استقالة المشير عبد الفتاح السيسي كان مقدمة لترشحه للانتخابات الرئاسية المصرية، وهي انتخابات التي تجري بموجب قانون انتخاب ناقص بموجب دستور جديد منقوص، فـقانـون الانتخاب الجديد يبعـد القضاء عن العملية الانتخابية اشرافاً او اعـتراضاً، مما يضع العملية الانتخابية في مهب الريح وتحت اشراف لجنة انتخابية على الغالب تكون غير موثوقة وخاضعة لضغوطات العسكر.
مهد الى انتخاب عسكري رئيساً للجمهورية في مصر، سلسلة قرارات منها القرار الذي ينظم التظاهر، الذي هو في الحقيقة يقمع حرية المواطنين بالتظاهر، وهذا الحق هو من أهم حقوق المواطنة التي تحميه شرعة حقوق الانسان، فهو يضع قيوداً تجعل مصير المتظاهر حتما السجن. ولقد جاءت قرارات الاعدام الجماعية لـ 529 شخصاً من حركة الإخوان المسلمين، وبطريقة غير قانونية وغير شرعية، كمؤشر ل تَغيب حق المواطن بالمحاكمة العادلة، مما يعني تَغيب للديموقراطية والمبادئ الديموقراطية ولألف باء حقوق الانسان. ولقد شكل هذا القانون إرهاباً جديداً للشعب المصري، أعاد الى الاذهان سلطة أمن الدولة والمباحث العامة.
ما يحدث اليوم في مصر هو ثورة مضادة لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي اسقطت حكم حسني مبارك الذي كان رمزاً من رموز التسلط والفساد والديكتاتورية، ومن المؤسف ان تقف بعض الحركات ” الثورية ” التي عَـول عليها الشعب المصري في ترسيخ الديموقراطية، والتي اجهضها العسكر باسقاط الرئيس الأخواني محمود مرسي، الذي انتخب ولاول مرة من قبل الشعب المصري.
إقالة مرسي كان لا بد منها، فلقد ارتكب هذا الرئيس خلال فترة حكمه القصيرة جداً، والتي بالكاد تعدت السنة، أخطاء فادحة أدت بطريقة غير مباشرة الى عودة العسكر عبر انتخاب عبد الفتاح السيسي الذي ليس أفضل من مرسي حيث سينفرد وزير الدفاع هذا بالسلطة، ليعيدنا الى ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، أي الى حكم شبيه بحكم حسني مبارك ونظامه الفاسد.
إنفراد الأخوان المسلمون بالسلطة، ومحاولتهم أخونة المؤسسات الدستورية، أدى الى سقوطهم، وبشكل مأسوي. كان على الرئيس مرسي ان يشكل حكومة وحدة وطنية، وليس حكومة إخوانية، لانه من الطبيعي جداً بعد تصحر أكثر من نصف قرن من حكم العسكر اللاديموقراطي، ان تتشكل حكومة يشارك فيها كل القوى التي ساهمت في إسقاط العسكر من أجل إعادة بناء الديموقراطية على أسس وطنية وليس حزبية ضيقة.
ما حدث في مصر هو كثير الشبه لما حدث في الجزائر في القرن المنصرم، حيث قام العسكر بانقلاب في الـ 11 من يناير 1992 حيث قرر الجيش الجزائري الغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في الجزائر في 26 ديسمبر 1991 حيث وصلت فازت الجبهة الإسلامية للانقاذ بالاغلبية البرلمانية من الدورة الاولى، فأجبر الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة، والغاء الجولة الثانية من الانتخابات، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا أطبق العسكر الجزائري على زمام الحكم ليغرقوا الجزائر في حمام من الدم.
كرر الجيش المصري التجربة الجزائرية ولكن بطريقة شعبوية، حيث دعم ثورة الشعب المصري في ثورته المليونية العامرة في الـ 30 من حزيران 2013، ليخلع مرسي ويضع رئيساً مؤقتاً، ولكن لم يطل الوقت حيث أخذ العسكر، عن طريق وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي، التعجيل باقرار الدستور والقانون الانتخابي و تحديد موعد الانتخابات الرئيسية، ليلعب السيسي الدور الرئيسي بالتصرف لما يوحي بأنه المرشح الرئيسي للرئاسة المصرية، حيث أخذ يحصل على التأييد الشعبي، الذي اسقط نظام الاسلاميين.
اصبحت نتيجة الانتخابات المصرية محتومة لصالح عبد الفتاح السيسي، لان لا مرشح جدي مقابله الا حمدين صباحي، الذي لن يستطيع ان يهزم عبد الفتاح السيسي، فالعسكر الذي خرج من الباب باقالة حسني مبارك، سيعود من الشباك عن طريق انتخاب السيسي، لتعود نسبة 99،99% ثانية عبر ثورة مضادة، ومن يدري متى يثور الشعب المصري ثانية يوم يكتشف انخداعه ثانية بحكم العسكر، وبأن ثورتها كانت ثورة مضادة وليست ثورة شعبية كما اعتقدوا.