المتصفح للمواقع او الصفحات المؤيدة للنظام السوري المتهاوي، والمحطات التلفزيزنية والفضائية المؤيدة والتي فرخت مع انطلاق ثورات الربيع العربي، يشعر بالأسى وهو يرى كيف هناك جيل باكمله، لم يعش تلك الحقبة لا زال مخدوعا باكذوبة التحرير التي اطلقها كل من أنور السادات وحافظ أسد. فما حدث في السادس من اكتوبر 1973 كان على المستوى العسكري نصرا جزئيا، حيث دمر الجيش المصري خط بارليف وسيطر الجيش السوري على مواقع هامة في جبل الشيخ لبضعة ايام فقط. افقد التحرك السياسي هذا النصر قيمته ، حيث اعتبرها انور السادات حرب تحريك لا حرب تحرير، وحافظ الاسد تراجع الى حدود ما بعد بعد هزيمة حزيران، ليحول هزيمته الى تحرير كاذب لمدينة القنيطرة.
منذ ان حكم البعث وهو يخدع الجماهير سواء في العراق او في سورية، وقد استطاع حكام دمشق عام 1967 جر عبد الناصر الى حرب لم يكن قد حسبت قيادته العسكرية حسابا لها، وذلك عن طريق الابتزاز القومجي ونتيجة هذا الابتزاز كانت هزيمة حزيران حيث خسرت سورية هضبة الجولان بطريقة مأسوية، حيث اعلن وزير دفاعها أنذاك حافظ الاسد سقوط القنيطرة، بالتالي الهضبة، والجيش الاسرائيلي لا زال قرب بحيرة طبرية، واعطى الأوامر بالانسحاب الكيفي، وعسكريا يعتبر هذا الانسحاب هزيمة للجيش الوطني.
سوريا أحدى أهم نتاج الهزيمة كانت بروز حافظ الاسد، وعوضا ان يستقيل ويحاكم لتقصيره في المعركة، أخذ يحكم سيطرته على مقاليد السلطة ليصل في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 الى السيطرة الكاملة على مقاليد السلطة، حيث أخذ البعث وسورية وطنا وشعبا رهينة.
منذ ذاك التاريخ كان كلا النظامين المصري والسوري يخطط الى حرب تحرك ركود الجبهات العسكرية، لتبرر لجماهير المنطقة هزيمتها الحزيرانية، فكانت حرب تشرين “التحريرية ” التي كانت نوعا جديدا من الهزيمة حيث حصلت اسرائيلي على اتفاقية فصل القوات مع كل من نظامي انور السادات في مصر وحافظ الاسد في سورية.
كان انور السادات صريحا، فدخوله الحرب كان للتحريك وليس للتحرير، اما حافظ الاسد فقد اراد ان يحول هذه الهزيمة الى نصر كاذب رافعا العلم السوري في القنيطرة، ولكن الشعب السوري، الذي كان ابناؤه الشهداء وقودا لهذه الاكذوبة التحريرية. ولن ينسى من عايش تلك اللحظات اريل شارون، سفاح صبرا وشاتيلا، وهو يضع رجله على لوحة تقول من الجهة الجنوبية دمشق 60 كيلومترا، وعلى الجهة الشمالية سعسع، أي ان الجيش الاسرائيلي قد وصل الى ابعد من خط وقف اطلاق النار عام 1967 ، وكان قادرا الوصول الى دمشق وبسهولة لاسقاط النظام، ولمنه لم يفعل لغاية في نفس يعقوب.
حصلت اسرائيل على اتفاقية فصل القوات لتصمت جبهتها الى يومنا هذا، حيث لم تطلق ولا طلقة رصاص واحدة منذ ذلك التاريخ على الجبهة السورية. اراحت هذه الاتفاقية اسرائيل من الجبهة السورية، ولم تعد تحسب لتلك الجبهة اي حساب، وقد جاءت احداث مجدل شمس العام الماضي، بأن اسرائيل لم يكن بينها وبين الجبهة السورية الا شريطا حديديا سهل للمخدوعين من النظام السوري خرقه، وهو الشريط الذي لم تخترقه القوات السورية طيلة ما يقارب الاربعين عاما من الزمن.
استمر حافظ الاسد في خداع الناس وكان السجن والاعدامات هي مصير كل من يشكك في نصره المزعوم، واستمر في بناء جيشه موهما الشعب السوري بأنه يبني هذا الجيش لتحرير هضبة الجولان، ولكن في الحقيقة كان يعده لمحاربة الشعب اللبناني، حيث احتل هذا الجيش ” التحريري” لبنان لمدة ما يقارب الثلاثين عاما. وقد ساهم هذا الجيش في حرب الخليج الثالثة لتحرير الكويت حيث قاتلت الوية منه تحت الراية الامريكية ضد جيش العراق وهو الجيش العقائدي البعثي الآخر الذي لو صدقنا كذبة البعث كان يجب ان يكون في خندق العراق لا في الخندق الامريكي.
لا زال النظام الموروث يحتفل بحرب تشرين سنويا ليستمر في خداع الشعب السوري بكل اطيافه، والذي غسل دماغه عبر البروباغندا البعثية التي بثت في عقول الناس الاكاذيب عن بطولات هذا النظام، ورغم سقوط هذا الوهم بعد تحويل هذا الجيش، من جيش وطني يدافع عن حدود الوطن الى جيش يقتل الشعب السوري من شمالها الى جنوبها ومن غربها الى شرقها، فلا زال الكثيرون موهومون بهذا النصر الكاذب التي تهلهل له الفضائيات من السورية الى الميادين مرورا بالمنار والدنيا. هنا لا بد من التنويه بأن اتفاقيات فصل القوات تنص بأن عودة القنيطرة كان ضمن شروط، فمن الممنوع اعادة بنائها وبالتالي ممنوع عودة سكانها الى بيوتهم، حتى انه ممنوع ان يدخلها اي قوى مسلحة حتى ولو كانا من الامن الداخلي اي الشرطة.
ما حدث في اكتوبر كانت بطولة من الضباط والجنود الذين سقطوا شهداء في ذلك اليوم، وكان اكذوبة ” تحريرية ” للنظام الديكتاتوري المتحكم بالشعب السوري الذي اثبت للعالم كله صموده وبطولاته.