على هامش انتصار الحزب الديموقراطي وفوز دانيال اورتيغا في نيكارغوا
ثلاثاء النصر الديموقراطي
كان يوم الثلاثاء في السابع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، ثلاثاء اسود بالنسبة للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية، ولإدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، ففي هذا اليوم مني الحزب الجمهوري بهزيمة كبرى في الانتخابات النصفية حيث سقط العديد من رموزه في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي. في ذات اليوم أعلن فوز الرئيس دانيال اورتيغا في نيغارغوا وهو من أهم أعداء الحزب الجمهوري سابقا وحاليا وبالطبع لاحقا.
تلي هذين النصرين نصر ثالث للقوى الديموقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وفي العالم عامة ألا وهو سقوط اكبر رموز الإدارة الأمريكية ألا وهو وزير الدفاع الأمريكي رونالد رامسفيلد الذي استمر في منصبه أكثر من ست سنوات، رغم ضرورة إسقاطه منذ فشله وكذبه في إدارة اكبر وزارة للدفاع في العالم. استمرارية هذا الفاشل جاءت نتيجة دعم الرئيس الأمريكي ونائبه ديك تشيني، التي تشير كل الدلائل بأنه قد يلحق به، إضافة بالطبع لدعم المحافظين الجدد والمسيطرين على الإدارة الأمريكية الحالية له.
هذه الانتصارات الثلاثة جاءت في يوم واحد، الذي يستحق عن حق تسميته بثلاثاء النصر الديموقراطي، فالانتصار الأول جاء نتيجة الأخطاء المتراكمة للإدارة الحالية، حيث قدم الناخب الأمريكي فاتورة حساب لفشلها بان أقصاها من قيادة الكونغرس الأمريكي بشقيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، حيث عاد التوازن ما بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، مبعدين بذلك شبح السقوط في هاوية الحزب الواحد المسيطر على السلطات الثلاث هذه.
هذا الإقصاء وعودة سيطرة الحزب الديموقراطي هو تغيير كبير في الساحة السياسية الأمريكية، حيث الأجندة السياسية للحزب الديموقراطي هي الأجندة الأكثر قبولا للجالية العربية الأمريكية. وبعيدا عن الطروحات المغالية في هذا الانتصار للحزب الديموقراطي وهذه الهزيمة للحزب الجمهوري، فعلينا أن نكون واقعيين وان لا ننتظر العجائب من هذا الانتصار وخاصة في مجال السياسة الخارجية التي لها ثوابتها، وما يتأثر هو المتغيرات التي قد تخضع لسياسة هذا الحزب أو ذاك.
الانتصار الثاني جاء بعودة الرئيس النيكاراغوي السابق دانيال اورتيغا إلى سدة الرئاسة، وعن طريق صندوق الاقتراع الذي أعاده إلى السلطة التي دفعت الإدارات الأمريكية الكثير من المال والنفوذ والعتاد لإسقاطه، ولكن فساد السلطة البديلة وإقرار الكنيسة الكاثوليكية النيغاراكوية بأفضلية تحالفها مع الرئيس دانيال اورتيغا وإعادته إلى السلطة السياسية.
فالرئيس دانيال اورتيغا هو زعيم الجبهة الساندنيسة المتحدة والتي أسقطت الطاغية سوموزا بعد حرب أدغال طويلة لتوصل الجبهة ذات السياسة الماركسية إلى سدة الحكم، مما اعتبرته الإدارة الجمهورية آنذاك، وهي إدارة الرئيس ريغان هزيمة لها بسبب تحالف سوموزا معها، يومها أطلقت حركة سياسية مناهضة للرئيس اورتيغا هي حركة الكونترا والتي تسببت لهذه الإدارة بفضيحة كبيرة حيث كشف عن بيع أسلحة إلى إيران ” العدو المعلن ” للولايات المتحدة عبر إسرائيل. هنا لابد من تذكير أنصار إيران في الوطن العربي أن لا يصدقوا أكذوبة عداوة إيران للدولة العبرية، فعندما اقتضت مصلحتها نراها مدت اليد لها ولم تلتفت أبدا إلى كل الترهات الإيديولوجية والمعادية للدولة العبرية.
انتصار دانيال اورتيغا هو نموذج للقائد السياسي الذي يحترم إرادة الشعب ولا يحاول أبدا مصادرتها، فهو القائد الذي عندما شعر بان الشعب اخذ يعاني من الحرب بينه وبين معارضيه دخل بمفاوضات معهم أوصلت إلى قرار تحكيم الشعب بين الحكومة الساندنسية وبين المعارضة، وعندما قال الشعب كلمته وأوصل المعارضين إلى السلطة احترم الرئيس اورتيغا هذه الإرادة الشعبية وتحول إلى زعيم معارض، وبالمناسبة كان يستطيع أن يصادر هذه الإرادة ولكن خضع لها لأنها حكم الشعب على إدارته. إن الشعب الذي أزاله من السلطة هو الذي أعاده الثلاثاء الماضي إليها بعد أن فشل المعرضون تحقيق أماني وطموحات الشعب النيكارغوي. وهو درس لديكتاتوري بلادنا العربية بان مصدر قوة الشعب هو بتداول السلطة السياسية وليس حكم الحزب الواحد الذي يصادر الإرادة الشعبية وينزل الدمار بالبلد نتيجة ديكتاتورية الحزب الواحد.
أما هزيمة رامسفيلد واضطراره إلى الاستقالة فإنها جاءت نتيجة غطرسته في إدارة البانتغون وكشف زيف ادعاءاته الانتصارية في كل من أفغانستان والعراق والعديد من المناطق الأخرى، فرامسفيلد لم يكن وزير دفاع عاديا بل سيذكره التاريخ بأنه الوزير الأمريكي الذي أدار البانتغون بشكل مستقل عن البيت الأبيض ليشكل له دولة وزارة الدفاع ضمن الدولة الأمريكية ليتصرف فيها بشكل ديكتاتوري. اليوم وبعد الانتصار الديموقراطي وعودة التوازن إلى السلطات عاد إلى حجمه الطبيعي وعلم بأنه سيحاسب فانسحب من الحياة السياسية الأمريكية.
يوم ثلاثاء النصر الديموقراطي لا يعني بان حركة الجالية العربية الأمريكية يجب أن تتوقف عند هذا النصر بل علينا أن نستمر في الاهتمام بالشأن الديموقراطي الداخلي، ولقد كان تجاوب أعضاء الجالية العربية الأمريكية مع طروحاتنا للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي، ودعوتنا ليكون لنا دور في التغيير كبيرا رغم اعتراضات البعض على هذه الطروحات والتي بالمناسبة هو حقهم الطبيعي أن يكون لهم رأيهم المخالف لنا ولكن المهم أن يكون لهم رأي وليس هز رؤوسهم بالموافقة بلا نقاش.