محاربة الارهاب تقضي بـمحاربة مسبباته بهنان يامين

على هامش الاعتداءات الارهابية على باريس

محاربة الارهاب تقضي بـمحاربة مسبباته 

             

    بهنان يامين جديدةكما كان للاميريكيين ايلولهم الاسود، كان للفرنسيين والباريسـيين منهم تشرينهم الاسود، ففي الثالث عشر من تشرين الثاني من هذا العام، تعرضت العاصمة الفرنسية، باريس، الى هجوم ارهابي، أقل ما يقال فيه بأنه كان مقرفاً، ومقززاً، ومستهجناً، ولا تفي أي تعابير كهذه حق تلك الجريمة النكراء التي استهدفت اناساً ابرياء، كانوا يريدون الاستماع بفنون الحياة والرياضة ومراودة المطاعم الباريسية البسيطة، فاذا بيد الغدر الارهابية تأخذ منهم حياتهم.

   ليس الحدث بحد ذاته مقززاً ومرفوضاً، بل تلك الشماتة التي تجلت عند بعض مريدي النظام الارهابي القابع في قمة قاسيون، وهؤلاء هم من المرهوبين من الاسلام، وما يعرف بالاسلاموفوبيا، التي زرعها في رؤوسهم النظام الطائفي، اللاأخلاقي، والمستبد، ومع الأسف نقول بأن معظم هؤلاء ذوو ثقافة فرنسية، وقد كانوا قبل وقوف فرنسا مع الشعب السوري، في ثورته ضد الطغيان، موالين الى فرنسا، منسجمين مع ثقافتهم الفرنسية، في حين هم الآن يشمتون بمقتل ابرياء، دفعوا حياتهم ثمناً للارهاب الداعشي، الذي، مع ارهاب الدولة في كل من سورية والعراق، يرهب كلا الشعبين العراقي والسوري، والى حد ما الشعب اللبناني، المرهوب من تسلط الارهاب الحالشي، والمشل لكل مرافق الدولة اللبنانية.

   أول ردة فعل لدى الحكومة الفرنسية، كان اعلان حالة الطوارئ، ودخول فرنسا في حرب أكثر جدية ضد الارهاب، وهي محقة بذلك، وكان قصفها للأهداف دقيقاً في مدينة الرقة، المحتلة من قبل داعش، منذ أن سلمها اياها النظام الاسدي، وحسب مصدر موثوق من أهالي الرقة، فأن دقة هذه الأهداف أصابت مراكز داعش، والخسائر المدنية قليلة مقارنة، مع تلك الطلعات الروسية المعتدية التي مجمل ضحاياها من المدنيين، ومن الثائرين على سلطة الطاغية الاسدي.  

   محاربة داعش وغير داعش من قوى الارهاب، لا تتم فقط بتدمير معاقله، وأماكن تواجدها، وقتل عناصرها وقيادتها، لانه قد تفرخ عناصر أخرى أكثر تطرفاً، بل هي تكمن في محاربة الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان، المغرر بهم، الى التطرف. بالطبع لو اردنا ان نفصل الاسباب التي كونت هذا الطرف لكان موضوع كتاب أوأكثر، ولكن من المفيد ان نعدد المكونات التي أفرزت الارهاب المذهبي، الذي اول ضحاياه كما اسلفنا شعوب منطقتنا.

   أهم مكون للارهاب هو الاستبداد وأفرازاته، فالانظمة الاستبدادية، التي تمارس ارهاب الدولة على شعوبها، هي المسبب الاول للارهاب المضاد، الذي ينحى الى التطرف الديني، والذي سنفصله، اكثر في الفقرة التي تتحدث عن الممارسة الطائفية للانظمة القمعية التي لا شرعية لها، الا شرعية العسكر، التي ترتكب كل انواع العسف والإضطهاد. ولقد كشف عبد الرحمن الكواكبي، في خواتم القرن التاسع عشر، بأن الاستبداد هو اصل بلاء الامة، فهو الذي يفرز الفساد، ويفرز الجهل، والتأخر السياسي، والاجتماعي، وينحو بالناس الى التطرف، خاصة عندما تُسخر السلطات المستبدة السلطة الدينية، لتجهيل الناس وزرع المفهوم الخاطئ للدين، لكي يخدم النظام المستبد.

   من إفرازات انظمة الاستبداد، منع الحريات العامة، من حرية دينية أو معتقدية، ومنع نشوء الاحزاب، التي ممكن ان تساهم في خلق الوعي لدى الناس، وهذا المنع يستجر منع حرية الصحافة والفكر، ويخلق مناخاً مواتياً للسلطة الامنية التي تفرض على الشعوب، وفي غياب الوعي، تتحول ردة الفعل الى تطرف يقود الى مآس كالتي نشاهدها في المنطقة، بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام، والتي يكون ضحاياها هم من الابرياء، كما حدث في الضاحية الجنوبية، التي بسبب تهور حزب الله، وقتاله مع الطاغية الاسدي ضد الشعب السوري، اوصل المتطرفين الى تفجيرات، كان ضحاياها اناس ابرياء، كل ذنبهم انهم يسكنون منطقة مرتهنة للحزب الحالشي، الذي هو الوجه الآخر للتطرف الداعشي.

   من افرازات الاستبداد والجهل ايضاً، الممارسات الطائفية التي تمارسها الانظمة الاستبدادية، فالسلطات المستبدة، وهي متواجدة في معظم مناطقنا، تعمل على إعادت احياء الطائفية، التي قد تكون متواجدة في عقول الناس، وتكون ردة فعل الممارس عليهم طائفياً، هو اللجوء الى الطائفة التي ينتمون اليها، وغالباً يكون المُمَارس للطائفية من المكونات الاقلية في المجتمعات، والمُمَارس عليه هو من المكون الاكثري، من الناحية الطائفية، وهذه الممارسة بشكلها البشع، ونعيد لنؤكد بأنه في غياب الوعي، وسيطرة الجهل، يقود الى التطرف الديني. ولنا في نموذج سلطة الاستبداد التي عرفتها كل من العراق وسورية، خلال نصف قرن من الزمن، نموذجاً لهذا التطرف الطائفي.

  ان التطرف، وكما اعترف أخيراً النظام العالمي، المتمثل باجتماع قمة دول العشرين، ليس محصوراً بدين معين او طائفة معينة أو عرق معين، فهو متواجد في كل مكان يكون الاستبداد هو السلطة التي تغذي هذا التطرف. وساعتذر مسبقاُ من القارئ، لاستعمال بعض التعابير الطائفية، فما دفع الكثير من الشباب السني الى الارتماء في احضان التطرف  السُنوي متمثلاً بقوى داعش وجبهة النصرة، هو الشعور بأن الطائفة السنية، التي ينتمي اليها، أكثرية المسلمين، هي المستهدفة، في حين لم ير الغرب، والذين يحاربون التطرف الاسلاموي السنوي، التطرف المقابل المتمثل بالتطرف الاسلاموي الشيعوي، والذي هو بذات البشاعة والذي يجب ان يحارب بنفس الدرجة، لانه ايضاً يحمل فكراً وايديولوجية اسلاموية متطرفة. لا يوجد فرق ما بين داعش وأخواتها، وحالش وأخواتها، فكلا المعسكرين تمارس التطرف، وتظهر لابناء طائفتها بأنهم مستهدفون من المعسكر الأخر، والذي في الحقيقة هو استغلال الدين لتثبيت سلطة سياسية وغالباً يكون الارتهان الى الآخر للحصول على النفوذ، كما هو حال النظام المستبد في دمشق الذي ادخل التطرف الاسلاموي، بشقيه السني والشيعي، وذلك بارتهانه الى النظام الايراني اولاً والروسي ثانياً، وكلاهما سلطة احتلال حالياً لسورية، وهم المتحكمون بالسلطة في سورية، ولم يعد للاسد الابن اي سلطة الا السلطة الوهمية.

  ولو اردنا ان نعدد المزيد من أفرازات الاستبداد، وخاصة الاستبداد الشرقي، والقرو- وسطي، فهو ما لا يتسع له المقال، ولكننا في الخلاصة نقول بأن محاربة التطرف لا تكون بقتل عناصره، بل بالقضاء على مسببه الاساسي الا وهو الاستبداد. اذا اراد العالم ان يحارب الارهاب، فعليه مساعدة القوى الديموقراطية في المنطقة على محاربة الاستبداد وانهاء سلطته، وآن الآوان ان يعرف من يقف مع المستبد، بأن الاستبداد لابد ان يزول وتنتصر ارادة الشعوب في نهاية المطاف.  

 كتبت هذه المقالة في جريدة العرب لوس انجلوس العدد 1151 في 18 تشرين ثاني 2015. ونشرت في كلنا شركاء على الرابط التالي

http://all4syria.info/Archive/271034