البارحة صمتت المدافع، وتوقف القتال بعد اربع وثلاثين يوما من القتال الضاري حيث عربد الطيران الإسرائيلي بطريقة غير معهودة، تم خلالها تدمير معظم البنية التحتية في لبنان وخاصة طرق المواصلات، حيث تم تدمير معظم الجسور التي تربط الجنوب بالشمال والشرق بالغرب، ولم يعد يربط لبنان بالعالم سوى البحر. بالمقابل فقد كان رد المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله عنيفا، حيث امطر شمال اسرائيل بالصواريخ التي لاول مرة اشعرت الاسرائيلي بانه يواجه مقاتلا مختلفا عن المقاتلين في الجيوش العربية الرسمية، حيث كانت الحرب ضدهم حربا سريعة وانتصارا سهلا، حتى عندما كانت المبادرة عربية.
مما لا شك فيه بان المقاومة قد صمدت وببطولة ولكنها لم تنتصر والعدو الاسرائيلي خسر بفداحة لم يعهدها ولكنه لم ينهزم. لم تكن المقاومة اللبنانية وحدها التي صمدت بل مجمل الشعب اللبناني الذي قاوم بشكل او بآخر سواء من خلال صمود مدنيه او من خلال الوحدة الوطنية التي تجلت باروع اشكالها، رغم اختلاف العديد من اطياف القوى السياسية حول مدى مسؤولية حزب الله باعطاء الشرارة لهذه الحرب. مرة اخرى دفع الشعب اللبناني ثمنا غاليا لدعمه وقبوله حزب الله وسلاحه. اذا كانت المقاومة قد صمدت ولم تنتصر ففي المقابل فان جيش الدفاع الاسرائيلي، والذي في الحقيقة يجب استبدال تسميته هذه واعطاءه تسمية جديدة الا وهي جيش الاعتداء الاسرائيلي، فهو قد خسر الكثير من صورته البطولية التي رسمتها له الحروب السابقة مع الجيوش النظامية العربية التي انهزمت في اكثرها، وظهر للمواطن في اسرائيل والعالم بان هذه الصورة هي اكبر من حجم الدولة العبرية وجيشها المسلح باقوى انواع الاسلحة. اذا كان الجيش الاسرائيلي لم يستطع ان يحقق شيئا على الارض تقريبا، فعلينا ان لا ننام على حرير ونذهب كما ذهب رئيس جمهورية ايران على ان اسرائيل قد انهزمت وان هذه الحرب هي نهاية الدولة العبرية، فجيش الدولة العبرية لا زال قويا لا بل اقوى من كل الجيوش النظامية العربية سواء منفردة او مجتمعة.
من هو المنتصر اذا في هذه الحرب اذا كان لابد من منتصر ومن هو المنهزم فيها اذا كان لا بد من منهزم؟ المنتصر الحقيقي هو الشعب اللبناني الذي رغم الثمن الغالي الذي دفعه سواء من الناحية البشرية او المادية، لم يصل في اي نقطة من نقاط القتال الى الانقسام، لا بل التف حول المقاومة والشعب الصامد في الجنوب رغم الخلاف السياسي حول حزب الله وسلاحه و”قدسيته”، وذلك لدعم صمود المقاومة اللبنانية العسكرية منها او المدنية. نعم لقد دفع لبنان ثمنا غاليا ولكن بالمقابل اثبت بانه اهل ان يحمل ارث فخرالدين المعني وبشير الشهابي وطانيوس شاهين وكمال جنبلاط ومعظم من قاوم عبر تاريخ لبنان.
اذا كان لبنان وشعبه هو المنتصر فمن المنهزم؟ المنهزم الحقيقي مرة اخرى هو النظام السياسي العربي الذي لم يستطيع بكافة صنوفه ان يحرك ساكنا لدعم لبنان، لا لعدم قدرة بل لان لكل نظام حساباته الخاصة، حتى حركتهم الاستعراضية في اجتماعهم في بيروت، حيث كانت دموع الرئيس السنيورة ليست في الحقيقة على لبنان والدمار الذي لحق به بل على النظام العربي الذي ثبت عقمه امام مواجهة الدولة العبرية، بما فيهم اولئك الذين دعوا الى دعم حزب الله وصموده في بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب، والذي لم يوصل في الحقيقة لي اي شيء عملي، حتى الوفد الذي ارسل الى مجلس الامن لم يكن له اي معنى بل هو عبارة عن رفع عتب امام شعوبهم وامام العالم.
في كل الازمات والمجازر التي ارتكبتها وترتكبها وسترتكبها الدولة العبرية كان الجميع يستغرب استمرار الدول العاقدة لمعاهدات السلام مع الدولة العبرية، وتلك التي لها علاقات تجارية واقتصادية معها، عدم قطعها هذه العلاقات. لا بل ذهب رئيس الدولة العتلة، في الصراع العربي الاسرائيلي، اي مصر، الى ابعد من رفض قطع العلاقات الى اعتباره بان هذه العلاقات هي قناة الاتصال الضرورية مع الدولة العبرية. بالطبع استغربت الشعوب وقواها الوطنية مثل هذا التبرير، سائلين رئيس هذا النظام ماذا عملت هذه القناة للسلطة الفلسطينية عندما دمرها شارون وعزل رئيسها الراحل ياسر عرفات؟ ماذا عملت هذه القناة عندما اقتحم شارون الجامع الاقصى؟ ماذا عملت هذه القناة وغيرها من الاقنية مع الدولة العبرية، عندما ارتكب الجيش الاسرائيلي مجزرة صبرا وشاتيلا وجنين وكل المجازر في حق الشعب الفلسطيني ولبنان؟ واخيرا ماذا عملت هذه القنوات عندما دمر لبنان وشرد اكثر من ربع سكانه؟ اسئلة لو اردنا الاستمرار بتعدادها للزمنا صفحات. واذا كانت الاسئلة كثيرة وعديدة، فان الجواب بسيط وبسيط جدا الا وهو ان النظام العربي المهزوم لم يعد قادرا حتى على اتخاذ قرارا بقطع العلاقات مع الدولة العبرية، حتى ولو بعملية مسرحية لذر الرماد في العيون. لقد كانت حكومة فينزويلا اكثر جراءة من كل الدول العربية بسحبها سفيرها من الدولة العبرية، رغم رمزية هذا السحب، فلقد اثلج قلوب الشعوب العربية المدماة من انظمتها المترهلة، والمتقاعسة.
لقد اثبت الحرب الحالية في لبنان ضد المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني، وحربها السابقة عند الاجتياح عام 1982 بان الدولة العبرية عندما تواجه بمقاومة حقيقية ونظامية وذات قدرة سياسية واعية، نراها لا تستطيع ان تحقق على الارض اي مكسب عسكري، حيث خرجت المقاومة الفلسطينية ليس لانتصار اسرائيل عليها بل لان هذه المقاومة، التي لم يلتف حولها الا الشعب اللبناني، انسحبت يومها من لبنان لانها لم ترد ان تدمر لبنان على رأس شعبه الذي رعى القسم الاعظم منه هذه المقاومة. لقد صرفت كل الانظمة العربية بلايين الدولارات على جيوشها وذهب معظم هذه البلايين الى جيوب الحكام وحساباتهم المصرفية في المصارف السويسرية، على حساب التنمية الحقيقة للمنطقة لكي تنعكس بنية متينة قوية ومتماسكة تستطيع ان تواجه كل دول العالم من خلال تحصين الداخل من خلال انفتاح حقيقي على الشعب وطموحاته الوطنية، فان هذه الانظمة لم تبني جيوشا ذات عقيدة قتالية بل جيوشا للعروض والانقلابات العسكرية، لتدافع عن هذه الانظمة التي جاء معظمها بواسطة هذه الجيوش.
نعم كما دفعت اسرائيل الانظمة العربية في حرب 1967 فاتورة تأخرها وتآمر قياديها بعضهم على بعض، ها هي اليوم بحربها ضد لبنان وشعبه تدفعهم فاتورة تخاذلهم في دعم لبنان كاشفة للعالم بان هذه الانظمة هي انظمة غير شعبية وغير وطنية وتخاف السقوط ولا يهمها الا البقاء ومهما كان ثمن هذا البقاء.
نعم لا بد ان نكرر مع الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته الشهيرة “القدس عروس عروبتكم” ابياته التي تقول “اولاد القحبة لا استثني احد منكم..” نعم صدق مظفر لا يستثنى احدا من هذه الانظمة العربية التي ثبت انها انظمة مهزومة ومترهلة.