بدعوة من وزير الخارجية الايراني الدكتور علي صالحي، عقد في طهران مؤتمرا للحوار، وبعنوان أكبر من حجم المشاركين في المؤتمر، باستثناء القلة القليلة منهم، الا وهو “مؤتمر الحوار الوطني السوري، لا للعنف…نعم للديموقراطية والإرادة الشعبية.” هذا المؤتمر هو نسخة مشوهة لمؤتمر صحارى التشاوري الذي عقد في بداية الاحداث في سورية برئاسة فاروق الشرع.
هذا المؤتمر جاء ردا على مؤتمري المعارضة السورية في العاصمة القطرية، سواء مؤتمر إعادة الهيكلة للمجلس الوطني السوري، او مؤتمر أئتلاف القوى المعارضة. لقد حشد النظام القاتل وشريكه الايراني مجموعة من الافراد بحجة الحوار ما بين النظام والمعارضة، بالطبع هذه المعارضة هي تلك التي خلقتها الأجهزة الأمنية، لتواجه بها القوى المعارضة الفعلية سواء تلك التي في الداخل او الخارج.
المطلع على التصريحات والكلمات التي القيت في هذا اللقاء، يرى فيها ذات المقولات التي يقول بها النظام، حيث بالنسبة لعمر اوسي، هو رد على ” المؤامرة الكونية” ضد النظام السوري، هي ذات الخطاب الخشبي الذي خاطب به نظام صدام حسين البائد، قبل سقوطه، ولن نتحدث بالطبع عن كلمات قدري جميل بيك، او زميله وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، او شريف شحادة وخالد عبود وغيره وغيره من طبول النظام.
الكلمة الوحيدة الجادة في هذا المؤتمر كانت لنيافة المطران يوحنا ابراهيم مطران حلب وتوابعها للسريان الاورثوذكس، وهي الكلمة التي وضعت اليد على الجرح النازف في سورية منذ اكثر من سنة وعشرة أشهر، حيث أشار نيافته بأن ” لا يرى المخلصون من أبناء شعبنا بديلاً عن المواطنة كسقف يستظل تحته كل المواطنين، لهذا فثقافة المواطنة وترسيخها في أذهان السوريين هي الخطوة الأولى للإنطلاق لبناء الوطن وتحصينه من كل الثغرات ليواجه التحديات مهما كانت خلفياتها، والمواطنة تشعر المواطنين السوريين بأنهم متساوون أمام القانون، ويضمن الدستور لهم حقوقهم كاملة وهم يدركون واجباتهم على أكمل وجه، ولا فرق بين المواطنين مهما كانت خلفياتهم سواء كانت اثنية أو لغوية، ثقافية أو دينية. ”
بالطبع سبق هذه الكلمات التي تعبر واقعيا عن الارادة الشعبية لمجمل مكونات الشعب السورية، رفض نيافته للعنف وتأكيده على الديموقراطية، وهو ما تقول به كل القوى المخلصة للوطن السوري.
لا للعنف، نعم، ولكن هل يوقف النظام البائد والآيل الى السقوط عنفه المعربد ضد الشعب السوري البطل، حيث اصبح الدمار أشبه بالدمار الذي خلفته الحرب الأهلية الاسبانية في نهاية ثلاثنيات القرن المنصرم. هذا النظام لا زال يعتقد بأن الحل الأمني هو الحل الوحيد الممكن للقضاء على ” المؤامرة الكونية ” ضده. لم يشبع هذا النظام الدموي، لما يقارب العامين من الثورة من دم الشعب السوري، ومجمل من أرهق دمه كان من الناس البسطاء والابرياء الذين رفضوا ان يبقوا مذلولين لأبد الأبدين، بل أرادوا الحرية والكرامة للوطن السوري. فالذي سبب كل هذا الفوضى هو خطأ النظام، باعتماده الحل الأمني كوسيلة وحيدة لحل الازمة، حيث لم يفهم الشعار العفوي الذي رفع في سوق الحريقة بدمشق ” الشعب السوري ما بينذل،” بأنه كان شعارا شعبيا بامتياز يعبر عن بداية تململ شعبي ضد نظام أذل الشعب السوري منذ ما يقارب النصف قرن.
نعم للديموقراطية، لا أحد يمكن أن يرفض هذا الشعار الا النظام، الذي عوضاً عن ان يلتفت الى الاصلاح الفعلي والحقيقي، فاذا به يثبت هذه الديكتاتورية ويقوننها من خلال دستور مشوه، وضع السلطات الثلاث في يد رئيس الجمهورية عوضا عن دستور، تسوده العدالة الاجتماعية ومفهوم المواطنة والذي هو جل طموحات الشعب السورية البطل.
وضع نيافته أربع نقاط تستحق ان تكون أجندة لاي تفاوض، من هذه النقاط نقطة هامة الا وهي “ الدعوة إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية تضمن حقوق جميع المشاركين ومن كل الأطراف من الوطن وخارجه دون أي إستثناء، ووضع أجندة مدروسة تكفل إعادة الثقة بين كل المواطنين من جهة، وبينهم وبين الوطن من جهة أخرى.” ونؤكد هنا مع نيافته، على مبدأ المفاوضة لا الحوار، لان الحوار لم يعد ممكنا، لمرحلة انتقالية تدخلها سورية حيث يبدأ العمل الفعلي، لبناء الدولة السورية التي بدأت في خمسينات ما بعد الاستقلال، ليجهضها العسكر تحت شعارات رنانة، أوصلت الوطن السوري الا ما وصلنا اليه.
آن الآوان ان يفهم هذا النظام بأنه قد انتهى وباستمراره بالعنف يدفع الى عنف مضاد، يقود الى تطرف ليس من سمات الشعب السوري، وبأن الحل الوحيد هو رحيله لإرساء الدولة الديموقراطية الفعلية حيث مبدأ المواطنة هو السائد وهو الحل الوحيد لكل المشاكل التي تراكمت لقرون، والذي زاده الطين بلة الحكم الديكتاتوري، الذي أثقل كاهل الشعب السوري بالعديد من المشاكل لا يعرف الكثيرون كيف ستحل.