جامعة حلب … جامعة الشهادة والحرية بقلم بهنان يامين

جامعة حلب … جامعة الشهادة والحرية

                                                  بقلم بهنان يامين

3 بهنان يامين

    ما حدث الاسبوع الماضي من قصف صاروخي، لجامعة حلب من الصعب تصنيفه، فهو خليط من التصنيفات، فإن صنفناه بالجريمة فلقد ظلمنا الجريمة، وإن صنفناها بالعمل اللا أخلاقي فلن يفي هذه العمل هذه الصفة، وان صنفناها بالعمل الأرعن فالرعونة قليلة عليه، انه كل هذه الصفات مجتمعة واكثر، انه عمل حقير من نظام، دعى شباب وشابات سورية، وهم أعمدة مستقبل إعادت إعمار سورية المستقبل، ليقوم بقصفهم بطريقة همجية وبربرية، ليسقط الشهداء دون اي تمييز بين طوائفهم او دياناتهم، حيث اختلط دم الاساتذة وطلبتهم ليعمدوا جامعة حلب بجامعة الشهادة، بعد ان نالت، في منتصف الاحداث، لقب جامعة الحرية.

   عَرفت جامعة حلب طالباً، عام 1969 في كلية الآداب، لأتخرج منها عام 1973، حيث انتقلت اليها مدرسا للغة الفرنسية كلغة ثانية، في قسم اللغة العربية والانكليزية. بالطبع كنا كطلبة، شهودا على الحركة التي سميت زورا وبهتانا بـ "التصحيحية" بقيادة وزير دفاع هزيمة حزيران عام 1967 حافظ الاسد. إثر الحركة "التصحيحية" هذه، قامت جبهة "الاحزاب الوطنية والتقدمية"، يومها كان من أهم بنودها منع العمل السياسي بين الطلبة والجيش.

   هنا كانت بداية مشكلة بعث "الحركة التصحيحية" مع جامعة حلب، ففي عام 1972 جرت انتخابات طلابية، وحاول النظام الأسدي ان يستفتي قوة بعث "الحركة التصحيحية" بين طلبة جامعة حلب، ولكن خاب أمله فلقد سقطت معظم لوائح البعث والاحزاب المتحالفة معه، لتفوز قوائم القوى الناصرية، ما عدا بعض الاختراقات البسيطة للبعث، وكنت شخصيا  من الفعالين في هذه الانتخابات، حيث دعمنا كحزب القوى الناصرية.  عندها قام البعثيون بالانقلاب على هذه القوى في انتخابات المؤتمر العام للاتحاد الوطني لطلبة سورية، وقد شارك سمير التقي في هذه الانقلاب ليرشح بعض المجموعات "اليسارية" لتحل محل القوى الناصرية، يومها نجحت هذه القائمة بالتزوير وسيطر البعثيون على المؤتمر العام الذي انتحب حامد حسن رئيسا له.

  من يومها والبعثيون، وأجهزتهم الأمنية، يناصبون جامعة حلب العداء المستميت. عام 1980 دعت النقابات المهنية في حلب الى الإضراب العام، بعد ان انهزم البعثيون في مجمل الانتخابات المهنية، هنا كشفت الاجهزة الحزبية والامنية عن انيابهم، وأخذوا يعتقلون كل القيادات المهنية، وكان بالطبع للقوى الطلابية في جامعة حلب الحصة الأكبر، وكان للعديد من رفاقنا في حزب العمال الثوري العربي نصيباً من هذا الاعتقال، حيث قضى اغلبهم من 4 الى 17 عاماً، وبالطبع شمل الاعتقال كل القوى الديموقراطية، التي قضت ايضا سنوات طويلة في سجون صيدنايا وتدمر وعدرا. تناول حافظ الاسد الحدث في خطاب هستيري عام 1980، حيث هاجم  الاستاذ عبد المجيد منجونة، الذي قضى عشر سنوات في السجن، كون القوى الناصرية قد شاركت بكثافة في حراك 1980. يومها لم اعتقل لكوني كنت أقوم بخدمة العلم، واعتقالي سيشكل مشكلة مع جهاز الأمن العسكري، لانهم في الحقيقة لا ينسقون مع بعضهم البعض.

   نتيجة هذا الحراك، وضع البعث زبانيته على ابواب الجامعات، حيث كان هذا الحرس الجامعي ، ورديفه الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وفرع البعث في جامعة حلب يتسلح، من اجل اشاعت الفساد في هذه الجامعة، حيث كانت النجاحات لهذه القوى تتم بالقوة المسلحة والضغط المخابراتي و الدورات المظلية والرشوات وحدث ولا حرج.

  عندما بدأ الحراك الثوري، كان الجميع يستغرب عدم مشاركة حلب في هذا الحراك، ولكن سيطرت شبيحة ما عرف بـ " اللجان الشعبية،" بزعامة المهرب زينو البري، على الشارع في حلب وخاصة الجامعة، منع الجماهير الشعبية والطلابية من المشاركة في التظاهرات المنادية باسقاط النظام الديكتاتوري ورأسه.

     في مطلع العام الثاني تحركت القوى الطلابية في جامعة حلب بشكل كامل لم تسبقها  اليه باقي جامعات سورية، يومها، وبسبب قوة الحركة الطلابية المناهضة للنظام، اضطرت ادارة الجامعة الى تعليق التعليم وقام الشبيحة والاجهزة الامنية الى شن هجوم ساحق على المدينة الجامعية، حيث تم الانتقام من الطلبة المتظاهرين، بشكل بربري، حيث حرقت مهاجع الطلبة، وتم اعتقال مئات الطالبات والطلبة.

   اليوم يقصف النظام هذه الجامعة انتقاما من طلبتها وطالباتها واساتذتها، الذين رغم الصعوبات يصرون الى الذهاب الى الدراسة والامتحانات، لان الجامعة في حلب هي النقطة الوحيدة المضيئة في ظلام الاوضاع الرديئة التي تعيشها حلب الشهباء، مدينة سيف الدول الحمداني.

   اذا اضفنا بربرية الإعتقالات والحرائق في المدينة الجامعية، والقصف الهمجي البربري الاسبوع الماضي، فان حلب تستحق ان تكون جامعة الشهادة والحرية في سورية بامتياز، حيث صبغ الدم الطاهر والبريء الكراريس والكتب، ليكرس العلم في معمودية  الدم النار.