خطرالانزلاق نحو حكم الحزب الواحد

فاز الرئيس جورج بوش لدورة رئاسية ثانية واخيرة وخسر المرشح الديموقراطي السيناتور جون كيري، واحكم الحزب الجمهوري، المسيطر عليه من قبل اليمين المتطرف على مجلسي الكونغرس، وتراجع الحزب الديموقراطي في الكونغرس، كما انه قد خسر العديد من مناصب حاكمية الولايات.

    ما حدث وضع طبيعي لاية عملية انتخابية ديموقراطية، فلا بد ان يكون هناك فائز وخاسر لانه لا يمكن ان يفوز الاثنان، وبعيدا عن التفسير البوليسي للعملية الانتخابية التي حاول البعض في الجالية العربية الامريكية القول بان الانتخابات كانت مفبركة، لابد لنا من الاعتراف بان العملية الانتخابية كانت عملية نظيفة ولم يجر فيها اي تدخل وتزوير.

    المراقب لنتائج الانتخابات لاحظ بان الولايات التي انتصر فيها الحزب الديموقراطي تركزت في الولايات المدنية، اي الولايات ذات المدن الكبرى، حيث تتواجد القوى الليبرالية اضافة الى الاقليات العرقية والاثنية، التي يصوت غالبيتها للحزب الديموقراطي. اما الولايات التي انتصر فيها الحزب الجمهوري والرئيس جورج بوش فهي الولايات الريفية، حيث يسيطر الفكر المحافظ والمتطرف منه على عقلية المواطنين اضافة لعدم وجود اقليات وفي حال تواجدها فهي ضعيفة. وقد اكدت هذه النتيجة على مقولة الصراع ما بين المدينة ذات الفكر الديموقراطي، وما بين الريف ذي الفكر المحافظ والذي يغلب عليه التطرف الديني.

    غداة بروز النجاح الكاسح للحزب الجمهوري، اخذت الصحافة العالمية عامة، والامريكية منها خاصة تفتش عن سر هذا الفوز في الوقت الذي كل المؤشرات كانت تدل على ان الرئيس بوش وحزبه في مآزق، وقد يخسر الانتخابات، ولكن النتيجة جاءت عكسية. ولقد صورت جريدة ” لوس انجلوس تايمز” في كاريكاتور ملحقها الاسبوعي” الرأي” النتيجة على شكل مارد، يمثل الناخب الامريكي، وهو بلا رأس، يعدد فيه المآسي الذي جرها الرئيس بوش عليه بدءا من التراجع على المستوى الاقتصادي ، وازدياد البطالة، وعجز الميزانية، وفقدان الحريات وحرب العراق الخ……. من الامور السيئة التي سببها الرئيس جورج بوش الذي يجر هذا المارد الى الهاوية ومع ذلك فهذا المارد يعتبره زعيمه بسبب اغراقه في المحافظة.

    لقد اعترف العديد من الامريكيين بأن الذين صوتوا للرئيس جورج وبوش وحزبه الجمهوري كانوا من المتطرفين المسيحويين الذين يستمعون الى قداس الطوائف البروتيستانتية المحدثة مثل البورن اغان والمورمون وغيرهم من الشقوق المسيحوية التي يسيطر عليه المحافظون الجدد، والتي لها سيطرة كبيرة في الولايات الريفية، ولقد استنفرت هذه الطوائف التطرف الديني لدى هؤلاء للتصويت بكثافة الى الحزب الجمهوري كونه يمثل اقيم المجتمع الامريكي المحافظ.

    بالطبع لم يكن العامل الديني وحده المسيطر على هذه الانتخابات، بل كان الارهاب والحرب عليها هي ايضا عاملا هاما استطاع المحافظون الجدد ايهام الناخب الامريكي بان فوز القوى الليبرالية في الانتخابات يعني بان الارهاب قادم، وجاء ت رسالة اسامة بن لادن المتلفزة قبل خمسة ايام فقط من الانتخابات لتؤكد هذه النظرية، مع اعتقادنا بان هذه الرسالة اقرب ما تكون الى الرسالة الهوليودية، حيث ان بن لادن لم يطل على الشاشة منذ اكثر من عام وجاءت رسالته الاخيرة باهتة وبعيدة كل البعد عن العنجهية التي امتازت بها رسائله السابقة.

    بغض النظرعن من صوت وكيف صوت ولمصلحة من صوت، فهناك واقع جديد في الولايات المتحدة الامريكية، الا وهو الانزلاق نحو حكم الحزب الواحد، فالحزب الجمهوري اصبح الحزب الحاكم المسيطر على السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وكما اشرنا في مقالاتنا السابقة فان هذا الحكم سيقود الى السيطرة ايضا على السلطة القضائية، حيث هناك بعض الشواغر يجب تعيين قضاة فيها، وفي هذه الحالة سيكونون حتما من المحافظين الجدد، وهنا تكمن خطورة الوضع.

   ان لم تستطع القوى المعتدلة في الحزب الجمهوري لجم عقال المتطرفين منها في كافة شقوق النظام الامريكي، ليعيدوا نوعا من التوازن التشريعي، فان اجندة الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني والمحافظين الجدد سوف تمر بسهولة في الكونغرس، وبالطبع اذا تمت السيطرة على المحكمة الدستورية، فيعني لا رقيب على هذه الاجندة، و لا  تدقيق في مخاطرها على الولايات المتحدة الامريكية ومجتمعها ومواطنيها. 

    ان الاتجاه نحو سياسة الحزب الواحد، هو اتجاه نحو التراجع عن الكثير من الحريات العامة، ونحن من ذاق المعاناة من حكم الحزب اكثر من ندري  مخاطر الانزلاق نحو هذا الاتجاه، ومن هنا خوفنا من نتيجة هذه الانتخابات، التي شبهها البعض بمرحلة ما بعد الخمسينات حيث سيطرت الطهورية السياسية، بقيادة السيناتور مكارثي، الذي حد من الحريات العامة وقضى على العديد من المثقفين في المجتمع الامريكي.

    واذا كان خوفنا على الديموقراطية والمجتمع الديموقراطي والحريات العامة في الولايات المتحدة، فان هذا الخوف يجب ان لا يدفعنا الى اليأس من العمل الديموقراطي، صحيح ان السنوات الاربع القادمة ستكون سنوات عجافا، ولكنها ليست نهاية المطاف، بل العكس يجب ان تكون دافعا لنا جميعا للعمل على ان نكون اكثر فاعلية في الانتخابات القادمة، ولدينا هذه الفرصة ، بعد سنتين فقط من تاريخه، لتبديل هذه النتيجة من خلال التصويت بكثافة لاسقاط مرشحي الحزب الجمهوري، وذلك من اجل ابعاد شبح حكم الحزب الواحد، ولاعادة التوازن ما بين السلطات الثلاث في الولايات المتحدة الامريكية.