“لو” السياسية التدميرية

قيادة الحزب لم تتوقع ولو واحد بالمئة ان عملية الأسر ستؤدي الى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم…لو علمت ان عملية الأسر كانت ستقود الى هذه النتيجة لما قمنا بها لاسباب إنسانية وأخلاقية وعسكرية واجتماعية وأمنية وسياسية،

لا أنا أقبل ولا حزب الله ولا الأسرى في السجون الإسرائيلية يقبلون بذلك وحتى أهاليهم لا يقبلون. لكن هذه النتيجة لم تخطر على بال أي منا في القيادة ولو بنسبة واحد بالمئة رغم كل التجربة العريقة لجميع أعضاء القيادة”.

السيد حسن نصر الله

من آخر حديث له مع تلفزيون “نيو تيفي”

            بهذه العبارات اجاب السيد حسن نصرالله،  الامين العام لحزب الله، عندما سئل عن عملية خطف او كما يحب ان يقول اسر الجنديين الاسرائيليين، والتي تشير باعتراف السيد حسن نصرالله بانه وقيادته في الحزب لم يكونوا يتوقعون ولا حتى واحد بالمئة، بهذه النتيجة، والا  لما قاموا بهذه العملية. وفي حديثه العديد من الـ “لو” التي في القاموس السياسي قد حذفت منذ زمن طويل، ليحل مكانها التحليل السياسي الصحيح والسليم.

            بالطبع يحاول السيد حسن نصرالله ان يعتذر ممن كانوا ضحايا هذه الحرب، وهم بالطبع كل الشعب اللبناني بكافة طبقاته وطوائفه، وهو ما يقدر له كقائد سياسي خرج من “نصر”، ويقوم بهذا بعدما  كثرت الاصوات التي حاولت ان تصادر هذا “النصر” لحسابها الخاص، محاولة الاستفادة منه.

            جاء حديث السيد حسن نصرالله هذا ايضا بعد ان اخذت تتصاعد في القيادات الروحية الشيعية في لبنان من امثال السيد هاني فحص والسيد علي الامين مفتي صور وجبل عامل، اضافة الى العديد من المفكرين المنتمين الى الطائفة الشيعية، من امثال جهاد الزين ولقمان سليم ومنى فياض وغيرهم، تحاليل لهذه الحرب غير متطابقة مع موقف حزب الله، وخاصة القيادات التي عانت من هذه الحرب ولم تتركه واهله في هذه المحنة وهو يتعرض الى المجازر الواحدة تلو الاخرى، سواء اكان تدميرا او تهجيرا. ركزت هذه التحاليل على ضرورة انهاء الوضع غيرالطبيعي لجنوب لبنان لحساب الدولة اللبنانية بكل ضعفها.

            ماذا كانت توقعات قيادة حزب الله وامينه العام عندما اتخذوا قرار تنفيذ عملية الاسر هذه، من ردة فعل الدولة العبرية على مثل هذه العملية، وهو ما لم يقله لنا السيد حسن نصرالله ، وهو ما كان يجب ان يعلنه للشعب اللبناني ليقدم لهم نوعا من النقد الذاتي لقرار الحرب هذا، الذي باعترافه كانت تدميرية. كان عليهم كما ادخلوا لبنان الى اتون هذه الحرب ان يكشفوا للجميع اين كانت الحكمة، والتي من المعروف بان حزب الله وامينه العام يتمتع بها، في قرار الحرب هذه؟

            حديث السيد حسن نصر الله، ان اشار الى شيء، وان لم يقله بشكل مباشر، اشار الى ان حزب الله ارتكب خطأ استرتيجيا فادحا عندما فشل ومجمل قيادته بتقدير ردة فعل الدولة العبرية، والتي باعترافه “لو” قدروا بان واحد بالمئة من ما حدث سيحدث لما قاموا بمثل هذه العملية.

            يحق لكل لبناني وكل عربي وكل من قاتل حزب الله باسمهم ان يطالبوه ان يكشف لهم مجمل تحليلهم لقرار الحرب هذا، وما هو تحليلهم لردات فعل الدولة العبرية لعملية الاسر هذه. ان التحدث بالعديد من ال “لو” لا يكفي ولا يزيل من نفوس الناس المتألمة العديد من التسأولات حول ضعف التحليل السياسي لقيادة حزب الله، للطبيعة العدوانية للدولة العبرية.

            كان على السيد حسن نصرالله وقيادته ان يعرفوا بانهم يتعاملون مع دولة قامت واستمر وجودها على العدوانية وعلى الاعتداء المستمر، وهذه السياسة العدوانية خطط لها وبوشر بها منذ قرار الوكالة اليهودية العالمية قيام دولة عبرية على ارض فلسطين. ان اردنا استعراض المجازر التي قامت بها اسرائيل منذ الايام الاولى لهجرة اليهودية الى المنطقة، فالسجل حافل ودموي وتدميري. الم تدخل هذه العدوانية في حساباتهم عنما قاموا بهذه العملية؟ سؤال كان على قيادة حزب الله ان يطرحه على نفسه قبل ان يتخذوا قرار الحرب هذا، وان يجيبوا عليه لمن دفع الثمن غاليا بعد الحرب.

            رسم حزب الله وقيادته لأنفسهم دورا اكبر بكثير من حجم حزب الله، حيث تحول هذا الحزب الى دولة ضمن الدولة، لا بل اكثر من ذلك، فقد اعطى لنفسه دور تحرير كافة الاراضي العربية المحتلة بما فيها الاراضي الفلسطينة المحتلة، ناسيا او متناسيا، بان مجمل الدول المحتلة اراضيها غير راغبة بتحريرها عن طريق المقاومة والحروب، بل عن طريق الحلول السلمية وبرعاية الولايات المتحدة الامريكية.

            على حزب الله وقيادته، والتي كان لها دور كبير في تحرير جنوب لبنان مع مطلع القرن الحالي، ان يراجع سياسته واستراتيجته من الالف الى الياء، وان يعلن هذه المراجعة للشعب اللبناني اولا وآخرا لانه هو المعني باي قرار يجره اليه حزب الله، كما حدث في هذه الحرب الاخيرة.

            عندما تم اقصاء الشيخ صبحي الطفيلي عن قيادة حزب الله، واختير السيد حسن نصر الله امينا عاما تم ذلك لكون الاول يتطرف بقراراته والثاني اكثر حكمة وتقدير للمواقف والنتائج. والجميع يطالب اليوم السيد حسن نصر الله ان يعود الى حكمته المعهودة باعطاء حزب الله استراتيجية جديدة تنطبق على حجم وقدرات حزب الله، وان ترتكز هذه الاستراتيجية على مصلحة الشعب اللبناني والدولة اللبنانية بشكل عام والطائفة الشيعية بشكل خاص.

            التاريخ دروس وعبر والتراجع عن الاخطاء فضيلة تتمتع بها القيادات الحكيمة التي عليها ان تضع المصلحة العامة فوق كل المصالح، حتى الحزبية منها. لقد حقق حزب الله صمودا لم يحققه احد قبله في مواجهة الدولة العبرية، والناس المزهوة بهذا الصمود الان قد يكتشفون غدا بان هذه الحرب التي استندت الى “لو” سياسية كانت حربا في غير مكانها ولا يمكن ان تبنى الاستراتجيات على “لو”.

            عندما اتخذ جمال عبدالناصر قرار تأميم قناة السويس درس جيدا كل الاحتمالات، السيئ منها قبل غيره، ليصل بحساباتها بان قرار التأميم هو قرار صائب، رغم قناعته بان ردة الفعل البريطانية والفرنسية والاسرائيلية ستكون عدائية، وبالفعل كانت حساباته صحيحة.

            من يتخذ قرار الحرب عليه ان يحسب كل الاحتمالات لا ان يعتمد على ” لو” كنا نعلم، لو قدرنا، لو عرفنا الخ… من الـ “لوات”.