ملاحظات على مشروع الدستور السوري الجديد

 

يقول المثل العربي “تمخض الجبل فولد فأرا” وفي سورية الجريحة تمخضت لجنة صياغة الدستور فولدت دستورا مشوها ومرفوضا شكلا وتفصيلا. ولا بد قبل المباشرة في الحديث عن ملاحظاتنا على الدستور الاشارة الى ان هذه الملاحظات هي سياسية وليست قانونية، فنحن لا خبرة قانونية لنا حتى ندعي ذلك، هذا اولا .

ثانيا: اللجنة التي شكلها بشار الاسد غير دستورية ففي الوضع الذي يعيشه الوطن السوري، فلجنة منتقاة من النظام المشكوك في شرعيته، وحتما قد مرت اسماء اعضائها على غربال الاجهزة الامنية، ليست بدستورية، ومن هنا كان يجب ان تتشكل هيئة دستورية تضم كل مكونات الشعب السوري، وبالطبع بعد الغاء كل القوانين غير الدستورية التي كبلت دستور 1973. من هنا ، لو كان النظام الحالي صادقا، ونكرر لو كبيرة، كان عليه تعليق العمل بالدستور والعودة الى دستور  1950 وتشكيل بموجبه الهيئة الدستورية.

ثالثا: السرعة التي قرر فيها رأس النظام وأجهزته الامنية، وبعد استشارة اصدقائهم الروس، في الدعوة الى الاستفتاء على هذا المشروع المشوه ضاربين بكل القيم الدستورية، متجاوزين حتى مجلس شعبهم الشكلي ليطرحوا الاستفتاء عليه في أقل من اسبوعين في الوقت الذي تعيش اكثر المناطق السورية تحت حالة امنية استثنائية.

نبدأ الملاحظات من المقدمة، فالمقدمة هي تكرار للفكر البعثي الذي  لم يعد مقبولا في القرن الواحد والعشرين. فالطريقة التي صيغت بها عفا عنها الزمان. هذه المقدمة تحتوي على تشنج قومي عربي يلغي مساهمات باقي مكونات الشعب السوري من كرد وسريان واشوريين وارمن، وهو غير واقعي، فالقطرية التي مارسها البعث لمدة اكثر من نصف قرن دفعت الى القطرية وابتعدت كثيرا عن القومية العربية وما موقف حافظ الاسد من الحرب العراقية – الايرانية، وحرب الكويت الا مؤشر واضح على هذه القطرية.

    تقول الفقرة الرئيسية ” لقد  تعاظم الدور العربي السوري على الصعيدين الإقليمي والدولي خلال العقود الماضية مما حقق الكثير من التطلعات و المكتسبات الإنسانية و الوطنية في المجالات و الميادين كافة، وأضحى لسورية موقع سياسي مهم كونها قلب العروبة النابض وجبهة المواجهة مع العدو الصهيوني و الحامل الأساس للمقاومة ضد الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربي و مقدراته و ثرواته، وقد مهد الكفاح الطويل لشعبنا و تضحياته في سبيل استقلاله، و نهضته، ووحدته الوطنية نحو بناء الدولة القوية، وتعزيز التلاحم بينه وبين جيشه العربي السوري الضامن الرئيس والحامي لسيادة الوطن، وأمنه، واستقراره، ووحدة أراضيه، مكوناً القاعدة الراسخة لنضال الشعب من اجل تحرير أراضيه المحتلة كافة.”

    تحتوي هذه الفقرة على كلام مغلوط  فالجبهة السورية – الاسرائيلية صامتة منذ عام 1974، تاريخ توقيع اتفاقية فصل القوات، والكلام هنا كان يجب ان يقول بضرورة تحرير الجولان. اما المقاومة والممانعة فليس لها مجال في الدستور لانه مجرد سفسطة كلامية لا اكثر ولا اقل. ولقد حول النظام هذا الجيش الى اداة قمع، من هنا نرى دور هذا الجيش في تحويل سورية الى جبهة يقاتل فيها شعبه، بناءا على اوامر قيادته. ولماذا يكون جيشا عربيا شوريا وليس جيشا سوريا، الا يخدم باقي الكونات في هذا الجيش.

 ويمتليء مشروع الدستورهذا بكثير من اللغط والسفسطة الكلامية عن دور المنظمات المسماة زورا بالشعبية، في انجازات وهمية غير صحيحة، معتبرين هذا الدستور انجازا والذي هو في الحقيقة تعديلا لدستور كرس كل ما كان موجودا في الدستور الحالي.

 تقول المادة الاولى:

1-   الجمهورية  العربية السورية دولة ديمقراطية  ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربي .

   هنا كان يجب العودة الى تسمية الاستقلال اي الجمهورية السورية،  بسبب تواجد في سورية اكثر من مكون قومي وهذه التسمية جاءت كردة فعل اثناء انفصال سورية عن مصر، ومن فكر البعث وليست تسمية حقيقية. اما التحدث عن التنازل عن اي جزء من اراضيها، فاذا طبقت هذه المادة فعلى السلطات محاكمة الرئيس الحالي كونه تخلى نهائيا عن لواء اسكندرون، بالاضافة الى التعديلات الحدودية التي كانت تجريها الحكومة التركية من مدة لاخرى.

2 – الشعب في سوريا جزء من الأمة العربية . هذه الفقرة شوفينية لانها تجبر اكثر من شعب الانتساب الى القومية العربية.

 هنا اخطر المواد وهي المادة الثالثة:

1-   دين رئيس الجمهورية الإسلام .

    هذه الفقرة من المفروض، لا بل من الواجب الغائها، لانها تحول المواطنين المسيحين الى مواطنين من الدرجة الثانية، فاذا كان غالبية الشعب السوري تنتمي الى الديانة الاسلامية، فقطعا لن يستطيع المسيحي ان يصل الى رئاسة الجمهورية فما معنى وضعها وتثبيتها في الدستور، وهي مرفوضة جملة وتفصيلا، لانها تخلق شرخا اساسيا وهاما. فاذا كان المواطن متساوي بالواجبات فعليه ان يكون متساويا ايضا بالحقوق. هنا لابد من لفت نظر كل من يحتمي بالنظام الحالي اين هي الحماية، ابتحويلهم الى مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة، وهو ايضا برسم رجال الدين المسيحي الذين يتقولون بدعم النظام بحجة او بأخرى. 

2-   الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع  .

    هذا البند كان يجب ان يكون على الشكل التالي: الفقه الاسلامي هو بعض مصادر التشريع، حتى الاخوان المسلمون لا يقولون بان الفقه الاسلامي يجب ان يكون مصدرا رئيسيا للتشريع، هذه المادة تكرس الطائفية لذا يجب تعديلها شكلا وتفصيلا ويبدو ان اللجنة قد استشارت  الشيخ البوطي والحسون وغيرهم من مفتيي النظام،  ومنيرة القبيسي ومن لف لفهم.

3-   الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة و مرعية.

هذا البند غير مقبول في القرن الواحد والعشرين، بل كان على هذه اللجنة ان تشير باصدار قانون احوال شخصية مدني وعصري يؤكد على مبدأ المواطنة، وليس الطائفة.

4-   بعدها تتكرر مواد بديهية الى ان نصل الى المادة الثامنة وهي ان ألغت دور البعث  في قيادة المجتمع والدولة ولكنها لا تزال ناقصة وتحرم الشعب من حرية الاختيار. يقول احد بنودها: “لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني , أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون.” هذا البند يلغي مبدأ الحريات العامة وحرية تكوين احزابا، كونها تضع قيودا على طيف كبير من اطياف الشعب السوري، وتلغي حرية المواطنين بالاختيار.

 اما المادة الحادية عشرة المتعلقة بالجيش والقوات المسلحة فكان عليها منع العمل السياسي فيه، وتحديدا الغاء تسمية الجيش العقائدي.

    ثم تندرج المواد ورغم وجود الكثير من الملاحظات عليها فهي تفصيلية، لنصل الى المادة الثامنة و الأربعين والتي تقول: “ينظم القانون الجنسية العربية السورية،” كلمة عربية تلغي جنسية الكثير من المواطنين الكرد والسريان والارمن وهي مرفوضة كليا فقانون الجنسية يجب ان لا يكون عنصريا.

 نصل اخيرا الى مؤسسات الدولة واولها السلطة التشريعية، هنا كان على الدستور التأكيد على فصل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

يقول احد بنود المادة الستين “يجب  أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال و الفلاحين و يبين القانون تعريف العامل و الفلاح.” هذا البند لم يعد مقبولا لان فيه نوعا من التمزيق الطبقي في الوقت الذي لم يعد هناك الا طبقتان واحدة فقيرة مدقعة في الفقر، وهي غالبية المواطنين أكثر من 95 % من الشعب السوري، وواحدة غنية وطفيلية ولا تشكل اكثر من 5 %. من هنا فهذا البند يعيدنا الى سبعينات القرن الماضي اي اربعين سنة الى الوراء، الى  التنميقات البعثية التي في الحقيقة لم تطبق ابدا فقد كانوا هم من يحددون  ماهية العمال والفلاحين.

    نصل كما يقول المثل الى” ثالثة الاثافي” الى فصل رئيس الجمهورية، حيث تتركز كل السلطات في يد هذا الرئيس اي كان. تقول المادة الرابعة والستون في بندها الثاني ” ان يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة من ابوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة” نعود هنا ايضا مرة اخرى الى الشوفينية القومية الا يحق للكردي مثلا ان يكون رئيسا للجمهورية، لماذا شرط العروبة؟.

   اما البند الرابع فيقول” ان لا يكون متزوجاً من غير سورية” الا ينطبق هذا البند على السيدة اسماء الاسد الحاملة الجنسية البريطانية، وهذه المادة تلغي دستورية الرئيس الحالي كونه متزوجا من اجنبية، ومن هنا يجب منعه من الاستمرار بالحكم وبالتالي فان الاحكام المؤقتة للدستور غير شرعية وغير دستورية.

تشير  المادة السابعة والثمانون الى:

1 – اذا حل مجلس الشعب خلال الفترة المحددة لانتخاب رئيس جمهورية جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه الى ما بعد انتهاء انتخاب المجلس الجديد وانعقاده على ان ينتخب الرئيس الجديد خلال تسعين يوماً تلي تاريخ انعقاد هذا المجلس .

2 – اذا  انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد.

   هذان البندان تحايل على الدستور. ماذا اذا حل رئيس الجمهورية مجلس الشعب ولم يدع الشعب لانتخاب ممثليهم حسب الدستور؟ وهو غالبا ما يحدث.

تحدد المادة الثامنة والثمانون مدة ولاية رئيس الجمهورية بـ 7 سنوات ولفترتين، اي ما مجموعه 14 عاما، فهذه الفترة كبيرة وتوقع في دكتاتورية حتمية، هنا يجب ان تحدد الفقرة مدة الرئاسة باربع او خمس سنوات لا اكثر.

 اما المادة الحادية و التسعون فتنص “لرئيس الجمهورية ان يسمي نائباً له او اكثر و ان يفوضهم ببعض صلاحياته” لماذا لرئيس الجمهورية الحق في ذلك، ولماذا لا ينتخب نائب الرئيس مع الرئيس؟.

 تندرج المواد الى ان نصل الى المادة الثالثة عشرة بعد المئة، وهي الأخطر التي تنص “يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب أو أثناء انعقادها اذا استدعت الضرورة القصوى ذلك أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً”  هذه المادة هي مادة غير دستورية بامتياز وهي تؤسس لدكتاتورية الرئيس لانها تضع في يده السلطة التنفيذية والتشريعية وهذا ما يلغي الفصل بين السلطات وهذه المادة وضعها حافظ الاسد لالغاء السلطة التشريعية، ويصدر المراسيم التشريعية وويكون على أعضاء المجلس التوقيع عليها.

السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية تضع في يده كل السلطات وهي بالتالي تلغيها.

وينظم الفصل الثالث السلطة القضائية وهنا ايضا يتدخل رئيس الجمهورية في التعينات وتحديد المسؤوليات وهي بذلك تلغي دور مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الدستورية حيث ينص في احد مواد هذا الفصل بأن رئيس الجمهورية يرئس مجلس القضاء الاعلى.

اما الباب الخامس الذي يشرع لتعديل الدستور فقد وضع مرة ثانية في يد رئيس الجمهورية حق طلب تعديل الدستور، ولماذا لا يكون في يد الشعب ضمن الية دستورية يستطيع الشعب فيه التعبير عن حرية خياراته، وكان على المشرع ان يضع ضوابط اكثر تعقيدا للتعديل حتى لا يعدل الدستور بربع ساعة كما حدث يوم التوريث المشؤوم.

اما الفصل السادس وهو لاحكام مؤقتة والتي وضعت لاعطاء رئيس الجمهورية الحالي احقية ان يحكم البلاد مدة 14 عاما اخرى. حيث تنص المادة   المادة الخامسة والخمسون بعد المئة “تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية وتسري عليه أحكام المادة / 88 / من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة “ هذه المادة تستخف بعقول الشعب السوري، وبدم الشهداء من الشعب السوري.

كما ان باقي المواد تقيد الحريات العامة حيث تم وضع القيود على المهاجرين المقصورين عليها بمنعهم من الترشح او تبوء اي من مراكزالدولة العليا.

   في الختام اذا اردنا ان نختم الملاحظات بأن افضل صفة لهذا المشروع الدستوري بانه لا دستوري، ومن هنا نقول بأن الاستفتاء عليه باطل، باطل، باطل.