تقدم الشعور القطري على حساب القومي

ان تتحول ساحة كرة القدم وما يحيط بها الى ساحة قتال، حدث مدان ومؤسف، وخاصة ما بين دولتين كانت تربطهما علاقات ودية. ما حدث وردة فعل كلا البلدين كان ايضا مؤسفا ايضا، والملام الاكبر هو حكومة الجزائر لعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع تكرار ما حدث في بداية الازمة.

هذا الحدث يثبت نظرية جورج طرابيشي، حول الرياضة ودورها في تأجيج الشعور القطري(راجع كتابه الماركسية والقومية)، كذلك نظريته حول تراجع الدولة القومية على حساب الدولة القطرية ( راجع كتابه النظرية القومية والدولة القطري

لوعدنا الى خمسينات القرن الماضي وتاريخ العلاقات المصرية الجزائرية وقارناها مع العلاقات الحالية، نرى بأن الشعور القومي، في الخمسينات كان هو الغالب والمسيطر على تلك العلاقات، اما اليوم فأن الشعور القطري الضيق هو الغالب.

في الحمسينات مدت الحكومة المصرية،بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يد العون لثورة الجزائر الاستقلالية، بقيادة المناضل احمد بن بلا، سواء بالسلاح او المال او الدعم السياسي. هذا الدعم انتج موقفا متشنجا من فرنسا من مصر تجسد بمشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. هذه المساعدات ادت الى انتصار الثورة الجزائرية واستقلال الجزائرز

بداية سقوط قيادات دول عدم الانحياز كان في الجزائر، حيث اسقط الجيش بقيادة الهواري بو مدين حكومة الثورة الاولى بقيادة احمد بن بيلا عام 1965، وكان السبب هو الخلاف ما بين بن بيلا وبومدين حول دورعبد العزيز بوتفليقة(وزيرالخارجية انذاك، والرئيس الحالي للجزائر) في سياسة الحكومة الجزائرية، ففي الوقت الذي اصر الرئيس بن بيلا للاقالة هذا البوتفليقة، بسبب سياسته الخارجية المتشنجة قطريا، واصرار بومدين على ابقاءه وزيرا للخارجية وكان هذا الخلاف هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فاسقط بن بيلا وثبت النظام العسكري في الجزائر.

بعد هذا كرت السبحة، قاسقط نظام احمد سوكارنو في اندنونسيا، كوامي نيكروما في غانا  ومحاولة اسقاط عبد الناصر  في مصر وغيرها من الانظمة ذات البعد القومي والدولي.

على المستوى العربي، فقد تراجع الشعور القومي تراجعا كبيرا، حيث تحول هذا الشعور الى شعور اضيق، شعورا قطريا مبنيا على اهمية نظرية الدولة القطرية على حساب الدولة القطرية، وهو ما ساعد كثيرا على انتشار الخلافات العربية العربية. لو القينا نظرة على هذه العلاقات للحظنا بأن هناك اكثر من خلاف بين هذه الدولة او تلك، فالجميع على خلاف مع الجميع. سيطرة القطرية على القومية ادى الى ضعف الدور القومي للدولة العتلة، مصر العربية وتراجع دورها الاساسي في العلاقات العربية. هذا الضعف ادى الى بروز دور الدول الخليجية، التي قامت بالاصل غلى اسس قطرية زليس قومية. فسياسة هذه الدول مرتبطة بنظام العولمة اكثر من ارتباطها بالنظام القومي العربي.

فالنظام السياسي العربي، عوضا ان يأخذ الدروس من الدول المتقدمة، التي اسقطت كل الحواجز في ما بينها لتبني مجموعات اقتصادية وسياسية واسعة، مثل دول الاتحاد الاوروبي، يزداد تمزقا وقزامة. هذا التمزق ينتج بالطبع عن ضعف متناهي يسهل من خلاله تمرير كل المخططات المعادية للدولة القومية الكبرى. من هنا نرى بأن المشاكل والقضايا العربية تزداد. فبعد استقلال معظم الدول في نهاية اربعينات وبداية خمسينات القرن الماضي كنا بقضية واحدة هي القضية الفلسطينية، التي اضعفتها الانظمة القطرية والخلافات الفلسطينية- الفلسطينية، والآن لدينا القضية اللبنانية والقضية الغراقية والقضية الصحراوية والقضية السودانية، واليوم تبرز القضية اليمنية وغيرها الكثير من القضايا الموجودة او التي يمكن ان تتواجد.

ان استمرارية النظام العربي ولاعقلانية سياسته، ادى ويؤدي الى المزيد من تراجع الشعور القومي ليتقدم عليه الشعور القطري الضيق الذي اوصلنا الى ان تتردا العلاقات ما بين دولةين عظيمتين مثل مصر والجزائر بسبب مبارة لكرة القدم. انه الانحطاط والدرك بأم عينه.