قد نجهل تاريخ بلادنا ؟ قد لا نعرف إلا قليل القيل عن الأحداث السياسة التي مرت على بلادنا. قد نجهل تاريخ رجال أشداء كتبوا مسيرة حياتهم بالعرق والدم ليحيا الوطن عزيزا كريما. قد نجهل واحدا من هؤلاء الرجال، انه سعيد اسحق البرلماني العربي السوري، ورئيس سوريا المسيحي.
المولد والنشأه :
هو سعيد اسحق المقدسي تعود جذوره إلى عشيرة تغلب، مواليد عام 1902 في مدينه ماردين، وهو مسيحي من طائفة ( السريان الارثوذكس )، تعلم في المرحلة الإعدادية القرآن الكريم , وأركان الإسلام ومبادئه، وأتقن اللغات التركية والكردية والسريانية إضافة إلى لغته الأم العربية، وتبحر في علوم الدين فكان ذو باع في الديانات السماوية الثلاث تنقل في العمل لكسب لقمه العيش في أماكن عده نتيجة الظروف السياسية التي كانت تعصف بالبلاد آنذاك إلى أن جاء عام 1928 حيث دخل مجال العمل السياسي حين انتخب رئيسا للمجلس البلدي في مدينه عامودا، ومن ثم رشح نفسه للمجلس النيابي عام 1932 ففاز بالنيابة عن مناطق الحسجة والقامشلية والدجلة، كما انتخب عضوا لمكتب المجلس النيابي ( أمينا للسر) كما نجح في انتخابات عام 1936 عن منطقة الجزيرة , وأيضا كان عضوا في مجلس عام 1943 وفاز بمنصب المراقب حيث نال حينها 83 صوتا من اصل 120 مقترعا وذلك في آب من عام 1943, وعام 1949 فاز عن قضاء القامشلي وانتخب بتاريخ 12 كانون الأول 1949 مراقبا للجمعية التأسيسية والتي تحولت إلى مجلس النواب وانتخب بتاريخ 1-10-1951 نائبا لرئيس مجلس النواب،وكان أيضا نائبا لرئيس مجلس النواب في مجلس 1953، وخرج من الساحة السياسية بعد مجلس عام 1953 .
كيف أصبح رئيسا للجمهورية :
قدم حسن الحكيم رئيس وزراء سورية ( 9 آب 1951 – 28 تشرين الثاني 1951 ) استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية آنذاك هاشم الاتاسي نتيجة أزمة سياسية مع المجلس النيابي , الذي كان يرأسه ناظم القدسي ونائبه سعيد اسحق,فقام رئيس الجمهورية بمشاوراته مع الكتل البرلمانية لتكليف رئيسا للحكومة فاستقر الرأي على المرحوم معروف الدواليبي فشكل حكومته بتاريخ 28 تشرين الثاني عام 1951 ( استمرت هذه الحكومة أربعه أيام فقط أي لغاية 1 كانون الأول 1951) وفي هذا الصدد يقول كتاب( مذكرات النائب المجاهد سعيد اسحق) صادر عن دار آل سعيد قدم له عيسى فتوح : ( بما معناه ) لم يكن رئيس الحكومة الدواليبي على وفاق مع ضباط الجيش، فاجتمعوا برئاسة رئيس الأركان العقيد أديب الشيشكلي ورفضوا هذه الحكومة التي شكلها الدواليبي، وبعد منتصف الليل تم اعتقال رئيس المجلس النيابي ناظم القدسي والوزراء ورشدي كيخيا زعيم حزب الشعب وعدد من النواب وأودعهم سجن المزه، وبعد يومين قدم رئيس الجمهورية هاشم الاتاسي استقالته إلى سعيد اسحق النائب الأول لرئيس المجلس النيابي وذلك بتاريخ 2 كانون الأول من عام 1951. وتتابع مذكرات النائب اسحق القول : وهكذا وبموجب الدستور، وبما أنني أصبحت رئيسا للمجلس النيابي. بعد أن كنت نائبا أول للرئيس، وبما أن الدستور ينص أن يتولى رئيس المجلس النيابي رئاسة الجمهورية بالوكالة، فقد أصبحت مكلفا بتسيير أمور رئاسة الجمهورية إلى حين انتخاب رئيس جديد، ولكن بعد انتهاء الدوام الرسمي من يوم 19 كانون الأول سنة 1951اصدر الجيش البلاغ رقم ( 1) من الإذاعة السورية بتعطيل الدستور، وحل المجلس النيابي، وتعيين الزعيم فوزي سلو رئيسا للحكومة، ثم صدر مرسوم بتشكيل الوزارة، وانتهاء العمل بالدستور المعمول به في البلاد .
وهكذا نستطيع القول حسب مذكرات النائب سعيد اسحق التي أعدها وقدم لها عيسى فتوح، أن رئيس الجمهورية آنذاك المرحوم هاشم الاتاسي قدم استقالته، وبما ان رئيس المجلس النيابي المرحوم ناظم القدسي قيد الاعتقال، فقد تولى المرحوم سعيد اسحق النائب الأول لرئيس المجلس النيابي رئاسة الجمهورية السورية (بالوكالة) اعتبارا من 3 كانون الأول 1951 لحين إصدار العقيد أديب الشيشكلي رئيس الأركان ورئيس المجلس العسكري البلاغ رقم -1- بتاريخ 19 كانون الأول 1951 بتعطيل الدستور وحل المجلس النيابي، وتعيين الزعيم فوزي سلو رئيسا للحكومة .
وبذلك يكون سعيد اسحق المسيحي من طائفة، السريان الأرثوذكس، قد استلم رئاسة الجمهورية السورية لمدة سبعه عشر يوما.
هل حقا كان اسحق رئيسا للجمهورية :
نعم لقد كان سعيد اسحق رئيسا لسورية بالنيابة ولكن لمده لاتزيد عن ال 24 ساعة، وليس كما ورد في الكتاب الذي أعده عيسى فتوح لمدة سبعه عشر يوما.
ولنعود إلى تلك الفترة لنقرأ انه تم تشكيل حكومة حسن الحكيم بموجب المرسوم التشريعي رقم 1191 بتاريخ 9-8-1951 الصادر عن رئيس الجمهورية هاشم الاتاسي، استمرت هذه الحكومة قرابة الثلاثة اشهر، عاشت بعدها البلاد في أزمة وزارية لمده 19 يوما، ثم كلف معروف الدواليبي بتشكيل الوزارة التي أعلنها يوم 28 تشرين الثاني 1951، ولم تنل هذه الحكومة ورئيسها رضا الجيش الذي قام يوم 29 تشرين الثاني 1951 باستلام زمام الأمور، وقدم الدواليبي ( شفهيا ) للسيد رئيس الجمهورية هاشم الاتاسي استقالة حكومته بتاريخ 1 كانون الأول 1951، وكلف حامد الخوجه بتشكيل الحكومة، فلم يفلح في ذلك وبتاريخ 2 كانون الأول قدم رئيس الجمهورية هاشم الاتاسي استقالته للمرحوم سعيد اسحق النائب الأول لرئيس مجلس النواب كون رئيس المجلس ناظم القدسي رهن الاعتقال، وسجلت هذه الاستقالة في ديوان مجلس النواب برقم 177 تاريخ 2-12-1951، وفي نفس اليوم (2 كانون الثاني ) صدر الأمر العسكري رقم ( 1) عن رئيس الأركان العامة رئيس المجلس العسكري الأعلى العقيد أديب الشيشكلي، ونص في مادته الثالثة : ينشر هذا الأمر العسكري ويبلغ من يلزم لتنفيذ أحكامه، كما صدر في نفس اليوم مرسوم رقم ( 1) عن رئيس الأركان العامة رئيس المجلس العسكري الأعلى العقيد أديب الشيشكلي، حل بموجبه مجلس النواب، واشترط في مادته الثانية النشر ثم التبليغ ( الجريدة الرسمية العدد 55 تاريخ 3 كانون الأول 1951) .
وقد ورد في الدستور السوري الذي كان قائما آنذاك في مادته السابعة والثمانين : يمارس رئيس مجلس النواب صلاحيات رئيس الجمهورية حين لا يمكنه القيام بها وفي حالتي الوفاة والاستقالة يجتمع مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية جديد أما إذا كان مجلس النواب منحلا أو بقي لانتهاء ولايته اقل من شهرين فان رئيس المجلس يستمر في ممارسة الصلاحيات المذكورة .
وإزاء ذلك أرى أن المرحوم سعيد اسحق كان رئيس للجهورية السورية بالوكالة أو النيابة لمده لاتزيد عن أل 24 ساعة، كون معروف الدواليبي شكل وزارته يوم 28 تشرين الثاني، ويوم 29 تشرين الثاني استلم الجيش زمام الأمور واعتقل رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب . ويوم 1 كانون الأول قدم الدواليبي استقالته من سجن المزه، وتبعه رئيس الجمهورية يوم 2 كانون الأول، وفي نفس اليوم ( 2 كانون الأول ) صدرت المراسيم التشريعية بحل المجلس النيابي واستلام الشيشكلي مهام رئاسة الدولة بشرط نشر المراسيم ومن ثم تنفذ، وبما أن هذه المراسيم نشرت بتاريخ 3 كانون الثاني في الجريدة الرسمية بالعدد رقم ( 55 ) فان الفترة الزمنية بين صدور المراسيم ( 2 كانون الأول ) ونشرها ( 3 كانون الأول ) كانت سورية بولاية رئيس الجمهورية سعيد اسحق النائب الأول لرئيس مجلس النواب .
وإزاء ذلك أرى ان سعيد اسحق البرلماني العريق القادم إلى دمشق من ماردين، المسيحي الديانة ، العروبي الانتماء،الوطني إلى حد الإدمان كان يوما من الأيام رئيسا للجمهورية السورية لمده يوم واحد.