نصف قرن من معاناة الشعب السوري مع حزب البعث بقلم بهنان يامين

نصف قرن من معاناة الشعب السوري مع حزب البعث

                                بقلم بهنان يامين

     

بهنان يامين جديدةكان منيف الرزاز، آخر أمين عام لحزب البعث،على صواب يوم عنون كتابه بـ " التجربة المرة" عندما تحدث عن تجربته مع البعث، فبالفعل، عانى الشعب السوري تجربة طويلة ومريرة ومرة  مع حزب البعث العربي الاشتراكي.

     ايام قليلة تفصلنا عن الذكرى الاليمة لتصدي حزب البعث لحكم سورية في صبيحة الثامن من أذار 1963، أي أكثر من نصف قرن من الزمن وهو يحكم عكس إرادة الشعب السوري، بالحديد والنار.

     في صبيحة ذاك اليوم اذيع البلاغ رقم واحد لإنهاء عهد الانفصال، الذي بعد فشل الوحدة المصرية – السورية، حاول ان يعيد سورية الى عهد من الديموقراطية ولو بشكل هيولي، فكان العسكر مرة ثانية بالمرصاد لهذه الديموقراطية الواعدة، اولاً في 28 أذار1962 حيث انقض العسكر مرة أخرى على السلطة عن طريق الضباط الشوام، وحاول كل من الضباط الناصريين والبعثيين استغلال الوضع، فكان تمرد حلب، الناصريون بقيادة جاسم علوان والبعثيون بقيادة حمد عبيد، وكان الفشل هو مصير هذا التمرد، ليعود ناظم القدسي الى سدة الرئاسة مع حكومة مدنية وبرلمان منتخب بشكل شبه ديموقراطي. ما لم يستطع ان يحققه الضباط في هذه الفترة نجحوا به في الثامن من أذار 1963، حيث قام تحالف جديد بقيادة زياد الحريري ومحمد الصوفي ولوئي الاتاسي والضباط البعثيون بحركة انقلابية كان من المفروض ان يحكموا سورية بجبهة سياسية، ولكن البعثيين غدروا بالقوى الناصرية من خلال التضييق عليهم اولاً بتصريحهم من الخدمة وثانياً ليسقطوهم نهائيا في 18 تموز 1963 ويصفوا العديد منهم بطريقة دموية.

   حتى الأن لم يؤرخ أحد لتجربة البعث بشكل علمي وموضوعي، لان تواتر الانشقاقات في حزب البعث ادى ان الواحد اراد طمس الثاني. بالطبع جرت محاولات لكتابة هذا التاريخ، وكانت أطروحة الدكتور مصطفى الدندشلي بعنوان " حزب البعث العربي الاشتراكي، الجزء الاول من عام 1947 -1963"، ولم يصدر الجزء الثاني وباعتقادي لم يصدر لان الكاتب تخوف ان يستمر بهذا التاريخ الاسود. والدراسة الثانية كانت دراسة الرفيق هاني الفكيكي، " أوكار الهزيمة، تجربتي في حزب البعث العراقي" حيث كشف بدقة ان البعث قبل استلام السلطة كان مجموعة من الشلل ولا تستند الا على رومانسية قومجية فارغة، لبعض مقولات ميشيل عفلق وصلاح البيطار وغيرهم من " مفكري" البعث.

   وصل البعث الى السلطة في كل من العراق وسورية، ووضعوا امام حقيقة لم يحسبوا الحساب لها، بأن سيطرتهم على الحكم غير كافية، فلا برنامج سياسي لديهم وكذلك لا برنامج اقتصادي لبناء "دولة البعث" حسب تعابيرهم، فاضطروا الى عقد المؤتمر القطري الثالث ليخرجوا بالبرنامج المرحلي لكلا القطرين العراقي والسوري، وكان اليسار هو المسيطر على المؤتمرين مما اعطى البرنامج المرحلي لمسات واضحة لكل من ياسين الحافظ وجورج طرابيشي بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر الياس مرقص وعبد الكريم زهور عدي وجمال الاتاسي الذي غادر البعث احتجاجاً على الانفراد بالسلطة.

   تلى المؤتمرات القطرية، المؤتمر القومي السادس، الذي كان أطول وأهم مؤتمر يعقده البعث دون ان يكون للعسكر اي دور سياسي، ولكنهم كانوا مستعدين للانقضاض على اليسار البعثي، فكانت احداث تشرين الثاني 1963 في العراق، ليتأمر اليمين البعثي بقيادة حازم جواد على الجناح اليساري بقيادة حمدي عبد المجيد، حيث تم طرد كل قيادة العراق وصفي الحرس القومي بطريقة دموية.

   ما حدث في العراق وانشقاق اليسار البعثي في كل من سورية والعراق ولبنان، دفع الى الواجهة العسكر، وعوضاً عن ان يمسك بزمام الامور الجناح المدني، سيطرعسكر البعث على حزب البعث، في البداية مع امين الحافظ ومن ثم مع جماعة 23 شباط 1966 حيث كانت مرحلة تحويل الجيش من جيش وطني الى جيش عقائدي، فكانت سيطرة صلاح جديد واضحة في اول مرحلة من حكم اللجنة العسكرية بعد تصفية الاعضاء التاريخيين في اللجنة، لتتمحور على الثنائي جديد  – الحافظ، حيث كانت بداية الطائفية في الدولة السورية، حيث اسس حافظ الاسد مع أخيه رفعت سرايا الدفاع، ذات اللون الطائفي الواضح للعيان، لتكون رديفا للجيش في حال لم يستطيع حافظ الاسد السيطرة على الجيش العقائدي، ولكن في النهاية سيطر حافظ الاسد على كل الدولة السورية، حيث كانت بداية الفساد والممارسات الطائفية.

   خلال كل السنوات الطويلة كان الشعب السوري يعاني من القمع والاضطهاد، عن طريق إحكام سيطرة الأجهزة الامنية التي تكاثرت بشكل سرطاني يأكل جسد الشعب السوري. يتحمل البعث مسؤولية قبوله ان يكون واجهة مدنية للعسكر المتسلط على نظام الحكم. وللتاريخ فقد قامت في سورية العديد من الحركات الرافضة التي قضى عليها النظام البعثي بشكل دموي وكانت قمتها في 1982 حيث دمرت حماة على سكانها. استقرت الامور لحكم العسكر والاجهزة الامنية حيث حاولوا ان يدمروا الانسان السوري، ولكن هذا الاخير كان كطائر الفنيق ينتفض ضد هذا النظام الفاشي منذ ثلاث سنوات وهو يقدم الضحايا لتصل الى شكل خيالي واثبت بطولات سيتكلم عنها التاريخ.

  هل يتحمل البعث مسؤولية ما يحدث اليوم في سورية من دماروخراب وشلال دم؟ نعم هو يتحمل جزءً هاماً من المسؤولية، وربما تكون الجزء الاكبر، لأنه كان البغل الذي يقود العربة، بغض النظر عن من يمسك برسن هذا البغل.