لم يكن يعرف المواطن السوري المؤمن بالديموقراطية حتى النخاع، بأن صباح الثامن من أذار 1963 سيكون اسوأ يوم في تاريخ سورية الحديث، وسيوصلنا الى هذه الايام البشعة حيث اعلن النظام جهاده ضد الشعب السوري المنتفض لحريته وكرامته، وذلك عن طريق المفتي حسون. ففي صبيحة يوم الثامن من أذار هذا اذيع البلاغ رقم واحد ليعلن قيام حركة 8 أذار، وذلك بتحالف مع القوى العسكرية البعثية والناصرية منها، لينفرد البعث بعدها بالسلطة، بعد ان أقصى القوى الناصرية عنها في 18 من تموز 1963.
هنا لا بد من شهادة ثبتها الكثير من المؤرخين، بأن الدكتور جمال الدين الاتاسي، وهو عضو قيادة قومية انذاك قد قدم استقالته احتجاجا على هذا الانفراد حيث تمسك بمبدأ الجبهة الوطنية للقوى الوطنية والذي لم يحترمه البعث.
نصف قرن من الزمن والبعث يحكم بالحديد والنار، وكانت اولى جرائمه تحويله الجيش السوري الى جيش عقائدي، مخططا بذلك لتحويل هذا الجيش من جيش للوطن الى جيش للبعث، حيث سيطرت القيادة العسكرية البعثية، والتي كان معظمها من ضباط الاقليات على مقاليد السلطة السياسية، ليقوموا بتصفية المجموعة للآخرى وصولا الى حركة حافظ الاسد المسماة زورا وبهتانا بالحركة ” التصحيحية”.
سيلعن التاريح لهذا الحزب “رسالته ألخالدة”، التي جرت على ” الامة العربية الواحدة” المأسي والويلات.
من أولى مآسي البعث، كان الغاء الحياة السياسية السورية حيث تم اعلان حالة الطوارئ، التي تقيد الحريات العامة، وصادرت بذلك حرية الصحافة وتكوين الاحزاب وحرية المعتقد والانتماء السياسي وتشكيل النقابات. دام اعلان حالة الطوارئ هذه نصف قرن، لآنه حسب النظام لا زالت ضرورتها قائمة.
ثاني هذه المصائب كانت خيانة النظام البعثي، بكل تشكيلاته لارض الوطن حيث سلموا الجولان في حرب هزيمة حزيران1967، حيث رفعوا شعار “لقد خسرنا جزأ من الارض ولكن لم نخسر النظام،” مقدمين بذلك مصلحة النظام والبعث على ارض الوطن، يومها كان بطل التسليم ومصدر القرارات الانهزامية وزير الدفاع انذاك حافظ الاسد، والذي أعلن عن سقوط القنيطرة والانسحاب الكيفي، والعدو الاسرائيلي لا زال في السهول المحيطة بالهضبة. ليعاود التمثيل على الناس بعد ستة سنوات، بكذبة أخرى هي تحرير القنيطرة، مدخلا سورية باتفاق فصل القوات الذي ثبت منطقة عازلة ما بين سورية وهضبة الجولان مثبتا بذلك احتلال اسرائيل للهضبة حيث لم تطلق ولمدة اكثر من اربعين عاما، حتى ولو بالغلط طلقة رصاص واحدة.
دمر البعث القضاء السوري، حيث لم يقم بأي اصلاح قانوني، واستقلالية السلطة القضائية لم تعد موجودة، حيث أرتبط تعيين القضاة بالموافقات الامنية، وهذا ما يفقد القاضي استقلاليته لانه آجلا ام عاجلا يطلب الجهاز الامني الذي وافق عليه خدمات مقابل هذه الموافقات.
تحطيمه التعليم من التعليم الابتدائي الى التعليم العالي، وذلك من خلال عسكرته، بانيا التعليم على الطريقة المتأخرة لكوريا الشمالية، حيث الطفل يلبس اللباس العسكري وهو رضيعا ولا يتركه الا بعد الموت. اما المعلمين فلم يعودوا ذوي رسالة تعليمية تبني اجيالا، بل تحولوا لرسل البعث يطيعون الاجهزة الامنية بامتياز. ام التعليم العالي، فحدث ولا حرج، فلن يذهب الى بعثة دراسية على حساب التعليم العالي الا كل مخبر وضيع، من هنا أصبح التعليم العالي تعليم محو امية لا أكثر ولا أقل، والاستاذ الجامعي ممكن ان يعين من قبل رئيس جهاز امني بجملة بسيطة ” يعيين فلان اللفلاني للتدريس نظرا لضرورات الامن .”
اما الاقتصاد فهو غير مرتبط باقتصاد السوق، بل هو في الحقيقة مرتبط باقتصاد المافيات حيث ادخلوا في بدايات حكم البعث اقتصاد الدولة، حيث فشلت كل سياساتهم التأميمية، ليأتي نظام الاسد ويجير الاقتصاد السوري للعصابات المأفوية للعائلة الاسدية وتوابعها حيث ملك الاقتصاد لآل مخلوف ومن لف لفهوم، وهو ما قاد الى دولة فاسدة، دولة “حارة كل من الو ايدو”، حيث الجميع يريد ان ” يسترزق ” عن طريق الرشوة والسرقة والنهب.
لن نتحدث عن احتلال لبنان، ولا تدمير المقاومة الفلسطينية واللعب بمنظماتها، بل سنختم بالدمار الذي تشهده اليوم سورية حيث دمروا معظم المدن السورية، مهددين بحرب طائفية عملوا على اذكاء نارها لاكثر من ربع قرن، مستعينين ضد الشعب السوري بالشيطان الاكبر ايران وصنيعته حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصرالله. ثم يأتيتنا اليوم الحسون ليعلن الجهاد ضد الشعب السوري، فهل هناك من مأساة اكبر في تاريخ هذا الحزب. انهم يدمرون سورية على رؤوس اهلها ويشردون الشعب باسم البعث وعلمانية البعث.