مجازر عام 1915 والمسألة السورية بهنان يامين

مجازر عام 1915 والمسألة السورية

بهنان يامين

بهنان يامين جديدة

 في الرابع والعشرين من كل عام يحتفل الشعب الأرمني بذكرى المجزرة الأرمنية، التي إرتكبتها السلطات العثمانية على اعوام متتالية وصولاً الى المجزرة الكبرى عام 1915. واذا كان الشعب الأرمني هو من نقل هذه المجزرة الى أسماع العالم، عبر منظماته الدولية، فالحقيقة بأن هذه المجازر لم تكن فقط أرمنية بل كانت مجازر مسيحيية حيث سقط ايضاً العديد من الضحايا بين الشعوب السريانية والأشورية، إسوة بالاخوة الأرمن. ولقد ارتدى هذا العام طابعاً خاصاً حيث كانت الذكرى 99 أي ان الاحتفال العام القادم سيكون بمرور قرن كامل على تلك المجازر.

  الحقيقة الثانية هي إن المجزرة كانت محض عثمانية، أمرت بها حكومة الاتحاد والترقي وسهلت تنفيذها، بادوات مختلفة وكانت اليد المنفذة هي من بعض شعوب المنطقة، المتواجدة في القرى والمدن القريبة من ماردين وديارباك، والتي هي اليوم في المنطقة التركية المحاذية للحدود مع سورية، وهؤلاء المنفذين كانت دوافعهم عنصرية جاهلة او بأوامر الولاة الذين اوحوا لهم بأن القوافل الأرمنية المنقولة ضمن قوافل، تحمل أموالاً طائلة محللين لهم نهبها وسرقتها وتنفيذ جرائم القتل الجماعي، وهو ما تشهده سورية اليوم على ايد النظام الذي يمارس ذات العقلية التدميرية.

   الحقيقة الثالثة هي ان الذين استطاعوا أن يهربوا سواء بشكل أفرادي أو جماعي، ووصلوا الى المناطق السورية، وبالتحديد الى عند القبائل العربية، تمت حمايتهم، وخاصة الذين وصلوا الى مناطق الجزيرة السورية، وخاصة الى  دير الزور ومركدة، حيث تم إيواء الغالبية العظمى منهم، وحمايتهم من القتل والمجازر. عاش الإخوة الأرمن بين ظهرانية العشائر العربية وفي المدن والقرى التي اخذت تنتشر على طول الحدود السورية – التركية حيث بنوا الاعمال و المدارس والكنائس، فعل سبيل المثال لا الحصر فأن مدينة الدرباسية التي تأسست عام 1931 فلقد بنيت فيها المدارس والكنائس، فكان هناك مدرسة داخلية للسريان الكاثوليك وكنيسة كبيرة، كنيسة مار جرجس، وطائفة السريان الاورثوذكس، مدرسة وكنيسةن مار أسيا الحكيم، والأرمن الكاثوليك ايضا مدرسة وكنيسة، والأرمن الاورثوذكس كنيستين، واحدة تتبع حزب الطاشناق والثانية تتبع حزب الهينشاق. وعلى هامش هذه الكنائس بنيت الاعمال المتفرقة، وبسبب مهاراتهم الفنية فلقد بنى الإخوة الأرمن ورشات التصليح  الزراعية على اشكالها المختلفة.    

     ما يقال عن الدرباسية يقال عن القامشلي وعامودا ورأس العين وجرابلس وتل أبيض وبالطبع الحسكة ودير الزور، وصولاً الى التجمع الارمني الاكبر في حلب.

  بالطبع هناك قصص وأحاديث عن حماية المنطقة السورية عرباً وكرداً للنازحين من المذابح ولقد عرفنا العديد من الاشخاص، بعد ان عاشوا طفولتهم وشبابهم بين هذه القبائل وعاشوا كمسلمين، وعندما كبروا كشف لهم من حماهم أصولهم وخيروهم للعودة الى اهلهم وذويهم، ان وجدوا، وكذلك الى دينهم المسيحي، ولم يتم منعهم من ذلك.

  لا ينكر أحد من الأخوة الأرمن هذا الفضل، بل على العكس بنوا علاقات ممتازة مع باقي مكونات الشعب السوري، وأعتبروا أنفسهم سوريين، وهم في الحقيقة كذلك، رغم خصوصيتهم الأرمنية، أو السريانية أو الأشورية، ولم يعرف أي اضطهاد لاي شعب من هذه الشعوب في سورية، ماعدا بالطبع بعض الحوادث الصغيرة.

  تحرك الشعب السوري في ثورته ضد طغيان البعث، ولقد أيدت القوى الوطنية من ابناء شعوب مجازر 1915، هذه الثورة كونها ثورة الحرية والكرامة، وتشهد صفحات التواصل الاجتماعي اسماء بارزة، تعبر عن موقفها المؤيد هذا. وبقيوا على موقفهم الوطني حتى بعد تصاعد الموجة المتطرفة.

  إشتغل النظام على هذه الشعوب، طارحاً كون هذه المكونات أقليات وهو حاميها، وهو ما لم تعرفه سورية في حقبة ما قبل الاستقلال او ما بعد الإستقلال، حيث كانت المواطنة هي المعيار، ولم يقسم الشعب السوري الى اكثرية وأقلية الا بعد وصول البعث الى الحكم عام 1963، وكانت تتصاعد هذه الموجة بعد كل انقلاب من انقلابات البعث، وصولا الى أخرها 16 تشرين الثاني 1970 حيث برزت الطائفية السياسية وممارستها على الأرض السورية.

   عمل نظام الاب والابن الوريث على تأكيد الممارسات الطائفية، ويضحك على نفسه من يقول عكس ذلك، ولقد أثار النظام الخوف لدى المكون السرياني والأشوري والارمني، مذكرا بالدور العثماني في مجازر 1915، ناسيا او متناسيا بأنه كان الصديق الشديد لحكومة اردوغان التركية، وما استعمار تركيا اقتصادياً لمدينة حلب وتنازل النظام عن الاراضي السورية في انطاكية واسكندرون الى هذه الحكومة، الا دليل على ذلك، وهو ما ينساه الكثيرون سواء من المؤيدين او من المعارضين.

   ان مفهوم الأكثرية والأقلية هو مفهوم يلغي المواطنة ويقسم الشعب السوري وتأتي هذه الانتخابات التي تجرى في ظل المادتين الثالثة والرابعة، فالثالثة تمنع المسيحي من الترشح أي تطالبه بالواجبات وتحرمه من الحقوق، محولةً اياهم الى مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة. المادة الرابعة فتعلن أسلمة الدولة وهو ما أكد عليه الطاغية الاسدي في خطابه امام العلماء والقبيسيات، وهو ما يرفضه الشعب السوري.