائرات مخصصة لهذا الغرض، ولا زالوا يعيشون فيها. وازداد نزوح المسيحيين بعد العدوان الأمريكي الأخير، واحتلال العراق، حيث نزح حوالي 300 ألف من المسيحيين إلى سورية والأردن، والخارج بعد أن تعرضوا إلى عمليات اعتداء على محلاتهم خاصة المحلات التي تبيع الخمور والألبسة ودمر منها حوالي 200 محلا على مرأى من قوات الاحتلال، كما جرت عمليات اعتداء على الفتيات اللواتي لا يرتدين الحجاب، وعلى الكنائس في الفترة الأخيرة، وتعرض عدد منهم لعمليات القتل ونهب المنازل.
لقد فاق عدد المهاجرين المسيحيين في الخارج عددهم في الداخل، فهناك 5 ملايين من المهاجرين اللبنانيين بينهم 3.5 من المسيحيين بينما لم يبقى في لبنان إلا أقل من 1.5 مليون. وفي الولايات المتحدة كان عدد المهاجرين العرب 3 مليون بينهم 2 مليون من المسيحيين، وفق دراسة أعدها ميخائيل سليمان للمؤتمر القومي العربي عام 2000. أغلبهم من الكفاءات العلمية والمهنية. لقد أدرك المثقفون العرب خطر هجرة المسيحيين على ثقافة المنطقة وتنوعها الحضاري ودعوا للتصدي لهذه الهجرة، فالوليد ابن طلال في جريدة النهار يرى أن بقاء المسيحيين في المشرق هو ترسيخ لفكرة الدولة العصرية، والتنوع الثقافي، والتعددية، والديمقراطية.، ولمنع استنزاف الطاقات العلمية، والفكرية والثقافية في منطقتنا. أما حسنين هيكل فيرى أن المشهد العربي كله سيختلف حضاريا وإنسانيا مع هجرة المسيحيين، وسيصبح أكثر فقرا، وأقل ثراء لو أن هجرة المسيحيين ترك أمره للتجاهل والتغافل، وللمخاوف، أي خسارة لو أحس مسيحيو الشرق أن لا مستقبل لهم ولأولادهم فيه. ثم بقي الإسلام وحيدا في المشرق لا يؤنسه وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية في إسرائيل. وإذا كان وجود المسيحيين من وجهة نظر المثقفين العرب ضروري لتفاعل الحضارة العربية الإسلامية لما لهم من دور فيها. فإن الدوائر المعادية تحاول أن تلعب على هذه الورقة بحجة الاضطهاد الذي يتعرضون له للتدخل في شؤون بلداننا. رغم تأكيد جميع ممثلي الكنائس أن مثل هذا الاضطهاد لا وجود له.
هناك حقيقة يجب التوقف عندها، وهي أن شعورا بالتفوق تولد لدى عامة المسيحيين، ويعود هذا الشعور إلى تفوق الغرب، يقابله رد فعل من قبل المسلمين بالتفوق التاريخي الذي يرجعونه لتقدم الحضارة العربية الإسلامية، وتفوقها على الغرب في تلك الفترة. إن كلا الطرفين على خطأ في هذا الشعور، ذلك إن الطرفين ساهما في بناء الحضارة العربية الإسلامية وجميعنا ننتمي لأمة واحدة ويتهددنا خطر واحد هو خطر الابتلاع، والنهب والاستغلال، تلك ليست مجرد لهجة خطابية، وعلينا أن نبحث عن الأرضية التي بواسطتها يمكن أن نبني مشروعنا العربي الذي يجعل الأمة تنهض من سباتها ويعزز مكانتها. وإذا كان من الصعب في الوقت الراهن وقف تيار الهجرة دون تأمين الآلية اللازمة لوقفها، فإن الضرورة تقتضي أن تكثف الجهود لطرح هذا الموضوع بشكل مباشر دون تردد أو توجس، ودعوة المثقفين العرب والفعاليات السياسية العربية لمواجهة هذه الظاهرة، والتأكيد المستمر على مخاطرها، وشن حملة ضدها عن طريق المؤتمرات والندوات، وجلسات الحوار. كما أن الضرورة تقتضي مساعدة المهاجرين لبقائهم على الارتباط بوطنهم، حيث تعاني مختلف انتماءاتهم ظروفا صعبة، وأنواع مختلفة من الاضطهاد. فهم يعانون من صعوبة الاندماج في المجتمعات الجديدة، ومن السلطات العربية الحاكمة التي لا زالت تعاملهم بنفس الطريقة التي تعامل بها المواطنين في الداخل، وبذلك فهي تعمل على قطع صلتهم بأوطانهم، وتمنع عنهم زيارتها أحيانا، إما مباشرة أو بإخضاعهم لإجراءات التحقيق، والأمن، وتبديل العملة، والتحويلات المالية والتجنيد. وليس هذا وحسب فبدلا من السعي لجمعهم في مؤسسات تؤسس لتضامنهم، تسعى لبث التفرقة وبذور الشك بينهم، واستخدام بعضهم ضد البعض الآخر، فانعدمت النوادي والجمعيات، والمؤسسات التي تجمعهم كما كانت في بداية الهجرات الأولى، وتدل جميع المعلومات أن عدد النوادي والصحف، والمؤسسات التي أسسها المهاجرون الأوائل على قلتهم، تعادل أضعاف ما هو موجود حاليا.
لذلك فإن الضرورة تقتضي العمل بكل الجهود لبقاء هؤلاء المهاجرين على صلة بوطنهم، وفسح المجال لطريق العودة لهم أو لأبنائهم، والضغط على الحكومات لوضع القوانين التي تتيح لهم هذا التواصل دون عقبات أو إزعاج، حتى لا يصبحوا عرضة للابتزاز والاستغلال من قبل الخارج. وعلينا أيضا أن نعمل لتفعيل حوار جاد بين فئاتهم المختلفة، وتأسيس النوادي والمؤسسات والصحف، وتبادل الزيارات بتنظيم رحلات للشباب بمختلف الأعمار منهم وإليهم من أجل هذا التواصل. إنها مهمة صعبة علينا أن نعمل لها بكل ما نستطيع