في مشهد التحالفات غير المتوقعة في السياسة الأمريكية، يتصدر إيلون ماسك – الملياردير والرئيس التنفيذي لـ Tesla و SpaceX – كواحد من أكبر داعمي الرئيس المنتخب دونالد ترامب في سعيه للعودة إلى البيت الأبيض. وبينما لم يفصح ماسك علناً عن دوره المنتظر في إدارة ترامب الثانية، ألمح إلى أولويات غامضة أثارت تكهنات حول إمكانية أن يصبح جزءاً من فريق ترامب دون أن يحمل منصباً رسمياً.
في خطاب النصر الأخير، خصص ترامب نحو أربع دقائق للحديث عن ماسك، واصفاً إياه بـ”العبقري الخارق“، مشيداً بإنجازاته في إطلاق الصواريخ وتطوير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية عبر SpaceX. ورغم عدم الكشف عن تفاصيل محددة، تُشير بعض المصادر إلى أن ترامب وماسك قد توصلا إلى تفاهم مبدئي حول دور استشاري مؤثر سيقوم به ماسك، مما يُثير تساؤلات حول طبيعة هذا التأثير المرتقب.
ماسك: المسيرة من زواج إلى آخر وأعلى ثروة في العالم
وُلِد إيلون ماسك في عائلة متعددة الثقافات، وقد عُرف بحياته الشخصية المثيرة للجدل، فقد تزوج تسع مرات وله 12 طفلاً. ترك بصمته الأولى في عالم الأعمال بإطلاق نادي صغير خلال أيام الجامعة، ومع الوقت، نجح في بناء إمبراطورية مالية تجاوزت قيمتها اليوم 304 مليارات دولار وفقاً لأحدث بيانات شبكة فوربس. بهذا الرقم، يعتلي ماسك قمة قائمة أثرياء العالم بفارق كبير عن أقرب منافسيه لاري إليسون، إذ يُشكل حجم هذه الثروة فارقاً كبيراً يسمح لماسك أن يُنفق ببذخ لدعم توجهاته السياسية والاقتصادية.
تمويل ترامب والحزب الجمهوري: هل تتعمق العلاقة؟
خلال حملة ترامب الانتخابية 2024، أنفق ماسك نحو 130 مليون دولار لدعمه ودعم الحزب الجمهوري، مما عزز التحالف بين الاثنين وأثار التكهنات حول نوايا ماسك الحقيقية. وتجلّت طموحاته بشكل أوضح عندما أعلن في يوليو عن فكرة إنشاء “لجنة كفاءة الحكومة” بهدف خفض إنفاق الميزانية الفيدرالية بأكثر من تريليوني دولار. وقد حاز على إعجاب ترامب، الذي لقبه بـ”وزير خفض التكاليف”، رغم تأكيد ماسك عدم رغبته في تولي أي منصب حكومي رسمي، قائلاً إنه “لا يريد أجراً ولا لقباً”، بل يسعى لتحقيق الإصلاح الحكومي فقط.
توجهات ماسك في ظل إدارة ترامب
من الواضح أن ماسك، بعد فوزه بإعجاب ترامب وتقديره، يتطلع إلى تنفيذ رؤيته لإصلاح الحكومة الفيدرالية. ففي إحدى مقابلات البودكاست، أعرب عن رغبته في تقليص حجم الوكالات الحكومية وتقليص صلاحياتها إلى ما أقره الكونغرس، مشيراً إلى “تطهير” اللوائح الفيدرالية من القيود غير المبررة. كما لم يتردد ماسك في تقديم مقترحات جريئة لترامب، داعياً إلى إقالة رئيسة لجنة التجارة الفدرالية لينا خان ورئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة غاري غينسلر، بل وعبّر عن تأييده لدعوات تدعو إلى “تفكيك واشنطن كما نعرفها”.
من اللافت أن ماسك واجه صعوبات متكررة مع الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة بعد فرض غرامة قدرها 150 مليون دولار على منصة X (تويتر سابقاً) بسبب سياساتها في جمع البيانات، فضلاً عن خلافه مع لجنة الأوراق المالية والبورصة حول تغريداته المثيرة للجدل المتعلقة بشركة Tesla. ربما تفسر هذه الخلافات تمسك ماسك بإدارة جديدة تتيح له مساحة أوسع لتطوير شركاته وفق رؤيته.
هل سيتحقق لماسك ما يريد من خلال إدارة ترامب؟
ينظر البعض إلى ارتباط ماسك المحتمل بإدارة ترامب كفرصة له للتخلص من التحديات القانونية التي تواجهه وشركاته. وخلافاً للغرامات السابقة، يواجه ماسك -أيضاً- دعاوى قضائية معلقة تتعلق بمكافآته الهائلة في أسهم Tesla، والتحقيقات في أنظمة القيادة الذاتية، فضلاً عن تحذيرات من وزارة العدل بشأن بعض الأنشطة التي يمولها ماسك في ولايات متأرجحة. هذه التحديات المتزايدة قد تدفع ماسك لاغتنام الفرصة لتأمين نفسه وشركاته في ظل إدارة جديدة صديقة لأهدافه.
المليارديرات والسياسة: تأثير الأثرياء على الواقع السياسي والاقتصادي
في ختام هذه الصورة المتشابكة والمُعقّدة بين السياسة والأعمال، يظل السؤال المطروح: كيف يمكن لنفوذ المليارديرات أمثال إيلون ماسك أن يؤثر على هيكل الحكومة ورفاهية الطبقة المتوسطة والفقيرة؟
إن توجهات ماسك، رغم طموحها، قد تحمل في طياتها تأثيرات اقتصادية واجتماعية واسعة، حيث يُتوقع أن تزداد التباينات الطبقية مع استمرار نفوذ الأثرياء في تحديد مسار السياسة الأمريكية، في حين لم يُدرج مفهوم “الديمقراطية” في دستور الآباء المؤسسين، وكأنّه تحذير من هيمنة المال على القرار السياسي.
الخاتمة:
في ختام هذه التحليلات، تبرز مشكلات متفاقمة تهدد الاقتصاد الأمريكي، حيث يزداد تآكل الطبقتين المتوسطة والفقيرة نتيجة تركز الثروة في أيدي قلة من المليارديرات، الذين يسيطرون على مليارات الدولارات من الناتج القومي. مع تضخم حجم الثروة التي يتحكم بها هؤلاء، تعاني الطبقات المحرومة بشكل غير مسبوق من صعوبة تأمين أساسيات الحياة، وسط جمود الأجور وتزايد تكاليف المعيشة.
وبينما يعوّل البعض على سياسات ترامب لتحفيز الاقتصاد وإحداث تغيير جذري يُعيد الأمل لطبقات المجتمع المرهَقة، تبقى المخاوف قائمة. فشل ترامب في تنفيذ وعوده الانتخابية قد يثير اضطرابات متزايدة، حيث تتزايد التوقعات بحدوث احتجاجات إذا لم تُؤتِ سياساته الاقتصادية ثمارها.
إن الإخفاق في إنعاش الاقتصاد وتحقيق توزيع أكثر عدالة للدخل قد يؤدي إلى توترات خطيرة، خاصة وأن هذه الطبقات المحرومة باتت تشعر أنها لا تحصل على جزء من “رغد الحياة الأمريكية” الذي طالما وُعِد به الجميع.