البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي
حــــزب الجـــمهوريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
في ظل أجواء مفعمة بروح المودة والشفافية انطلقت أعمال المؤتمر التأسيسي لحزب الجمهورية في مدينة استنبول بتاريخ 17 نيسان الذي يصادف عيد الاستقلال بما يحمله من معان وطنية نبيلة لدى كل مواطن سوري، بخاصة لجهة استذكار نضالات كثير من رجالات سورية من أجل الاستقلال، أولئك الذين غيبهم نظام الاستبداد عن ذاكرة السوريين لعقود عدة، أمثال إبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وشكري القوتلي وفارس الخوري.
بعد أشهر عديدة من الحوار الجدي، عُقد لقاء متميز يصلح أن يكون أنموذجاً لما يمكن أن يقدمه العمل الجماعي المبني على علاقة صحية بين الفرد والجماعة، حيث الأفراد لا يرون أنفسهم أكبر من الجماعة أو المؤسسة، والجماعة لا تقلِّل من شأن أي فرد من أفرادها الذين يتحاورون ويختلفون باحترام، ويعملون بروحية جماعية في آن معاً. وفي هذا السياق ثمن المجتمعون الجهد الذي بذله أعضاء في الحزب لم يستطيعوا المشاركة في اللقاء لأسبابٍ قاهرة، سواء ممن هم داخل الوطن أو خارجه، كما توقَّفوا ملياً عند الدور الكبير للشباب في تأسيس الحزب، ذلك الشباب المثقف والواعي والمنظم الذي اكتسب مهارات جديدة خلال الثورة السورية.
هي روحٌ جديدة ظهرت في اجتماع عدد من السوريين من جميع المحافظات والفئات الاجتماعية، يجمعهم إحساسٌ مسؤولٌ وألمٌ كبيرٌ بسبب ما آلت إليه أوضاع بلدهم، توافقت إراداتهم الحرة على الإعلان عن تشكيل مؤسسة سياسية جديدة أطلقوا عليها اسم “حزب الجمهورية”، وقد استقرَّ رأيهم على اختيار هذا الاسم لدلالاته العميقة على رفض الانتهاك الذي تعرضت له الدولة السورية من جانب النظام الاستبدادي عندما حولها إلى ملكية عائلية عبر التوريث، ولما يحمله الاسم من ارتباطٍ وثيقٍ بمفهومي الدولة والديمقراطية اللذين يعتبران بحق عنصرين أساسيين في أي مستقبل مشرق لسورية والسوريين، فضلاً عن أملهم بالمساهمة في بناء ما يمكن تسميته بـ “الجمهورية الثالثة” بعد جمهورية الاستقلال و”جمهورية البعث“.
لعل كثيراً من السوريين سيمرّون سريعاً على خبر الإعلان عن تأسيس هذا التشكيل السياسي الجديد، وهذا ليس غريباً في ظلِّ الإحباط العام وركام الأحزاب والتيارات التي تشكلت، فضلاً عن كون النقد والاعتراض من الحقوق الطبيعية والأصيلة لهم، لكننا نرى في الوقت ذاته أنه لا يمكن أن تُفتح ثغرة في هذا الوضع الخطر من دون العمل السياسي، والعنوان الرئيس للسياسة هو الأحزاب السياسية، كما إنه ليس لدى أعضاء الحزب وهيئاته المنتخبة أي وهم أنهم قادرون على فعل الشيء الكثير في ظل هذه الأحوال الحالكة، لكنهم مع ذلك مصمِّمون على السير في طريق يعرفون مسبقاً أنه طريقٌ طويلةٌ وشاقةٌ، ويطمحون أن يشكل هذا الحزب شمعةً أو بذرة أمل، والهدف ليس الحزب بحدِّ ذاته، بل الوطن، فهم يدركون بوضوح أن حزبهم من أجل الوطن: سورية التي يعشقون ويحبون، ويسعون لتكون البلد الأجمل الذي يحتضن الجميع.
أوضح المجتمعون موقفهم بجلاء من السلطة الحاكمة في سورية، ورأوا فيها سلطةً استبداديةً فرضت على شعبنا واقعاً مريراً عبر عقود من الزمن، وثقافةً غريبةً وهدامةً شوهت لوحته الوطنية الجميلة المتجانسة، ومزقت نسيجه الاجتماعي، وأحدثت شرخاً في قيمه الدينية المبنية على التسامح، ووأدت الروح الوطنية الوثابة في عقله ووجدانه، وفرضت عليه بالإكراه شعاراتٍ وخطاباتٍ وممارساتٍ طائفية وشوفينية، ومفاهيم جوفاء استهلكها الزمن وأثبت الواقع زيفها وبطلانها.
وأكَّد المجتمعون أيضاً على استلهام قيم الحرية والكرامة التي أطلقتها ثورة الشعب السوري ضد النظام الاستبدادي، التي تشكّل أهمّ حدث في تاريخ سورية الحديث والمعاصر، على الرغم من المآسي المحيطة، واستذكروا كيف أظهر النظام منذ البداية، وفي مواجهة الصرخات الأولى التي أكّدت أن “الشعب السوري واحد”، سعيه نحو إبعاد الثورة عن قيمها الوطنية السلمية الجامعة، وكيف مارست أجهزته الأمنية والعسكرية وشبيحته، ولا تزال، عنفاً مبرمجاً، قتلاً واعتقالاً وتدميراً واستفزازاً للمشاعر الطائفية بقصد محاصرة الحراك الشعبي، ودفع السوريين للانكفاء والخضوع والعودة عن ثورتهم. كما أكَّدوا التزامهم أهداف الثورة المتمثلة ببناء دولة وطنية ديموقراطية حديثة تقوم على سيادة القانون والمساواة التامّة في المواطنة، نساءً ورجال، وعلى إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة النابعة من المواطنة الحقة، وهي الخيمة التي يستظل بها الجميع سواسية من دون أي تمييزٍ عرقي أو ديني أو مذهبي أو جنسي. كما رأى المجتمعون أن ثورة السوريين لا تكتمل من دون الوقوف أيضاً ضدّ جميع أشكال الاستبداد الأخرى التي تستند إلى فهم خاطئ أو زائف للدين الإسلامي ليخدم مآرب ومصالح فئاتٍ مختلفة، وكذلك ضدَّ أشكال الاستبداد كافة التي تتمحور حول التعصب المذهبي أو العرقي، إضافة إلى أشكال الاستبداد والتعصب العقائدي والأيديولوجي التي تتستر بعلمانياتٍ مشوَّهة وزائفة وغير ديمقراطية.
في سياق بناء حزب الجمهورية سعى المؤسِّسون للاستفادة من تجارب الماضي والعمل على تجاوز العيوب المحتملة، أملاً بإنتاج تجربة جديدة أكثر جدية وأقل أمراضاً وأعظم قدرة على الفعل والاستمرار. تلك العيوب التي يمكن أن تظهر في التشكيل والرؤية وآليات العمل، كافتقاد الرؤية السياسية الواضحة، والافتقار إلى أرضية فكرية مشتركة، والضحالة في الإدارة والتنظيم وحضور القانون، واختزال المؤسسة السياسية في فرد أو بضعة أفراد. ففي سياق الثورة برزت مجموعات وتشكيلات وهيئات سياسية عديدة هدفها دعم الثورة وضمان استمرارها، لكنّها لم تواكب واقعياً الحراك الشعبي بخطابٍ وعملٍ سياسيّين مناسبين، يوحّدان الموقف الوطني حول القيم الأساسيّة، ويساعدان في تطوير عمل سياسي هدفه تعزيز فرص انتصار الثورة واسقاط النظام وإحداث التغيير الديمقراطي المطلوب بعيداً عن مخاطر انفتاح البلد بشكلٍ فوضوي على التدخلات الخارجية، ويدينان بشكلٍ واضح الانحرافات ذات الطابع الطائفي.
من هنا، يحاول حزبنا أن يقدم صورة مختلفة عن الأحزاب الأيديولوجية المتكلِّسة، وعن التيارات التي لم تكن سوى “هلام سياسي” لا يمتلك رأياً ثابتاً أو مستقراً تجاه أي حدث أو واقعة سياسية، وعن تلك المجموعات السياسية التي تشكلت بطريقةٍ سريعةٍ تدلِّل بوضوح على الخفَّة السياسية فلم تكن أكثر من “فقاعات سياسية” أو “أحزاب فيسبوكية” لا تقدم ولا تؤخر، لذلك عمل أعضاء الحزب طوال عام كامل، بهدف بناء مؤسسة سياسية حديثة ومتماسكة، على إنتاج رؤيةٍ فكريةٍ سياسيةٍ متكاملةٍ، إلى جانب رؤية سياسية مرحلية وبرنامج سياسي لسورية المستقبل، ونظام داخلي حديث ومرن، وخطة عمل واضحة الأركان والمهمات.
ستقوم هيئات الحزب المنتخبة بعد فترة وجيزة بتقديم الوثائق المعتمدة التي كانت حصيلة نقاش وجهد جماعي شارك فيه جميع الأعضاء، إلى الشعب السوري بكل قواه وأطيافه وفئاته المتنوعة بهدف إطلاق حوار ديمقراطي عام حول جميع أوراق الحزب، ومن أجل تقديم أفكار جديدة يمكن الاستفادة منها في تطوير فكره وآرائه وآليات عمله، وهنا نأمل أن يكون حزبنا بشكل دائم موضوعاً للنقد من جميع السوريين، فمن دون النقد لا يمكن له أن يتطور ويرتقي. من جانب آخر، يشجِّع حزبنا جميع الذين يرون فيه معبِّراً عن تطلعاتهم وأهدافهم ومصالحهم على الانضواء في صفوفه للمشاركة في تطويره على المستويين النظري والعملي والعمل من داخله، أو على إبراز التعاطف معه وتشجيعه، بما يخدم وضع بلدنا على مسار تحقيق الانتقال السياسي والتغيير الوطني الديمقراطي.
جديرٌ بالذكر أنه سيشار إلى حزب الجمهورية بـ “حزب تحت التأسيس” حتى انعقاد مؤتمره الأول خلال مدة لا تزيد على عامٍ واحدٍ، وجميع من سينتسبون إليه خلال هذه الفترة سيكونون من الأعضاء المؤسسين. وفي أثناء هذه الفترة من الطبيعي أن تعترضنا مشكلاتٌ عديدةٌ، لكننا بالمقابل قد عقدنا العزم على مواجهتها وإيجاد حلول عملية وعقلانية لها تعفينا قدر الإمكان من الأخطاء والأمراض والتجاوزات، فنحن من جهةٍ نؤمن حقاً أن الحوار الجاد والنفس الطويل كفيلان بحلِّ المشكلات كافة وبناء الرؤى التوافقية حول مختلف القضايا، ومن جهةٍ ثانية عاهدنا الله والوطن والشعب وأنفسنا على العمل بإخلاص ليكون حزبنا على قدر المسؤولية، وأن لا يكون في أي لحظة إلَّا مع الوطن والمصلحة الوطنية، مع سورية والسوريين.
عاشت سورية وطناً لجميع أبنائها
المجد للشعب السوري موحَّداً، حراً، كريماً
الأمانة العامة لحزب الجمهورية
استنبول 25 نيسان 2014