انتخابات مجلس الشعب الحالية.. خطوة اخرى خارج الزمان و المكان .. بقلم: عبد الكريم أنيس

انتخابات مجلس الشعب الحالية.. خطوة اخرى خارج الزمان و المكان ..

بقلم: عبد الكريم أنيس

 

أحاولُ رسْمَ بلادٍ

 لها برلمانٌ من الياسَمينْ.

 وشعبٌ رقيق من الياسَمينْ.

 تنامُ حمائمُها فوق رأسي.

 وتبكي مآذنُها في عيوني.

 نزار قباني……………….

تتناثر الإعلانات الطرقية عن انتخابات مجلس الشعب بطريقة تعتمد الإبهار البصري. وتتشابك وتتنافس العبارات والشعارات بطريقة استعراضية أول ما يربطها العقل في لا وعيه بالسوق و اعلانات الحفلات بالمطاعم، حيث يتبارى الباعة بالدعاية ومديح بضاعتهم التي ربما لا تساوي حجم ما ينفق عليها من دعايات لترويجها.

 ويلاحظ بشكل عام أنه كلما كانت البضاعة رديئة كلما احتاجت لدعاية تخدع البسطاء فتسيطر عليهم عن طريق سيل من الوعود وتجميل ما هو قبيح أو ما لا يمكن تسويقه إلا عبر المبالغات. وقد عودتنا الحملات الإعلانية الضخمة أن من يتعمدون إظهار الشعارات البراقة التي تغرق المشاهد بالتدليس يعتمدون على آلية السيطرة البصرية أو السمعية على ذهنية المجتمع وذلك عن طريق التكرار وخصوصاً في مجتمع يغيب عنه الرقيب الفاعل والمحاسب الحقيقي حول مضامين هذه البضائع سيما الفكرية والانتخابية منها. وعليه لا يمكن للابتسامات العريضة التي أصلحها برنامج الفوتوشوب أن تخفي ما افسده الافساد الممنهج حتى في عملية الاختيار للبضاعة!!

 تقول الإعلامية سميرة مسالمة على جدار صفحتها بالفيس بوك بشأن أحد الديناصورات التي استوطنت مجلس الشعب مرشحاً نفسه من جديد: عندما يرفع أحد أكبر الفاسدين والمفسدين شعار مكافحة الفساد في حملته الانتخابية لعضوية مجلس الشعب فهل نتوقع أنه يعلمنا عن نيته بالانتحار؟

 أما بخصوص الانتخابات فإن فئة متزايدة باضطراد من الشعب السوري ترى أن انتخابات مجلس الشعب، منذ أن صادره نظام البعث، ما هي إلا مسرحية سئموا تكرارها على مسمعهم ومشهدهم كل أربع سنوات، في إعلان واضح وصريح عن عبثية هذه المجالس واليأس منها، حيث أنه قد تختلف فيها بعض الوجوه والتفاصيل ولكن النتيجة كانت دوماً واحدة  ثلة من الـ(دبيكة) والمصفقين الذين يتميزون بقدرة فائقة على تحمل التصفيق لمدد قياسية.

 يتساءل آخرون عن جدية أية انتخابات في حين لا يزال الوضع الداخلي في حالة مريعة من التفكك, والدماء لا تزال تسيل في الشارع، حتى أن بعض المحافظات الثائرة تتساءل عن وضع الانتخابات التي تجري على قدم وساق في الجمهورية الشقيقة وكأنهم ليسوا من أهل البلاد!!! ألا يستحق بعض اخوتنا في الجمهوريات الشقيقة من حزب المعتقلين, الذي لا يقل الحد الأدنى لعدد الأعضاء فيه عند التأسيس عن 1000 من أكثر من نصف المحافظات و هم ليسوا معتقلين على أساس ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون، ان يكون منهم مرشحين!!

 آخرون مهتمون فقط بالكيفية التي سينظفون بها الجدران ، كون الانتخابات خارج اهتماماتهم تماماً، وقد عجزت البلديات عن أن تجعل لمثل هذه (المواسم) أماكن مخصصة لإعلاناتها. ويتساءلون عن ماهية هؤلاء المسؤولين الذين بدأوا أول ما بدأوا بمخالفة القانون من حيث السماح لصبيتهم بأن يشوهوا الجدران؟

يلاحظ أن غالبية المترشحين هم ممن والى النظام في الاعتداء على التظاهرات بكل وحشية ودفع الشارع للعنف ( شبيحة ممولين ) أو ممن دافع عن النظام في المحافل الإعلامية بطريقة مضحكة جعلت المشاهد يتساءل هل عدم السوريون الذكاء حتى يظهر أمثال هؤلاء ليقوموا بالدفاع باسم الشعب السوري وبكل هذا المستوى من الكذب والادعاء؟!

طبعاً هناك شريحة من المرشحين تستثنى من صنف هؤلاء الدخلاء. ولازال لديهم أمل بالإصلاح وبالمصالحة كحل للثورة السورية التي استغرقت سنة وتزيد من الشهور وسقط فيها كثير من الأبرياء والشهداء الذين لولاهم لما فكر النظام بإعادة حقوق الشعب التي عطلها واستباحها هو منذ عقود من السنوات. يتناسى هؤلاء أو لا يجرؤون حتى أن يفكروا بوضع شعارات دفع ثمنها المنتفضون على الوضع السوري المتأزم.

 إن المتابع للشأن البرلماني السوري في العقود السابقة يدرك الفجوة التي لحقت به وهو يرى بعين المتابع أن ألق الحياة التشريعية قد غيبه نظام التسلط والمركزية فجعل هذه المؤسسة التشريعية رهينة لدى لنظام الأمني يقوم بصياغتها بفهمه الجامد والذي لا يعرف سوى إطاعة الأوامر حسبما يجد في عرفه وفهمه الوصائي.

 حيث تدور الدوائر في أحكام القدر، نجد أن المجلس في عهد نظام البعث، الذي مدد الحكم للرئيس الراحل حافظ الأسد خمس ولايات متتالية هو الذي اخترع مفهوم الأبدية في الحكم في العالم العربي، هو الذي واجه انتقاداً شديداً من حزب البعث عندما كان يقبع خارج المجلس النيابي في 18 نيسان 1948 عندما جدد انتخاب الرئيس الراحل شكري القوتلي لفترة رئاسية ثانية وأخيرة لخمس سنوات ومن المذهل حد الإغراق بالضحك من المفارقة أن حزب البعث حينذاك أعتبر هذا التمديد تجديداً للحكم الديكتاتوري!!! آه منك يا زمن.

وفي ذات يوم من الأيام وبعد النكبة، آه كم يزدحم في ذاكرتنا من نكبات، حمّل البرلمان السوري حكومة جميل مردم بك مسئوليتها واتهمها بالفساد في تجهيز الجيش وبسرقة المجهود الحربي، وتحت الضغط البرلماني استقال الشراباتي (وزير الدفاع). ونتيجة للنقد المتزايد قام جميل مردم بك بتعطيل عقد جلسات البرلمان، لكنه اضطر في النهاية بتاريخ 21/8/1948 إلى تقديم استقالة حكومته وتشكيل حكومة جديدة في  23 أب 1948، طبعاً هذا حين كان هناك برلمان حي ويواجه بضراوة وبدون محاباة أو مواربة حين يتعلق الموضوع بالمصداقية والأحقية بالنقد.

لقد قام مجلس الشعب السوري بالتصويت ضد مشروع المرسوم 50 لعام 1946 الذي اقترح منح وزير الداخلية سلطة واسعة في ترخيص الأحزاب السياسية والجمعيات والمطبوعات، وقد وقفت جميع التنظيمات السياسية ضد هذا المشروع واعتبرته مخالفاً للدستور ونظمت المظاهرات العارمة، ورفضه البرلمان في جلسته بتاريخ  14 تشرين الثاني 1946 .

إن الذي قام بإخصاء وتدجين أهم مؤسسة تشريعية في سوريا يتحمل برأيي الشخصي نقل الثورة لخارج حدود البلاد وكافة تبعاتها وصنع معارضين قذرين يتفوق لديهم حب الانتقام على حب تراب الأوطان، حيث أصبح أملهم بالتغيير معدوماً في ظل مؤسسات حكومية مدجنة! ناهيك عن وجود بعض المرتزقة في صفوف معارضين غير وطنيين ولائهم يكون لمن يجعل جيوبهم أو أرصدتهم الحسابية منتفخة أكثر.

إن الذي قام بربط كافة مراكز ومرافق الدولة ومؤسساتها وشخصنها بشخص موظف يشغل المنصب السيادي الأول في الدولة فأعطاه كل الصلاحيات المطلقة وقزّم من صلاحيات باقي المؤسسات في الدولة هو الذي أصابها بالترهل والتبعية وهو من فرّط بالسيادة السورية التي تقول, وفق الدستور, أن سلطة الشعب وخياراته هي الأولى بالاتباع من وصائية الأمن التي صبغت الحياة السياسية، التي من المفترض أن تعبر عن الواقع الفسيفسائي المتعدد الوجهات في سوريا، وأصبح نقدها شأناً محرماً تداوله وتفوق تهمته وخطورته كل تهم الفساد المالي والأخلاقي, إن لم يكن يتوافق مع مباحات الوصي الأمني الذي يسيطر على كل المفاصل في الوطن .

لقد تابعت مع الكثير من المواطنين وبألم شديد مرافعات ومداخلات النواب، المحسوبين على النظام والذين هم تحت جناحه والذين يعرفون الكثير من التفاصيل التي تغيب عن العموم، حين تم فضح الفاسد نائب رئيس البلاد ( أبو جمال) عبد الحليم خدام…وجدنا النواب غير المحترمين قد خاطبوه بكل مفاسده التي تم السكوت عنها طوال عقود من الزمان وكان السؤال الاستنكاري الاستفهامي (هل تذكر يا أبا جمال؟ ) ألا تبت أياديكم أنتم وأبا جمال ، يا من تقاسمتم الفساد وأرهقتم حزينة البلاد وتبت أيدي من سيسكت عنكم فيما يلي من الأيام.

 أستذكر أيضاً حين طلب رئيس مجلس الشعب من نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية أن يشرح للنواب معنى "اقتصاد السوق الاجتماعي" الوارد في الخطة المزمع التصويت عليها وهل هي خروج عن الاشتراكية؟ فأجاب إجابة الواثق الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه (لأنه مدعوم يعني من يلي فوق) أنه اقتصاد حر تنافسي يخضع لكل قوانين السوق الاقتصادية الرأسمالية !!! وكأن

الاقتصاد في سورية ليس اقتصاداً اشتراكياً حسب الدستور السوري! فألبسنا حلة لم نكن يوماً قد اعتدناها وأعطانا حلاً لمشاكل عويصة أوقعنا فيها اللجوء للحلول المسبقة التي لا تعرف عن واقعنا المعاشي الحقيقي فزاد الطين بلة والحالة المعاشية للمواطن سوءاً.

من الدلائل على غياب مجلس الشعب هو أن اقتراح تبديل المادة الثامنة من الدستور التي سيطرت على كل مناحي الحياة في الدولة السورية وأصابتها بالشلل قد تم من قبل رئيس الجمهورية بعد قيام الثورة في سوريا كدليل على حياة عقيمة في الحياة البرلمانية والإشكالية أن هذا الطلب قد تم الترويج له وكأنه تنازل مصيري لا حق مصادر في الحياة السياسية السورية، بعد عشر سنوات من الوعود بالإصلاح، وهذا يثبت أن هذا المجلس ما هو الا أداة بدل أن يكون الحسيب الرقيب على كل شاردة وواردة في الحياة السياسية السورية، هذا ناهيك عن رفض رئيس الجمهورية طلباً لتأجيل الانتخابات أيضاً؟

 لم أشاهد في ظل أزمة نقصان الخدمات (الأساسية) المتعلقة بالمحروقات والطاقة الكهربائية استجواباً أو تقريعاً يتناسب مع الحالة الكارثية التي وصل بموجب تخديمها البائس المواطن السوري ليتذوق كافة أشكال الذل وامتهان الكرامة وكانت التصريحات المتعلقة بتلبية هذه الخدمات الأساسية كارثية تستغبي صاحب الحق باستخفاف ملحوظ بحيث أن مثل هذه الإجابات كانت لتسقط قائلها في أي برلمان منتخب يحترم ناخبيه ونفسه.

 لم أجد من نواب مجلس الشعب استنكاراً حاسبوا بموجبه وزير التعليم العالي حين تم المساس بالجامعات التي أصبحت مكاناً يتناثر فيه الشبيحة والنبيحة وعناصر الأمن الأغرار في حرمه الذي ينبغي أن يكون مصوناً دستورياً. ولعلّ جامعة حلب ومدينتها الجامعية خير مثال.

لم أشاهد مع كل الدماء التي سقطت استجواباً سريعاً وعاجلاً غير آجل أو اسقاطاً لرؤوس كبار أو حتى صغار في أجهزة أمن الدولة أو وزارة الداخلية (التي بات مستباحة وسقطت عنها الهيبة بشكل كبير) استفهم فيها الأعضاء ولو بشكل صوري كيف تسقط كل هذه الدماء في ظل دولة مركزية لا تغيب عنها شاردة ولا واردة ، باستثناء اتهام أحد الأعضاء (رومية) لعاطف نجيب وكانت مجرد مداخلة تم الالتفاف عنها بكف يده بدون حساب بكل استعلاء.

الم يتساءل أحدهم كيف تمكنت (عصابات إرهابية يدعيها) من جعل آراء المواطن السوري رهينة له كي يطالب بإسقاط نظام طالما استخف به وبمطالبه وبآلامه ومعاناته مع الفساد وأهله في دولة تعطل فيها استخدام القانون إلا على الضعفاء.

 في الختام، إن عودة الحياة الطبيعية إلى كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وإعادة المؤسسات الحكومية لتحصل على استقلاليتها وتشديد الرقابة عليها كفيل بدفع سوريا كي تعود لسكة القطار التي حادت عن طريقه بسبب الاستبداد والطغيان فيعود الحلم الذي نبحث عنه بسوريا للجميع متاحاً وللجميع.

إن سوريا الجديدة ليست بحاجة لجوقة من المصفقين والديناصورات العتيقة بل هي بحاجة لدماء جديدة لا تنتقل من مشهد لمشهد آخر في تمثيلية مكتوبة العناصر ومنقحة من قبل البصّاص الأول الذي أرهق البلاد والعباد وكان المسؤول الأول عن كل كلمة قد ترهق جناب سيادة أصحاب المناصب حول ملاءمتهم للمناصب ومدى استحقاقهم لها.

 لديّ حلم في أن أشاهد الرئيس المقبل لسوريا وفرائصه ترتعد عندما يدخل لمجلس الشعب السوري لأن برنامجه الانتخابي ووعوده التي وصل بموجبها لسدة الرئاسة لم تكن على سوية ما يستحقه الشعب السوري العريق بكافة أطيافه و هذا سيكون دلالة بالغة على أن الحياة السياسية الحقيقية قد عادت لمجراها الصحيح والحقيقي، وأن زمن الحسابات على الوعود لا شك قادم وآت.

سيريا نيوز