لن نكون متشائمين ابدا اذا قلنا بأن المنطقة العربية في حالة انهيار كامل، بل سنكون واقعيين وواقعيين جدا. فالمنطقة العربية من “محيطها الهادر” اي من جزائر ثورة المليون شهيد، التي اصبحت مستهدفة من الاصولية السياسية السنوية وتطرفها،الى “خليجها الثائر” اي الى منطقة خليج البترودولار، المستهدفة والمهددة من قبل النظام الفارسي في طهران، والمسيطر عليه من قبل الاصولية السياسية الشيعوية
الانظمة العربية، وبلا اي استثناء، هي انظمة مأزومة، فكلها تعاني ازمات سياسية قد تصغر او تكبر حسب كبر او صغر الدولة المعنية بالازمة، او القوى الاقليمية او الدولية المتربصة بها
الصراع في المنطقة اليوم هو ما بين الطرف الاقليمي اي النظام الايراني، ذي الطموح لاعادة تكوين الامبرطورية الفارسية، وان كان تحت شعار ” الدولة الاسلامية” ومحاولته تشييع هذه الدولة، والطرف الدولي المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية، التي تحاول ان تطبق على المنطقة من خلال مفهوم مشوه للديموقراطية، ول”شرق اوسط كبير” تندمج فيه الدولة العبرية بالمنطقة العربية
فايران الشيعوية، ايران احمدي نجاد، التي تريد ان ترمي الدولة العبرية في البحر، تسعى على ان تكون هي القوة الاقليمية الاعظم في المنطقة، وبعدها الاستراتيجي هو تحقيق المثلث الشيعي من حدودها القصوى الى حدود فلسطين، قاضمة بذلك كل الدول الخليجية، ومشيعة العراق وسورية ولبنان وفلسطين
اما الولايات المتحدة الامريكية، فهي لا تخفي طموحاتها الامبرطورية، ليس فقط من اجل دعم الدولة العبرية واستمراريتها، بل ان تحافظ على مصالحها من خلال تمزيق المنطقة وجعل كل الانظمة العربية مرتهنة لسياستها الرامية الى تحقيق امبرطورية بترولية، من كازخستان الى المحيط الاطلسي، اي الى جزائر رجلها الامين، عبد العزيز بو تفليقة
كلا القوتين الطموحتين، الاقليمية منها والدولية تستخدم الدين والمذهبية، كقوة اساسية للسيطرة، فايران تدعم التواجد الشيعي في العراق في محاولة جعله القوة الاساسية في العراق، وتدعم شيعة الخليج، الذين بالمناسبة لا يستهان بقوتهم العددية او التنظيمية، وفي المناطق الذي لا وجود للشيعة فيها تواجد يذكر، مثل سورية والاردن ومصر وفلسطين، نلحظ محاولات هامة لتشييع الناس، وهو الخطر المذهبي الذي ان لم يلحظه البعض فهم يغفلونه على الاقل
اما الامبرطورية الامريكية، فهي تغذي الصراع المذهبي من خلال دعمها للانظمة العربية المهددة من قبل النظام الشيعوي الايراني، لذا فهي قد وقعت اتفاقيات لبيع الاسلحة الى معظم دول الخيج وخاصة تلك المهددة مباشرة من قبل الدولة الفارسية، اي دول منطقة الخليج
وقود هذا الصراع هي الشعوب المغلوب على امرها والتي يسقط منها بشكل يومي مئات الضحايا، ولو اخذنا النموذج العراقي للصراع نرى ضحايا الاقتتال المذهبي، يحصد ارواح الناس الابرياء من كلا المذهبين الاساسيين. ليس هذا فحسب، فان الاقليات الاثنية والدينية والمذهبية، لديها قلق وخوف مشروع، حيث تشعر هذه الاقليات بانها الضحية الاسهل للاقتتال المذهبي، حيث نرى بان الاقلية المسيحية بكل طوائفها تدفع منذ اندلاع هذا الصراع ثمنا غاليا، حيث يسقط بشكل يومي المئات من الشهداء الذين لا ذنب لهم الا كونهم مسيحيين
لم يبق المسيحيون وحدهم ضحايا هذا الصراع، لدفعهم الى ترك المنطقة والهجرة الى الغرب، بل تعداها الى اقلية مذهبية اخرى، هي الاقلية الايزيدية، حيث شهد شمال العراق مجزرة ضد هذه الاقلية، في مجزرة الصهاريج التي اسقطت في دفعة واحدة اكثر من 500 قتيل والعديد من الجرحى. من يدري متى يأتي دور التركمان والصابئة وغيرهم من الاقليات، في مذابح اقل ما يقال عنها بأنها لاأخلاقية ولاانسانية ومجانية. من هنا نلحظ بأن اقصى ما تستطيعه هذه الاقليات هي الهرب من خلال الهجرة الى الدول الآمنة نسبيا، وان سنح للبعض منها فهي الهجرة الى الدول الاوروبية او الامريكية
فأن كان العراق نموذجا دمويا للصراع، فنحن نلحظ بأن لبنان، الدولة الديموقراطية الشرارة الوحيدة المتبقية في المنطقة، تشهد صراعا سياسيا حادا، لا يعرف احد متى يتحول الى صراع دموي، فالانقسام السياسي الحاد ما بين اكثرية ديموقراطية، بقيادة قوى 14 اذار، وما بين اقلية لا ديموقراطية “بقيادة الحزب الالهي “حزب الله
فالاكثرية الديموقراطية تريد تثبيت الدور الديموقراطي للبنان وبناء الدولة الحديثة على صغرها، واقلية معارضة تريد فرض برنامجها السياسي من اجل الغاء هذه الديموقراطية وهذه الدولة، بمفهوم هرطوقي يدعى “الديموقراطية التوافقية” الذي هو في الحقيقة الغاء للديموقراطية وسيطرة الحزب الاوتوقراطي على مركز القرار، من خلال هذا المفهوم المبتور للديموقراطية، المستوردة والمدعومة من ايران، حيث الولي الفقيه هو من يوافق على المسيرة السياسية في لبنان
من هنا نرى كما في العراق، وباقي دول المنطقة، خوف في لبنان، لدى الاقليات من ان تكون هي وقود الصراع المذهبي الكبير، ومن هنا كان هذا الحلف ما بينها لمنع عرقنة لبنان.