الحوار في قضية الأقليات عموماَ يجب أن يأخذ بالحسبان المشهد السياسي الراهن بمكوناته الوطنية, والإقليمية, والكونية, ومن ثم ينأى عن رصيد المشاحنات التي تسببت في تشويه العلاقة بين الأكثرية والأ قليات جراء سياسات الإستبداد من جهة والتدخلات الخارجية من أخرى وسوء أوشوفينية الطرفين في التعاطي السياسي والآيد يولوجي مع القضية من جهة ثالثة .
ولكي يعبر الحوار في القضية عن استحقاق وطني، يتوجب عليه أن يأخذ مشروعيته من واقع التعدد الراهن بكل مكوناته, بالتضاد مع عموم أشكال الوعي الزائف لدى ألأطراف التي تنظر إلى حالات التعدد؛ والإختلاف؛ والتمايز؛ سمات حرب.
حوارُ …تأخر الوعي السياسي لدى الجميع عن التقاط أهميته كرافعةِ لعملِ وطني جامع؛ فيما أفضت تنامي آليات الإقصاء المتبادل إلى ما كنا عليه في السابق من تراجع الحراك الوطني الديمقراطي… وإلى انفضاض الشعب عن الإهتمام بالشأن العام … وإلى إنقضاض السلطة على الدولة؛ ومؤسسات المجتمع المدني مما أدى إلى إنهيار الدولة كإ طار للعمل الوطني الجامع ــ الضام .
والحديث عن الأقليات ليس حديثاً عن جزء من الأمة كما توحي التسمية؛ بل هو حديث عن الأمة ذاتها، لأن الأمة في وحدتها العامة عبارة عن تناغم جملة من الوحدات تشكل كل وحدة فيها على حدة أقلية ويرتدي تمايز بعضها عن بعض طابعاً منطقياً؛ ووطنياً؛ ووحدوياً .
والقضية ـــ المشكلة لاتبدأ من هنا: من واقعة التعدد، والإختلاف، والمغايره … إنما تبدأ عندما تسلك الأغلبية مسلكاً لا وطنياً، فتتحول من الأغلبية الأمة، الى الأغلبية الطائفة … أو … عندما تمارس الأقلية، أقلويتها، لا وطنيتها .
والأقليات في سوريا إلا بعضها ( كالأرمن والشيشان )، ليست جسماً غريباً في خاصرة الوطن إنها من صلبه، ووجودها قديم وتاريخي، وأقدم من العرب والإسلام، ومشاركتهم عبر كل العصور، وعلى مختلف الصعد، محمود ومشكور منذ فجر الاسلام وحتى يومنا هذا …
والحال… إن عدم اعتراف الأكثرية بحق الأقليات في المواطنة المتساوية …لهو إشكالٌ [[[ أكثروي ]]] لأنه: إذا لم تستوعب الأكثرية وجود أقلية ما في صفوفها، وتعمل على صون حقها في المواطنة الكامله من دون نقصان، تكون هذه الأكثرية قد استنفذت شــرط وجودها كأكثرية معافاة الى أكثرية مريضة .
ومن الطبيعي في هذه الحالة، أن يكون المزاج الأقلوي ميالاً الى معانقة همه الخاص على حساب الهم الوطني العام، وقد يجنح في ظروف مؤاتية الى إشهار انفصاله عن الوطن الأم .
في القضية الكردية
1 ـــ ليست القضية الكردية كقضية أقليات إستثناءَ لا في بلدنا، وتاريخنا، ولا في البلدان الأخرى والتاريخ البشري عموماَ … فعبر الإنتقال التاريخي للبشر من مرحلةِ الى أخرى؛ ومن طورالى آخر…كان التنوع، والتداخل، والدمج، والصهر، سمةُ من سمات نشوء, وتموضع البشر على الجغرافيا، ومن أهم عناصرالتداخل إضافةَ الى الإنتقال الطبيعي للبشرعبر الجغرافيا المفتوحةَ كانت: [أعما ل الغزو … والقرصنة… وتجارة الرقيق… ومن ثم، قيام الإمبراطوريات، وانحسارها، وما استتبع ذلك من أعمال الضم للبشر والجغرافيا معا] من أهم عوامل التداخل الإثني .
ومع نشوء الدول الحد يثة انتهت تماما موضوعة الصفاء العرقي، أو ما شابه وباتت الدولة الوطنية – الدولة الأمة على مدى القارات الخمس غاية في التنوع ولا يزال قائماَ الى اليوم من خلال هجرة الأفراد والجماعات من الجنوب الى الشمال … غير أننا لا ننسى، أو نتجاهل أن قضية الأقليات في بلدنا، وبلدان الجوار، وفي عموم بلدان الشرق هي قضية ساخنة فيما هي ليست كذلك في الغرب رغم أن عدد المهاجرين له من جنسيات مختلفة تفوق الواحدة منها عدديا أكبر مما هو لدينا، ما يعني أن ثمة تشوه ما في محل ما للتعامل مع القضية .
لاشــــك… أن ثمة اضطهاد يطال الجميع في بلدنا، ويطال الأكراد بشكل خاص دون سائر الأقليات، غير أنه من الخطأ توصيفه ب (القومي) بوصفه تخطى الجسد الاجتماعي والسياسي للأقليات نحو الجسـد الوطني ككل، ليفصح النظام عن كونه بنية أمنية مغلقة يمتح شرعيته من تغييب الدولة الوطنية – دولة الحق والقانون، والكل الوطنـــي …….. إن الخلط بين السياسي والقومي في موضوعة الاضطهاد وتقديم القومي على السياسي، والعمل بمقتضياته؛ أفرغ ويفرغ نضال الأكراد من مضمونه الواقعي؛ قادها سابقا، وقد يقودها لاحقاً الى رهانات يضر بوجودها الوطني والوطن بشكل عام .
2 – ثمة جدلُ ســاخنُ ولا يزال بين المتشيعيين العرب والكردعلى الســـواء [أنظر مجادلات سهبل زكار مع عبدالحميد درويش] حول ما اذا كان الوجود الكردي في سوريا حديثا دخيلا، أم تاريخيا…؟ وفيما نحن على خلاف تام مع كلا وجهتي النظر، فإننا لا نجادل اطلاقاً في حق المواطنة الكاملة، والمتساوية لعموم الأقليات بصرف النظرعن تاريخ تواجدهم، وعددهم، فسواءً كان الكرد أوغيرهم من الأقليات لايشكلون سوى واحدا بالمائة من عموم الشعب فإن حقهم في المواطنة المتساوية والمتمايزة حقُ يفرضه الوجود الواقعي على الأرض .
إن اللجوء إلى العدد والتاريخ والجغرافيا لإثبات حق المواطنة تبعد الجميع عن القبض على الثوابت الوطنية لتصريف الشأن العام .
3ـــــ يتطلع عموم الأكراد لبناء دولتهم القومية سواء أضمروا هذا الميل أم أفصحوا عنه، وهذا شأنهم، غير أن الإضمار في حد ذاته إشكالية تطيح بمصداقية خطابهم، ومشروعهم، وتحالفاتهم ويدفعهم إلى عدم التدقيق في صواب الوسائل والظروف كتحبيذهم لمشروع الشرق الأوسط الجديد على خلفية إمكان الظفر بكيان قومي لهم من خلال صياغة خارطة المنطقة على نحو جديد؛ من غير التدقيق في نتائجه الكارثية على المنطقة والعالم أجمع؛ فيما الأمر برمته يمثل حالة هروب من الواقع إلى الحلم… ومن الوطنية إلى القومية… التي جربتها بعض القوى والنظم العربية وأخفقت في تحقيقه… والأكراد يتخوفون من الوحدة العربية ويرون فيها تهديدا لوجودهم القومي؛ ففي العراق أصرالأكراد شطب عبارة: العراق جزء من الأمة العربية…وفي سوريا يطالبون بشطب عبارة(العربية) دستوريا من التعريف بها كدولة!؟…. أوليس هذا من المستغرب؟! … هم يطالبون كأقلية بكيان قومي لهم، وينكرون على العرب وحدتهم وهويتهم القومية ..!
إننا نظن أن الموقف السلبي للأكراد من الوحدة القومية للعرب ناتج عن سوء فهم لمفهوم ومضمون ُ[الدولة القومية] الذي يتساوى فيه لديهم عن خطأ، مفهوم الدولة القومية مع العنصرية والشوفينية في حين أن الدولة القومية هي هوية لكل دولة من دول العالم بإزاء الخارج، فيما هي على الصعيد الداخلي دولة لجميع مواطنيها … والهوية الوطنية في إطارها الواقعي هي : شكل العلاقة بين المواطن والدولة؛ مؤخراَ … وإثر تشكيل المجلس الوطني الكردي، وانسحابهم، أو تجميد عضويتهم من كافة أطر العارضة العربية؛ برز خطابهم المضمرإلى العلن في المطالبة بضمانات موثقة من المعارضة والمجتمع الدولي حول نصيبهم من الكعكة السورية فيما بعد سقوط النظام .
ورغم الضمانات الوطنية التي أعطيت لهم من هذا الفصيل أو ذاك من المعارضة والتي تضمنت المساواة التامة لجميع المواطنين في اطار وحدة البلاد؛ فإن اعتذارهم عن المشاركة في المجلس الوطني السوري بحجة، عدم تبني المجلس لمطالبهم المشروعة تكشفت عن مغالطات لم نكن نتمى لها أن تبرز الآن، والقتلى … والمعتقلين … والمشردين … والجرحى من اخوانهم في الوطن بعشرات الآلاف … ولو كانوا منصفين لأنفسهم وللثورة معا لقدموا أولية شعار الخلاص من الاستبداد الذي هو الهدف المشترك، والعام ، على سواه من الشعارات وبعد ذلك لكل حادث حديث .