تلقت جريدة العرب رسالة من السيد “أبو دريد”، ونحن لا نعرف من هو أبو دريد هذا لأنه لم يكن لديه الشجاعة والجرأة ليعلن عن نفسه كما تقتضي أصول الكتابة والرد والنقد. سياسة الجريدة تقتضي أن لا نرد على أي رسالة مغفلة الاسم والعنوان والهاتف، ولكن قررنا الرد على هذه الرسالة بشكل خاص كونها تنعتنا شخصيا “بأدعياء المعرفة”. خصني السيد أبو دريد هذا، وعذرا من القارئ أن أتعامل مع” أبو دريد ” هذا بصيغة النكرة كونه قد نكر نفسه عندما رفض ذكر اسمه الكامل مع عنوانه ورقم هاتفه، ولا ندري مما يخاف، بالجزء الأكبر من الرسالة.
صدر القارئ رسالته بما يلي: ” بعض ما ينشره في صحف المهجر، بعض أدعياء المعرفة يخدع القارئ والحقيقة معا، لذلك أردت توضيح بعض أمور وردت في جريدكم الغراء “العرب”، العدد 693 بتاريخ 27 كانون الأول 2006.” في الرسالة ثلاث فقرات، خصني السيد أبو دريد هذا باثنتين منها، وهي تقارب 90% من الرسالة. كلا الفقرتان هما رد على مقالتي ” التخوين والعمالة عداء للديموقراطية”، ففي الفقرة الأولى يعترض على تصدير مقالتي بكلمة للعلامة السيد هاني فحص، وكأنه يتهمني والسيد هاني فحص بالتطرف وبالا ديموقراطية، ولن ادخل معه في جدال حول موضوع التطرف لأنه موضوع يعبر عن وجهة نظر، حيث ما يراه السيد أبو دريد تطرفا ولا ديموقراطية نراه نحن شيئا آخر.
سيكون الرد على ” توضيحه” في الفقرة الثانية، لا لقيمة هذه الفقرة، بل لأنها فرصة لتوضيح للقارئ الكثير من الأمور المخفية في تاريخ “حزب البعث العربي الاشتراكي” وخاصة مرحلة استلام السلطة عام 1963 في كل من العراق وسورية. يرمينا السيد أبو دريد بتجهيلنا فيقول “يسرد السيد بهنان أمرا غريبا عن المؤتمر القومي السادس” الذي أدان العفلقية” الخ…ما حدث ما بين الحزبيين في العراق أمر آخر، لا علاقة له بالمؤتمر…” وسأعود ثانية إلى هذه الفقرة، ولكن بعد أن أرد على ما ورد تابعا حيث يقول أبو دريد هذا ” هل يعلم السيد بهنان أين انعقد المؤتمر القومي السادس؟ وما حدث فيه فعلا؟ ” المعلومات التي لدينا تقول ” انعقد المؤتمر القومي السادس في دمشق من 5 إلى 32 تشرين الأول (أكتوبر) 1963. وبلغ عدد المشتركين 73 عضوا، يمثلون الحزب في العالم العربي، ولكن المندوبين العراقيين والسوريين واللبنانيين هم الذين يكونون الأكثرية الساحقة بين المؤتمرين. في هذا المؤتمر الذي يعتبر بنظر البعثيين، انعطافا تاريخيا في حياة حركة البعث، وجهت انتقادات في غاية العنف لسياسة الحزب العامة وإيديولوجيته والى مجموعة كتاباته السابقة.”
مع إننا نعرف هذه المعلومات، فأردنا أن ننقل هذه الفقرة من كتاب الباحث مصطفى دندشلي، والمعنون ” مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940-1963 الجزء الأول “، كما إننا نستقي معلوماتنا عن تاريخ البعث من هذا الكتاب ومن كتاب الراحل هاني الفكيكي ” أوكار الهزيمة، تجربتي في حزب البعث العراقي” ، وكذلك إلى أدبيات ” حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري “، ولاحقا لها أدبيات هذا الحزب بعد تحوله إلى ” حزب العمال الثوري العربي “، إضافة بالطبع إلى معرفتنا الشخصية ببعض الأعضاء الفاعلين في المؤتمر القومي السادس وهم على سبيل المثال لا الحصر الرفاق الراحلين، ياسين الحافظ وحمدي عبد المجيد، وكذلك الرفيق طارق أبو الحسن وجورج طرابيشي وغيرهم من من حضروا المؤتمر.
إذا، ما تحدثنا به حول المؤتمر القومي السادس ونقاشاته وقراراته، وانعكاس هذه القرارات على الأحداث التي شهدها حزب البعث في العراق، أحداث المؤتمر القطري العراقي المنعقد في 11 تشرين الثاني(نوفمبر)1973، التي شهدت انقلاب عصابة حازم جواد والعسكريين في الحزب على القيادة القطرية المنتخبة شرعا، وكذلك أحداث 13 تشرين الثاني 1963 بقيادة فرع بغداد لحزب البعث والمساندة من قبل الحرس القومي، ليس ” أمر غريبا…” بل هي حقائق موثقة في ما أسلفنا من مصادر.
نعود إلى الفقرة السابقة التي يقول فيها أبو دريد “يسرد السيد بهنان أمرا غريبا عن المؤتمر القومي السادس” الذي أدان العفلقية” الخ…ما حدث ما بين الحزبيين في العراق أمر آخر، لا علاقة له بالمؤتمر…” وهو يكمل ” بعد عودة السيد علي صالح(وليس الصالح كما يكتبها) السعدي، من مباحثات الوحدة الثلاثية في مصر…. اختلف ورفاقه وعبد السلام عارف، فسافر عفلق مع صلاح جديد لتسوية النزاع، ولعب لعبته مع الصالح ورفاقه، من خلف ظهر عفلق، فكان الانشقاق وتغليب أخصام الصالح الذي أد رك لعبة جديد( يقصد صلاح جديد) بعد فوات الأوان.” وهو يكمل بعد أن يسرد كون علي صالح السعدي قد حدثه بما كان.
تصحيحا لمعلومات أبو دريد هذا، فان بداية الخلاف ما بين حازم جواد وعلي صالح السعدي لم يكن بالجديد، وهو من أيام النضال السري، ولكنه تفاقم أكثر بعد استلام السلطة، ليتفجر انشقاقا حادا بعد الخلاف في المؤتمر القومي السادس الذي رفض حازم جواد حضوره. عندما عاد علي صالح السعدي من القاهرة بعد الخلاف مع عبد الناصر، والتي أطلق فيها تصريحاته المعادية لعبد الناصر، خلافا لرأي القيادة القطرية، لم يحدث الانشقاق في البعث، ولكن احدث تعاطفا اكبر حدث ما بين حازم جواد، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، ورئيس الجمهورية عبد السلام عارف، بسبب قرب تواجدهم الواحد إلى جانب الآخر، والذي كان الواحد منهم يخطط لاستخدام الآخر للانفراد بالسلطة. كان هذا عقب أحداث الثامن عشر من تموز، التي شهدت فشل المحاولة الانقلابية التي أرادها الناصريون بقيادة المناضل الوحدوي جاسم علوان. لم يحضر احد من القيادة القومية إلى بغداد في ذلك الوقت، كون الخلاف لم يخرج إلى العلن والجميع كان يتحضر للمؤتمر القومي السادس.
وقد أقحم أبو دريد هذا اسم صلاح جديد، بطريقة تحريضية كأنه متآمر مع اليسار ألبعثي العراقي، مشيرا بان صلاح جديد حضر إلى بغداد اثر تصريحات علي صالح السعدي وبداية الخلاف في الحزب، فالحقيقة إن صلاح جديد حضر وميشيل عفلق وأمين الحافظ إلى بغداد بعد أحداث 13 تشرين الثاني 1963 باعتباره عضوا في القيادة القومية المنبثقة عن المؤتمر القومي السادس. وللأمانة التاريخية لم يلعب صلاح جديد في تلك المرحلة دورا تآمريا مع اليسار في حزب البعث، لأنه لم يلتقي مع قيادة هذا اليسار، كونها سفرت قصرا إلى خارج البلاد، ولكنه لعب دورا سيئا أثناء تواجده في” لجنة تنظيم القطر” التي حاولت إعادة اللحمة ما بين يسار ويمين البعث في العراق، وذلك لدق إسفين في نعش قيادة ميشيل عفلق بعد أن تم تصفية اديولوجيته في المؤتمر القومي السادس.
يشكك أبو دريد هذا كون المؤتمر القومي السادس قد أدان العفلقية كفكر وإيديولوجية، ولو كان المجال يتسع في هذه المقالة لنقلنا الفصل التاسع كاملا من كان كتاب الرفيق الراحل هاني الفكيكي والمعنون المؤتمر القومي السادس ولكن سنكتفي بنقل مقطع يشير إلى تصفية عفلق والعفلقية في المؤتمر القومي السادس. يقول الفكيكي ” وبسبب الأغلبية الساحقة التي كنا نملكها في المؤتمر أصبح اطمئنانا راسخا إلى مرور التقرير العقائدي ( والذي سيعرف لاحقا ببعض المنطلقات النظرية لحزب البعث) الذي كتبه ياسين الحافظ… وتم إقراره برغم المعارضة الشرسة التي أظهرها عفلق وبعض المحافظين والمتحالفين معه سياسيا. فقد اتهمنا عفلق بالشيوعية واعتبرنا رتلا خامسا أخفاه الحزب الشيوعي في صفوف البعث. …….وذكرني سلوكه ذاك بمواقف سابقة عشتها معه، واستعداده ( أي عفلق ) للتخلي عن اقرب الناس ولي الحقائق وتزويرها عندما تتعرض سلطته الفكرية والسياسية للخطر.”
يقول أبو دريد هذا ” ثم ما هذا التفسير المصطنع “فضلوا التعامل مع عبد السلام عارف لإقصاء الحزب عن السلطة منعا لانتشار الفكر المناهض للفكر العفلقي”. إن حدث تآمر عفلق مع المكتب العسكري ومع الزمرة العسكرية، وخاصة المقدم محمد المهداوي الذي تحدث باسم عفلق، التي اغتصبت المؤتمر القطري في 11 تشرين الثاني 1963 ليست بخافية على احد، فقد اصدر ميشيل عفلق إلى القيادات الحزبية وقيادات الحرس القومي، اطاعت أوامر المكتب العسكري برئاسة طاهر يحيى، وهو كان يعرف جيدا تأمر هذا المكتب والعسكريون فيه مع عبد السلام لقلب نظام الحكم وتسليم السلطة إلى عبد السلام عارف الذي هادنهم في البداية وأقصاهم ووضعهم في السجون لاحقا.
يتباكى أبو دريد هذا على صدام حسين فيقول: ” على فكرة لم يكن لصدام دور في الحزب هذه الإثناء حتى لا نظلمه بحشره في الرعاع، كما يقول بهنان الديموقراطي غير المتطرف”. ومتى كان للرعاع دور في حياة الأحزاب، نحن لم ندعي بان صدام كان له دور في حياة الحزب ولكننا قلنا بأنه كان مع الرعاع الذين اقتحموا المؤتمر القومي السادس، ونحن بالطبع متأكدين من هذا من خلال الدراسات التي اشرنا إليها سابقا. أما قولك بأنني ” الديموقراطي غير المتطرف” فقد أصبت يا أبا دريد من حيث لا تدري، لأنني وباعتراف الجميع ديموقراطي غير متطرف.
شيء واحد اشكر أبو دريد هذا عليه، هو انه بتهجمه هذا على ما كتبته أعطاني الفرصة لنقل بعض الصفحات المجهولة من تاريخ البعض، لأنني اعرف بأن الكثير من القراء متعطش لمثل هذه المعلومات، ونتمنى على أبو دريد هذا قبل أن يجهل الآخرين ويتهمهم بخداع القارئ والحقيقة، أن يبنى ” تجهيله لنا” على الوثائق والدراسات لا على ما سمعه من الصالح، عندما التقاه ” في مسكنهم البسيط في الاشرفية ” هذا إذا كان فعلا قد التقى علي صالح السعدي كما يدعي ولو كان اللقاء صحيحا كان على الأقل سيذكر اسم علي صالح السعدي بشكل صحيح. أما إذا أردت التثقف بتاريخ البعث، فارسل لنا اسمك الكامل وعنوانك حتى نرسل لك قائمة بالكتب والنشرات التي تثقفك في هذا التاريخ الذي جلب الويلات والهزائم ” للأمة العربية ذات الرسالة الخالدة” .