الانشقاقات في سورية تطهير ام بداية الرحيل بقلم بهنان يامين

الانشقاقات في سورية تطهير ام بداية الرحيل

                                                             بقلم بهنان يامين

    منذ بداية الحراك الثوري في سورية ورأس النظام السوري يلقي الخطب ويجري المقابلات، وفي كل مرة كان يخرج علينا بمصطلحات لا يعرفها القاموس السياسي في سورية، فالشعب السوري الثائر ضد النظام الطائفي هو تارة جراثيم والقوى الامنية والشبيحة هي المضادات الحيوية-anti biotic ، وتارة أخرى هو الجراح الذي يدمي يديه اثناء العملية الجراحية الخ… من المصطلحات. في مقابلته الاخيرة مع القناة الرسمية السورية "دنيا" خرج علينا بشار الاسد بأن الانشقاقات عن النظام هي تطهير، فبالنسبة له كل من يخرج ليس بوطني وهو فاسد وبذلك يتطهر النظام منهم.

  هنا نطرح التسأول التالي هل الانشقاقات عن النظام هي هروب من السفينة وهي تغرق، أم هي صحوة ضمير، او هي كما يدعي رأس النظام تطهير، ام هي دعوة الى رحيل النظام ورأسه، وكل العصابة المحيطة به؟ الحقيقة انها خليط من كل هذا.

    بداية الانشقاقات كانت صحوة ضمير لدى العديد من العسكريين الذين رفضوا قتل ابناء شعبهم فأخذوا ينشقون الواحد تلو الآخر، فالقسم الذي أدوه في الكلية الحربية كان الدفاع عن الوطن وليس عن النظام، وعندما أردهم النظام قتلة للشعب المسالم انشقوا عن هذا النظام الفاسد، ليشكلوا شيئا فشيئا ما يعرف اليوم بالجيش السوري الحر الذي يقاتل هذا النظام.

  في وضع تدميري كالوضع السوري، لابد للكثير من اصحاب المصالح والمستفدين من موائد النظام، سواء أكانوا رسميين ام تجارا ورجال دين ملوثين، ان يقفزوا من السفينة الغارقة، ليلتحقوا باموالهم ومصالحهم، ولن ندخل في لعبة الاسماء لاننا سنذكر البعض وننسى البعض الآخر. هذه الانشقاقت في الحقيقة هي نوع من الهروب الى الامام وقبل ان تكون التحاقا بمصالحهم فالقسم الاكبر منها هو غسل ايديهم من ذنوب النظام، وهو ايضا تخلص من المحاسبة الثورية بعد سقوطه.

  

   عندما أخذ بسمارك يوحد المانيا بالقوة قال كان ماركس عن هذه العملية "بأنه (بسمارك) يقوم بجزء من عملنا" وبالفعل صدق رأس النظام دون ان يدري فبعض الانشقاقات هي تطهير من الفاسدين، ولكنه تطهير ليس كما يفهمه هو بأنهم فاسدون يباعون ويشترون، ولكنهم فاسدون يحاولون الخلاص من المحاسبة، الذي يعرف الجميع بأنها قادمة لا محالة، وبذلك يطهرون المجتمع السوري الذي يشهد مخاضا لبناء دولة الحرية والديموقراطية من الفاسدين الذي افرزهم النظام الطائفي القمعي، وبذلك يقومون بجزء من عمل الثورة السورية.

   يخرج الكثير من المحللين السياسيين، الذين في الحقيقة لا يعرفون تركيبة النظام السوري، وخاصة العسكرية منها، فيتقولون على الفضائيات العالمية، بتحليلات تحاول ان تقلل من هذه الانشقاقات. هذه الانشقاقات سواء الكبيرة منها، مثل كبار الضباط ورئيس الوزراء، او الصغيرة منها كرفض الجندي المقاتل ان يلطخ يديه بدم أخوته في الوطن لصالح النظام، هي انشقاقات هامة ضمن تركيبة النظام.

  هذه الانشقاقات ستزداد يوما بعد اليوم، وكلما ازدادت شراسة النظام الامني ضد الشعب السوري، كلما كان امكانية الانشقاقات أكبر وأكبر، حيث سينشق الكثيرون عندما يشعرون بأن يد النظام لا تطالهم، وهو ما سيحدث قريبا نتيجة فقدان النظام سيطرته على الارض، فلجوء النظام الى استخدام الطيران الحربي هو نتيجة فقدانه السيطرة على الارض، وسياسة الارض المحروقة التي يمارسها هذا النظام الذي هرب من الجولان ليدمر المدن السورية ما هو الا بداية النهاية، فهو بذلك يحاول ان يسابق الزمن ليمنع سقوطه.

   الحراك الثوري في سورية يتسع لكل الانشقاقات، ولكن ليس بالضرورة ان يكون لكل المنشقين دورا في الثورة، فالدور الاساسي هو للقوى الثورية التي تقاتل على الارض، فلهذه القوى القول الفصل من يستطيع ان يلعب دورا ومن لا يستطيع.

   يحاول النظام ان يخيف الشعب السوري بالاسلاميين وبأنهم وحدهم النظام البديل للنظام الاسدي، مغفلين عن قصد دور القوى الديموقراطية السورية التي اضطهدها النظام الاسدي لاكثر من نصف قرن من العسف والقمع والفساد، فهذه القوى موجودة على الارض ولا بد ان يكون لها دور في مستقبل سورية، فالعديد منهم يتحلون بالوعي السياسي الضروري والهام لبناء دولة المؤسسات والقانون لا دولة المزرعة والفساد والطائفية السياسية.

   هذه الانشقاقات هي في الحقيقة بداية الرحيل للنظام الاسدي، وسيأتي اليوم الذي يعرف فيه رأس النظام ومن حزله بأنه لا بد من الرحيل، فيده اصبحت ملطخة بدم الشعب السوري ولن تنفعه الممارسات الطائفية على الارض.