يحتفل المسيحيون هذا الاسبوع بالجمعة العظمية، وهي ذكرى فداء السيد المسيح لبني البشر، ومعها يحتفل كل الشعب السوري بجلجلته الرابعة، التي تمر عليه منذ أنطلاق ثورته التحررية، ففي مثل هذا اليوم منذ اربع سنوات أُطلق على أحد الجمع الثورية “الجمعة العظيمة”، يومها كان الجميع تواق الى انتصار الثورة عبر تحركها السلمي، والذي بقي سلمياً لاكثر من سبعة أشهر، ولكن اختيارا النظام للحل الأمني أدى بشكل مباشر الى اعتماد القوى الثورية للثورة المسلحة.
ما بين الجمعة العظيمة الثالثة والرابعة شهدت الساحة السياسية والثورية منها تبدلاً في طبيعة حركة الثورة، حيث تراجع نسبياً دور الجيش الحر لصالح قوى متطرفة، فالنظام الذي فقد قوته الفعلية اضطر للاستنجاد بالقوى الشيوعية المتطرفة، من حزب الله حتى الحرس الثوري الإيراني، مروراً بالعراقيين المتطرفين، والذين كانوا اسوأ المقاتلين حيث تجلت طائفيتهم بطريقة قذرة بارتكابهم المجازر في أكثر من بلدة ومدينة معلنين وهم يذبحون الاطفال صارخين بصوت عالٍ “لبيك يا حسين” و”لن تسبى زيبنب مرتين” وهو ما يدل على الحقد الذي توارثه لاكثر من 1400 عاماً.
بالمقابل كان التطرف السنوي، حيث شهدت الساحة السورية تواجد منظمات اسلاموية سنوية، كداعش وجبهة النصرة ولقد كانت داعش هي الأكثر تطرفاً، حيث انسحب امامها النظام بطريقة مشبوهة كأنه يريدها ان تكون هي المسيطرة على ساحة الثورة ومن خلال تطرفها سوف تخييف كل مكونات الشعب السوري الذي يرفض التطرف بشكل قطعي.
ما بين التطرف الشيوعية والتطرف السنوي، شهد المكون المسيحي أحداث حاول النظام استغلالها، ومنها ما كان مؤلماً كخطف مطراني حلب مار غريغوريس يوحنا ابراهيم والمطران بولس اليازجي، وهذا هو العام الأولى والذكرى الثانية لجمعة الآلام، وهم بالأسر عبر عملية اختطاف مشبوهة، لا يعرف نتيجتها ولا مكان وجودهما حتى الآن.
بعدها كان انتقال الرقة من الاحتلال الاسدي الى الاحتلال الداعشي، ولقد شهدت هذه المدينة الرائعة، مدينة ومصيف ابن الرشيد بعض التصرفات الداعشية ، كإنزال الصليب من على سطح كنيسة الرقة وصولاً الى خطفها الكاهن اليسوعي الاب باولو داليلو، الذي ذهب اليها للحوار فاختفى بطرقة مشبوهة ايضاً. وكانت حوادث معلولا الاولى والثانية والتي تم على أثرها اختطاف الراهبات الخ من الحوادث.
هل هذه الحوادث، البسيطة مقارنة مع ما يتحمله القوم الاكثري منذ أكثر من ثلاث سنوات، مدعاة ان يصيب الهلع المسيحيين على مصيرهم في سورية، وصولا الى هستيرية الهروب الى الهجرة؟ بالطبع لا، فالمواطنون المسيحيون ليسوا بمستهدفين ولكن النظام المستنجد بتطرف داعش وحالش يسعى الى استغلال الحوادث المتطرفة ضد المواطنين المسيحيين، ليخيفهم وليظهر للغرب بأن وجوده وحده هو من يحمي الأقليات ومنهم المسيحيون.
المسيحي الخائف ليس بمسيحي، وعلى هؤلاء الخائفين ان يستوحوا من ذكرى أسبوع الآلام دروساً في الشجاعة وتحمل الألم، فالسيد المسيح في موته على الصليب تغلب على الخوف، وبقي واعظاً حتى اللحظة الأخيرة. فلقد واجه السيد المسيح السلطة السياسية المتمثلة بالمستعمر الروماني لسورية ومن يتعاون معه، وكذلك السلطة الدينية المتمثلة بحاخامات اليهود. لم يتخاذل السيد المسيح امام جبروت هاتين السلطتين، وليعلن بموته تحرر الانسان من الخوف، وهذا التحرر كان بداية المسيحية، فالتلاميذ الذين جابوا العالم للتبشير بالمسيحية لم يخافوا بل كانوا يزدادون صلابة وقوة كلما كان يسقط منهم الشهداء، وصولا الى هزم روما واضطرار الإمبراطور قسطنطين بالاعتراف بالمسيحية كالديانة الوحيدة في الدولة الرومانية.
المسيحي السوري يجب ان لا يخاف من عسف النظام، بل على العكس من واجبه الوقوف في وجه القوى الباغية المتمثلة بقوى النظام الديكتاتوري وحلفائه من داعش وحالش وكل قوى التطرف.
هذأ الأسبوع بالذات يجب ان يكون للمسيحي السوري أسبوعا لمراجعة ومحاسبة نفسه وله في شهادة الاب اليسوعي فرانس اكبر مثال على عظمة المسيحية وقوة الشهادة فيها.
عظمة المسيحية هي بما امرنا به السيد المسيح عندما أمرنا بالوقوف مع الحق ضد الباطل، عندما أكد على الحق في كل عظاته، حيث كان يباشر عظاته بـ ” الحق الحق أقول لكم” اي الوقوف مع حرية الانسان والتغلب على الخوف.