التحول الجيوسياسي الكبير: سقوط العقوبات وإعادة هندسة سويا

1. مقدمة:

يشهد الشرق الأوسط في الربع الأخير من عام 2025 تحولاً زلزالياً في موازين القوى وهياكل النفوذ، تمثل في الحدث التاريخي المزدوج: سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، وتفكيك منظومة العقوبات الأمريكية الأكثر قسوة “قانون قيصر” في كانون الأول 2025. يقدم هذا التقرير البحثي الموسع تحليلاً شاملاً للديناميات المعقدة التي أدت إلى اتخاذ الكونغرس الأمريكي قرار إلغاء العقوبات ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2026، وكيف يعيد هذا القرار تشكيل الخارطة الاقتصادية والسياسية للمشرق العربي.

يستند التقرير إلى مسح دقيق للأحداث الميدانية، والتحولات التشريعية في واشنطن، والاستراتيجيات الإقليمية المتضاربة بين “دبلوماسية الإعمار” التي تقودها الرياض، و”عقيدة المنطقة العازلة” التي تفرضها تل أبيب. كما يغوص في أعماق التحولات المجتمعية السورية، راصداً حركة العودة العكسية لملايين اللاجئين، والتحديات الهائلة التي تواجه الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع في إدارة التوقعات الدولية والمحلية. من خلال مقارنة منهجية لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

إلغاء قانون قيصر ليس مجرد “عفو اقتصادي”، بل هو تدشين لمرحلة جديدة من “الاحتواء المشروط” الذي يستبدل العصا الغليظة بشبكة معقدة من المصالح والحوافز والقيود الأمنية.

2. المتاهة السورية: السياق التاريخي وجذور الانهيار (2011-2024)

لفهم عمق التحول الذي يمثله إلغاء قانون قيصر، لا بد من تشريح العقد ونصف العقد من الصراع الذي حول سوريا من ركيزة في “محور المقاومة” إلى دولة ممزقة، ثم إلى مختبر لإعادة البناء السياسي.

2.1. من الانتفاضة إلى الحرب الدولية بالوكالة

اندلعت الشرارة الأولى في درعا بمارس 2011، حيث واجه النظام السوري المطالب الشعبية بالإصلاح بعنف ممنهج، مما دفع الحراك نحو العسكرة.(1) لم تكن الحرب السورية مجرد صراع داخلي، بل تحولت سريعاً إلى ساحة تصفية حسابات دولية. تدخلت إيران و حزب الله مبكراً لمنع سقوط النظام، معتبرين سوريا عمقاً استراتيجياً وجسراً للإمداد.(2) وفي المقابل، دعمت الولايات المتحدة و تركيا و دول الخليج فصائل المعارضة المختلفة، مما أدى إلى تشظي الجغرافيا السورية إلى مناطق نفوذ متناحرة.

شكل التدخل الروسي في 2015 نقطة تحول عسكرية لصالح الأسد، لكنه لم ينجح في ترجمة الانتصارات الميدانية إلى استقرار سياسي أو اقتصادي. ظلت الدولة تعاني من تآكل السيادة، وتفشي الفساد، وسيطرة الميليشيات، مما مهد الطريق لانهيار 2024. (3)

2.2. لحظة السقوط الكبير: ديسمبر 2024

في سيناريو لم تتوقعه أكثر أجهزة الاستخبارات تفاؤلاً، انهار نظام الأسد في غضون عشرة أيام فقط. بدأت فصائل المعارضة، بقيادة “هيئة تحرير الشام” (HTS) وفصائل أخرى، هجوماً منسقاً في أواخر نوفمبر 2024، مستغلة الانشغال الروسي في أوكرانيا والضعف الهيكلي لجيش النظام.(3)

سقطت حلب، ثم حماة وحمص، وصولاً إلى دمشق في 8 ديسمبر 2024. فر بشار الأسد إلى موسكو، تاركاً خلفه نظاماً متحللاً ومؤسسات منهارة.(4) هذا السقوط لم يكن مجرد تغيير في القيادة، بل كان انهياراً لعقيدة “الأمن القائم على القمع”، وتفككاً لمحور النفوذ الإيراني الذي خسر استثمارات بقيمة 50 مليار دولار وقاعدة ارتكاز حيوية في المتوسط.(2)

2.3. صعود السلطة الانتقالية: شرعنة “المتمرد”

برز أحمد الشرع كشخصية الأمر الواقع. في تحول براغماتي لافت، خلع الشرع عباءة السلفية الجهادية العابرة للحدود، وتبنى خطاباً وطنياً جامعاً يركز على “المواطنة، العدالة الانتقالية، وحماية الأقليات“.(5)

أعلن الشرع عن فترة انتقالية وتشكيل حكومة تكنوقراط، ونجح في تقديم نفسه للمجتمع الدولي كضامن وحيد للأمن والاستقرار، وقادر على لجم الفوضى ومنع عودة داعش.(6) توجت هذه الجهود بزيارات دبلوماسية رفيعة، بما في ذلك لقاء تاريخي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض في تشرين الثاني (1)، مما مهد الطريق للقبول الدولي بشرعيته.(7)

3. تشريح الحرب الاقتصادية: قانون قيصر (2019-2025)

قبل إلغائه، كان قانون قيصر يمثل ذروة سنام العقوبات الأمريكية، وأداة خنق غير مسبوقة لأي دولة في الشرق الأوسط.

3.1. الفلسفة العقابية والهيكل القانوني

أقر الكونغرس “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” في كانون الأول 2019، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020. استند القانون إلى أدلة موثقة لجرائم حرب (صور قيصر)، وهدف نظرياً إلى إجبار الأسد على الحل السياسي.(8)

تميز القانون بفرض عقوبات ثانوية (Secondary Sanctions)، وهي الآلية التي جعلته فتاكاً. لم يكتفِ القانون بحظر تعامل الشركات الأمريكية مع سوريا، بل هدد بفرض عقوبات على أي كيان أجنبي (حكومي أو خاص) يساهم في:

قطاعات الطاقة والطيران والبناء والهندسة السورية.
تقديم أي دعم مالي للبنك المركزي السوري.
توفير قطع غيار للطائرات أو المعدات العسكرية.(8)

3.2. الأثر الكارثي: العقاب الجماعي

أدى القانون إلى شلل كامل للاقتصاد السوري. امتنعت الدول العربية والشركات العالمية عن المشاركة في أي مشاريع إعادة إعمار خوفاً من العقوبات الأمريكية. تدهورت الليرة السورية إلى مستويات قياسية، وتفشى الفقر ليشمل 90% من السكان. تحول القانون من أداة ضغط سياسي إلى سياج حديدي يعزل سوريا عن النظام المالي العالمي، مما فاقم معاناة المدنيين وعزز اعتماد النظام السابق على شبكات التهريب وتجارة الكبتاغون للبقاء.(9)

4. الطريق الشائك نحو الإلغاء: المعركة التشريعية والدبلوماسية (2025)

لم يكن إلغاء القانون وليد الصدفة، بل نتاج تقاطع مصالح استراتيجية بين إدارة ترامب الجديدة، الحكومة الانتقالية في دمشق، والضغوط الإقليمية.

4.1. الانعطافة الأمريكية: “ترامب 2.0”

مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض في كانون الثاني 2025، تبنت إدارته مقاربة “الصفقات الكبرى“. رأى ترامب أن استمرار عقوبات قيصر بعد رحيل الأسد لم يعد يخدم المصالح الأمريكية، بل يهدد بتحويل سوريا إلى دولة فاشلة تصدر اللاجئين والإرهاب، أو تدفع الحكومة الجديدة نحو الحضن الروسي والصيني(10)

في خطوة تمهيدية جريئة، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً في 30 يونيو 2025 يلغي ستة أوامر تنفيذية سابقة كانت تشكل أساس العقوبات، ممدداً إعفاءات سمحت ببدء تدفق المساعدات.(12)

4.2. الديناميات داخل الكونغرس: الصقور والحمائم

شهد الكونغرس في خريف 2025 معركة تشريعية حامية حول مستقبل القانون.

المؤيدون للإلغاء: تحالف غير تقليدي جمع الجمهوريين الانعزاليين (الذين يريدون تقليص الانخراط الخارجي) والديمقراطيين التقدميين (القلقين من الأثر الإنساني). قاد هذا التيار السيناتور راند بول والسيناتور جين شاهين، بحجة أن العقوبات “تؤذي الأبرياء وتعيق السلام”.(13)
المعارضون: تكتل من الصقور الذين تخوفوا من خلفية أحمد الشرع الإسلامية، وطالبوا بضمانات صارمة لحقوق الإنسان وأمن إسرائيل قبل أي تخفيف.(14)

4.3. الانتصار التشريعي: NDAA 2026

في 11 كانون الأول 2025، حسم مجلس النواب الجدل بتصويته بأغلبية ساحقة (312 مقابل 112) لصالح قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026، والذي تضمن بنداً صريحاً لإلغاء قانون قيصر.(15)

نص الإلغاء والشروط المرفقة:

رغم أن الإلغاء وُصف بـ “الكامل“، إلا أن المشرعين أضافوا “ملحقاً رقابياً” (Oversight Mechanism) لضمان الامتثال. ينص القانون الجديد على إلزام الإدارة بتقديم تقارير كل 180 يوماً للكونغرس تؤكد التزام دمشق بـ:

عدم استخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل أو دول الجوار.
منع عودة إيران أو حزب الله للعمل من الأراضي السورية.
تفكيك شبكات الإرهاب وضمان حقوق الأقليات.
التعاون في ملف المفقودين الأمريكيين.(17)

هذا الهيكل يحول العلاقة من “عقوبات أبدية” إلى “اختبار سلوك دوري”، مما يعطي واشنطن نفوذاً مستمراً دون خنق الاقتصاد.

4.4. دور اللوبي السوري

لعب “المجلس السوري الأمريكي” (Syrian American Council – SAC) بمشاركة فاعلة مع باقي المنظمات السورية/الأمريكية دوراً محورياً في هندسة هذا الإلغاء. تحول المجلس من أكبر المناصرين لقانون قيصر في 2019 إلى أكبر المطالبين بإلغائه في 2025. صرح فاروق بلال، رئيس المجلس، بأن “الوقت قد حان للبناء“، مؤكداً أن جهود الجالية السورية نجحت في إقناع المشرعين بأن دعم الحكومة الانتقالية هو السبيل الوحيد لمنع عودة الفوضى(20)

5. مقارنة تحليلية: تطور العقيدة الرئاسية الأمريكية تجاه سوريا

يعكس مسار السياسة الأمريكية تجاه سوريا تذبذباً بين المثالية، والواقعية، والانسحاب. الجدول التالي يقدم مقارنة معمقة للسياسات الرئاسية:

جدول المفارقات بين رؤساء الولايات المتحدة

تحليل السياسة الحالية (ترامب):

تختلف سياسة ترامب الحالية جذرياً عن ولايته الأولى. في 2019، وقع قانون قيصر لخنق الأسد. في 2025، ألغاه لتمكين الشرع. يرى ترامب أن “الضغط الاقتصادي” حقق هدفه بسقوط النظام، وأن الاستمرار فيه الآن سيضر بالمصالح الأمريكية ويفتح الباب للصين. هذه البراغماتية تتسق مع رؤيته “أمريكا أولاً“، حيث يفضل أن تقوم دول الخليج بتمويل إعادة الإعمار (بموافقة أمريكية) بدلاً من أن تدفع واشنطن دولاراً واحداً.(22)

6. الجيوسياسية الإقليمية: سباق الإعمار والمنطقة العازلة

بينما تُفتح الأبواب الاقتصادية، تُشعل الجبهات العسكرية، مما يخلق تناقضاً صارخاً في المشهد السوري.

6.1. المحور السعودي: دبلوماسية المليارات

تبنت المملكة العربية السعودية استراتيجية “الاحتواء عبر الإعمار“. فور إلغاء العقوبات، وربما بتنسيق مسبق، أطلقت الرياض حزمة مشاريع ضخمة.

حجم الاستثمار: تم توقيع عقود بقيمة 6.4 مليار دولار(23)
المشاريع: تشمل تطوير حقول الغاز عبر شركة “أديس” السعودية، مشاريع إسكان ضخمة، وإزالة 75,000 متر مكعب من الأنقاض في دمشق عبر مركز الملك سلمان للإغاثة.(24)
الهدف: تهدف الرياض لربط سوريا الجديدة بالاقتصاد الخليجي، وسحب البساط من تحت أقدام أي نفوذ إيراني متبقٍ أو تركي محتمل، وضمان استقرار الحدود الشمالية للأردن.(22)

6.2. المحور الإسرائيلي: عقيدة الأمن الوقائي

على النقيض من الانفتاح العربي والأمريكي، استغلت إسرائيل الفراغ الأمني لتنفيذ أجندة عسكرية صارمة في الجنوب السوري.

الاجتياح والمنطقة العازلة: شنت إسرائيل أكثر من 600 هجوم في عام 2025، وتوغلت قواتها البرية لتسيطر على مساحات واسعة تتجاوز خط فض الاشتباك لعام 1974.(26)
الأبعاد الجغرافية: تشير البيانات إلى أن إسرائيل سيطرت على ما يقرب من 420 كيلومتراً مربعاً إضافياً (ما يعادل مساحة مدينة دنفر الأمريكية)، موسعة المنطقة العازلة لتشمل مرتفعات استراتيجية في القنيطرة ودرعا.(27)
التوتر مع واشنطن: خلق هذا التصعيد توتراً مكتوماً مع إدارة ترامب. فبينما يريد ترامب استقراراً يسمح بالاستثمار، يرى نتنياهو أن “سوريا الضعيفة أفضل من سوريا المستقرة” إذا لم تكن هناك ضمانات أمنية مطلقة.

حذر الرئيس الشرع من أن الطلب الإسرائيلي بمنطقة منزوعة السلاح في العمق السوري يهدد سيادة البلاد، بينما تواصل إسرائيل استهداف البنية التحتية العسكرية لضمان التفوق الجوي.(27)

7. البعد الإنساني: العودة الكبرى وتحديات النسيج الاجتماعي

لعل الأثر المباشر والأكثر وضوحاً لسقوط النظام وإلغاء العقوبات هو حركة السكان العكسية.

7.1. إحصائيات العودة

سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أرقاماً غير مسبوقة في عام 2025:

العائدون من الخارج: عاد أكثر من 1.2 مليون لاجئ من دول الجوار (لبنان، الأردن، تركيا).(29)
النازحون داخلياً: عاد حوالي 1.9 مليون نازح إلى مناطقهم الأصلية داخل سوريا.(31)
تسهيلات دول الجوار: قامت السلطات اللبنانية بإلغاء غرامات الإقامة وتسهيل المغادرة، مما سرع من وتيرة العودة من لبنان بشكل خاص.(32)

7.2. الواقع على الأرض

رغم الأمل، يواجه العائدون واقعاً مريراً. البنية التحتية في المدن الكبرى مدمرة جزئياً أو كلياً. هناك نقص حاد في الخدمات الأساسية. كما تبرز قضية “حقوق الملكية” كقنبلة موقوتة، حيث تم الاستيلاء على ممتلكات الكثيرين خلال سنوات الحرب بموجب قوانين النظام السابق. تعمل الحكومة الانتقالية، بدعم من منظمات دولية، على إنشاء آليات قانونية لإثبات الملكية، لكن العملية بطيئة ومعقدة.(33)

7.3. ردود الفعل الشعبية

عمّت الاحتفالات المدن السورية بذكرى سقوط النظام وبقرار إلغاء العقوبات، حيث يرى السوريون في هذه التطورات نهاية لحقبة “طوابير الخبز والوقود“. ومع ذلك، هناك قلق مشروع بين الأقليات (خاصة في الساحل و السويداء) من طبيعة الحكم الجديد، رغم تطمينات الشرع المستمرة وخطواته لدمج الجميع في العملية السياسية.(34)

8. الآفاق الاقتصادية: من الإغاثة إلى التنمية

مع إلغاء “قيصر“، تنتقل سوريا من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد إعادة الإعمار.

8.1. مؤشرات التعافي

توقع البنك الدولي نمواً بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025، وهو رقم متواضع لكنه يمثل أول نمو إيجابي منذ سنوات.(35) الأهم من الرقم هو “التحول في الاتجاه“؛ فالسوق السورية بدأت تستعيد ثقة المستثمرين الإقليميين.

القطاعات الواعدة: الطاقة، الإسكان، والزراعة هي القطاعات التي ستشهد التدفق الأولي للأموال.
التحديات النقدية: لا تزال أزمة السيولة وانهيار العملة المحلية تشكل عائقاً، وتعمل الحكومة على توحيد السياسات المالية والنقدية لضبط التضخم.(34)

8.2. دور قانون NDAA 2026 في الاقتصاد

إلغاء العقوبات يسمح الآن للشركات العالمية بتوريد التكنولوجيا اللازمة لإصلاح محطات الكهرباء وشبكات المياه دون خوف من الملاحقة الأمريكية. كما يسمح للنظام المصرفي السوري بالعودة تدريجياً للارتباط بنظام “سويفت” العالمي، مما يسهل التحويلات المالية للمغتربين وتمويل التجارة.(36)

9. التوقعات المستقبلية: سيناريوهات 2030

بناءً على المعطيات الراهنة، يمكن استشراف ثلاثة مسارات لمستقبل سوريا:

9.1. السيناريو المرجح: “الاستقرار الهش والنمو التدريجي”

تنجح حكومة الشرع في الحفاظ على الأمن الداخلي والامتثال للشروط الأمريكية. تتدفق الاستثمارات الخليجية وتدور عجلة الاقتصاد ببطء. تظل إسرائيل مسيطرة أمنياً على الجنوب، بينما تحتفظ تركيا بنفوذ في الشمال. تتحول سوريا إلى دولة فيدرالية بحكم الواقع، لكنها موحدة اقتصادياً ودبلوماسياً.

9.2. السيناريو المتفائل: “النهضة الشاملة”

يؤدي التعاون الأمريكي-السعودي إلى ضخ استثمارات هائلة (“خطة مارشال عربية“). يتم التوصل لترتيبات أمنية مع إسرائيل تنهي المنطقة العازلة. يعود ملايين اللاجئين بالكفاءات والأموال، وتستعيد سوريا دورها كمركز تجاري وصناعي في المشرق.

9.3. السيناريو المتشائم: “الانتكاسة الأمنية”

تفشل الحكومة الانتقالية في لجم الفصائل المتطرفة أو تنجر لمواجهة مع إسرائيل. تعيد الولايات المتحدة تفعيل آليات الرقابة وتعيد فرض العقوبات. تتوقف الاستثمارات، وتعود سوريا لتكون دولة مارقة ومعزولة، مما يؤدي لموجة لجوء جديدة.

خاتمة

إن قرار الكونغرس الأمريكي بإلغاء قانون قيصر في موازنة 2026 يمثل نهاية رسمية للحرب السورية بمفهومها الدولي، وبداية لمعركة أصعب هي “معركة السلام“. لقد أدركت واشنطن و الرياض أن العقوبات لم تعد سلاحاً ضد نظام رحل، بل قيداً على شعب يحاول النهوض.

ومع ذلك، فإن الطريق ليس مفروشاً بالورود. سوريا الجديدة تولد وسط تناقضات حادة: مليارات الإعمار في دمشق تقابلها دبابات التوغل في القنيطرة، وعودة اللاجئين تقابلها تحديات الإيواء والخدمات. نجاح هذه المرحلة يعتمد كلياً على قدرة الرئيس أحمد الشرع على الموازنة بين متطلبات الداخل واشتراطات الخارج، وقدرة المجتمع الدولي على التحلي بالصبر الاستراتيجي لدعم تحول سوريا من دولة منبوذة إلى شريك في الاستقرار الإقليمي.