آخر علوي في سدة الحكم بعد سنة من بداية الثورة أصبح الجميع يؤيدون رحيل الأسد بقلم ماريا يفيموفا ترجمة د. محمود الحمزة


آخر علوي في سدة الحكم
بعد سنة من بداية الثورة أصبح الجميع يؤيدون رحيل الأسد
ترجمة د. محمود الحمزة
16 مارس/آذار 2012
ماريا يفيموفا
 
مع اقتراب الذكرى الأولى لانطلاقة الثورة السورية في 15 مارس/آذار طالبت المعارضة السورية الغربَ بالتدخل العسكري في سوريا. فلا يوجد حل آخر برأي المعارضة لاسقاط نظام بشار الأسد. بدأ الأسد- الابن فترة رئاسته بوعود عن اصلاحات سياسية شاملة ولكنه لم يتمكن من انجازها وإنما وجه دباباته ومدفعيته ضد شعبه. فلم يكن طبيب العيون الذي درس في الغرب، طاغية متعطش للدم. ولكن التحكم العسكري القاسي والقمع هو الشيء الوحيد الذي تمكنت الأقلية الدينية – العلوية- أن تقدمه لمجابهة الأغلبية السنية.
بمساعدة باريس
أن يحكم علوي سوريا فذلك يشبه الحالة عندما ينصب يهودي نفسه قيصراً لروسيا، وذلك حدث غير مسبوق ومقلق في دولة عربية، حيث كانت السلطة على مر السنين بيد الأغلبية السنية. هكذا وصف النظام السوري المؤرخ المعروف المتخصص في الشرق الأوسط دانييل بايبس في كتابه "سورية الكبرى" المنشور في التسعينيات. وفي حينها كانت الأقلية العلوية بقيادة حافظ الأسد – والد الرئيس الحالي – قد استلمت الحكم في البلاد منذ 24 ساعة.
وقد تعامل السنة والشيعة المتعصبين بشكل عدائي مع العلويين ووصفوهم بالكفار المتسترين بالإسلام. والسبب في ذلك لأن المذهب العلوي هو عبارة عن خليط من مختلف الديانات والمعتقدات الوثنية. وعند بدء الاحتجاجات في سوريا أطلق بعض السلفيين تسمية اليهود على العلويين.
ولم يكن للعلويين ابداً أن يصلوا إلى السلطة في سوريا بدون مساعدة خارجية. ولكن باريس هي من بدأت الصراع من أجل سلطة الانتداب في سوريا في عشرينيات القرن الماضي. وقوبل الجيش الفرنسي في سوريا بمقاومة عنيفة من قبل السنة. واعتبر الفرنسيون أن من سيساعدهم في تثبيت انتدابهم على سوريا هم العسكريون الذين ينتمون إلى الأقليات. وبالفعل فقد قام العلويون بمساعدة الفرنسيين في التحكم في فترة تصاعد فيها المد القومي، ما سبب اتهامات للعلويين بخيانة الوطن حتى يومنا هذا.
وجاء أول رئيس لسوريا بعد الاستقلال السني شكري القوتلي الذي ناضل من أجل استقلال البلاد منذ الحكم العثماني. ولكن انقلاب 1966 العسكري أوصل إلى الحكم الجناح العلوي اليساري في حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد انتظم في صفوف البعث منذ تأسيسه عام 1947 الطيار حافظ الأسد الذي ينتمي إلى عائلة فلاحية. وبعد 5 سنوات أصبح الأسد رئيساً لسوريا على أثر انقلاب عسكري جديد.
ومنذ بداية حكم الأسد تكونت لدى دمشق علاقات جيدة مع طهران وموسكو. وفي عام 1973 حدث تقارب بين ائمة إيران وشيوخ الطائفة العلوية، حيث اعترفوا بالعلويين  كفرع من المذهب الشيعي. ولكن الاعتراف الإيراني بالعلويين لم يغير علاقتهم مع أغلبية السكان في سوريا.
وفي عام 1976 شهدت سوريا انتفاضة اسلامية بقيادة "الأخوان المسلمين" وفي عام 1981 تمكن الجناح العسكري للأخوان من القضاء على حوالي 300 مسؤول بعثي كبير معظمهم من العلويين. ورد الأسد على الانتفاضة بإرهاب وحشي. وحتى شباط/فبراير 1982  تمكن من القضاء على الانتفاضة المسلحة: فالجيش سحق معقل المعارضة في مدينة حماة مخلفاً عدداً كبيراً من الضحايا يتراوح بين 17 و 40 ألف إنسان. ودخل حافظ الأسد التاريخ كأول ديكتاتور عربي أعطى أوامر بتنفيذ مجازر جماعية ضد شعبه وصلت إلى حد استخدام السلاح الكيميائي.
مساعدة إسعافية لبشار
تذكر البعض مجزرة حماة عندما دخلت قوات بشار الأسد لقمع التمرد في مدينة حمص. وبعد 30 سنة اصطدم بشار أيضاً بالثورة السنية ولكنه لم يستطع القضاء عليها.
وجد بشار نفسه في كرسي الرئاسة بمحض الصدفة لأن أخيه الأكبر باسل مات على إثر حادث مروري عام 1994. وفي حينها كا بشار يدرس التخصص في مركز طب العيون Western Eye Hospital في لندن.  وقد عاش في الخارج باسم مستعار وتولع كثيراً بالكمبيوتر واختلط بالمثقفين. ولكن موت أخيه الأكبر باسل المرشخ لخلافة أبيه- أجبرته على العودة فوراً إلى سوريا. وهنا تلقى تدريبات عسكرية وانخرط في السياسة.
وفي أواسط التسعينيات أعلن الأسد  الأب بشاراً خلفاً له في الحكم. فافتتحت بنوك خاصة وبورصة في سوريا. ونتيجة جهود بشار ظهر في سوريا في نهاية 1998 خدمات الانترنت وفي عام 2000 ظهرت خدمة الموبايل (الجوال).
وعندما توفي حافظ الأسد في حزيران 2000 أصبح بشار، الذي بلغ الـ 34 عاماً ، القائد الأعلى للجيش والأمين العام لحزب البعث والمرشح الوحيد للرئاسة في سوريا. وقد حصل بشار بنتيجة الاستفتاء الشعبي على نسبة 97 % من الأصوات. وشرع الرئيس الجديد بحذر بإجراء اصلاحات سياسية فاطلق سراح مجموعة من المعتقلين السياسيين . وبدأت بالإصدار أول صحيفة مستقلة وتأسست جامعات خاصة.
وفي عام 2002 تغيرت المادة المتعلقة بانفراد حزب البعث في الحياة السياسية في المجتمع فظهر المرشحون المستقلون في مجلس الشعب ومنهم رجال أعمال شباب مقربين من بشار الأسد. ولأول مرة تكونت حكومة مدنية في سورية البعث.
قليل ومتأخر….
يقيم الكثيرون الخطوات الديمقراطية التي بدأها بشار الأسد على أنها غير مكتملة. وقد اصطدم السعي إلى الاصلاح بضرورة الحفاظ على السلطة في يد الأقلية العلوية. ولذلك فإن الأسد، بعد مرور سنة واحدة فقط من الإصلاحات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، أمر بسجن أعضاء الحركة الإصلاحية "ربيع دمشق".  وقد طالبت الحركة باصلاح قانون الأحزاب ورفع حالة الطوارئ. وفقط في عام 2008 تم اطلاق سراح قادة ربيع دمشق بعد إعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً لسبع سنوات جديدة.
وفي نهاية يناير عام 2001 بدأت المظاهرات في سوريا بعد تونس ومصر وليبيا مطالبة بإلغاء حالة الطوارئ وبالاصلاحات السياسية. وفي 15-16 مارس/آذار تحولت المظاهرات في محافظة درعا إلى صدام مع الشرطة. وأراد الأسد تهدئة سكان المحافظة بإقالة المحافظ ولكن المظاهرات استمرت.
وفي نهاية مارس/آذار أقال الأسد الحكومة وأعلن عن اصلاحات سياسية وحملة مكافحة الفساد ولكن الاحتجاجات استمرت. عندها لجأ الأسد إلى مساعدة الجيش وفي أواسط مايو/ايار بلغ عدد القتلى حسب معطيات المعارضة حوالي ألف إنسان. وبعد سنة وصل عدد الضحايا حسب معطيات الأمم المتحدة إلى 8 آلاف إنسان.
ولا ليست المعارضة السورية لوحدها لا تثق باصلاحات الأسد وإنما معها تقريباً كل المجتمع الدولي. وتشكل إزاحة الأسد مكسباً سياسياً للغرب لأنه يحطم "محور الشر"  الذي يربط دمشق بإيران عبر حماس وحزب الله. وحتى تل أبيب التي تعاملت بحذر من مسألة تغيير الأنظمة في البلدان العربية لمجهولية حكامها الجدد، وقفت بشكل واضح إلى جانب رحيل حاكم دمشق.
وحول أسباب ذلك أجاب وزير خارجية إسرائيل أفديغور ليبرمان لمراسل صحيفة "أنباء موسكو" بالروسية بأنه " لا يوجد اسوأ من الأسد لا بالنسبة لإسرائيل ولا بالنسبة للغرب". ويقف ضد الأسد السنة في العالم بقيادة  دول الخليج الملكية.
ولم يبق إلى جانب الرئيس السوري سوى موسكو. ولكن الدبلوماسيين الروس أكدوا مراراً بأنهم لا يدعمون بشار الأسد شخصياً وإنما مبدأ العدالة. وحتى هذه الورقة الأخيرة ليست دائمة بيد الأسد. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مجلس الدوما  منذ أيام بأن "بشار الأسد تأخر كثيراً في إجراء الاصلاحات الضرورية".
وحتى لو أجريت الاصلاحات الضرورية في حينها فلن تبقي الأسد في السلطة. إن التحول الليبرالي في النظام البرلماني وإشراك قوى سياسية وعرقية وطائفية مختلفة فيه كان يمكن له بتجنب الثورة ولكن أول انتخابات ديمقراطية ستضع نهاية لحكم العلويين.
"ويخطئ السياسيون أحياناً"
رأي ألكسي مالاشينكو  الخبير في مركز كارنيغي في موسكو:
" من المبكر إجراء استنتاج عن الأحداث في سوريا.  ويبقى مفتوحاً سؤال مهم وهو من سيبقى في السلطة؟ . أظهر بشار الأسد نفسه كشخصية قوية يدعمه حوالي نصف السوريين ولكنه لم يتمكن من القيام بالاصلاحات الضرورية في حينها وبالتالي فإن النصف الآخر من السوريين لم يعد يحتمل سلطة الأسد أكثر من ذلك. وفي هذه الحالة يجب على دمشق والمعارضة السورية واللاعبين الدوليين بما فيهم روسيا وأمريكا أن يفهموا : مهما كان اتجاه التغيير في بنية السلطة السورية  فإن هذا التغيير يجب أن يكون ما أمكن أقل دموية. وقد سقط في هذا الصراع أكثر من 7 آلاف إنسان. وبرأيي فإن روسيا التي دعمت الأسد بوضوح لفترة طويلة بدأت الآن بعد انقضاء عام على الصراع السوري انتهاج سياسة ترمي لإزاحة الأسد من السلطة ولكن بشكل سلس. والفكرة الأساسية تكمن في أن يحافظ الأسد في الفترة القريبة على السلطة من أجل تسليمها فيما بعد بإرادته. وعلى ما يبدو فإن الغرب يميل بالتدريج إلى هذه الفكرة، بالرغم من أن أمريكا وحلفائها يؤيدون المعارضة السورية. فلو اسقط الأسد بسرعة فقد تأتي إلى السلطة القوى الإسلامية الراديكالية  كما حدث في دول الربيع العربي. ألا يكفي ذلك؟ ومن الممكن أن يكون قد انتهى زمن التغيير السلس في سوريا. وبمراجعتي لكل عملية التسوية الدولية للنزاع السوري يراودني استنتاج مفاده أن السياسيين لا يلتزمون بأي منطق ولا يحسبون نتائج عملهم. وهم ببساطة يرتكبون الحماقات أحياناً".
صحيفة "أنباء موسكو" باللغة الروسية
 
تعقيب المترجم:
نلاحظ تغيرات تدريجية إيجابية واضحة في تحليل بعض وسائل الإعلام الروسية الرسمية والمستقلة، من الوضع في سوريا، تزتمنت ذلك مع تغيرات أولية ولكنها جوهرية في المواقف الرسمية الروسية من تقييم الوضع في سوريا وخاصة كلمات وزير الخارجية سيرغي لافروف في مجلس الدوما حين قال بأن الاسد تأخر كثيراً في الاصلاحات، وبأن الأسد لم يستمع إلى نصائح الروس المتكررة. وكذلك تصريحات تقول بأن نسبة بقاء الأسد في السلطة لا تزيد عن 10 %. وكذلك بأن روسيا ليست محامية عن الأسد ونظامه.