بيان حزب الجمهورية حول الحدث الراهن الاستبداد آفة الآفات والأب الشرعي للتطرف

              بيان حول الحدث الراهن

حزب الجمهوريةالاستبداد آفة الآفات والأب الشرعي للتطرف

 

 

 

تعيش سورية في هذه الأيام فصلاً جديداً من تاريخها الحديث، يتسم بانهيار كامل لمفهوم الحدود الوطنية, فقد قاد نظام الاستبداد بلدنا إلى هاوية الفوضى والتطرف والتدخل الأجنبي, فمنذ بداية ثورة السوريين قام هذا النظام باستدعاء كل أشكال التدخل والتطرف, من خلال السماح لمقاتلين أجانب بالقتال في صفوفه، كعناصر حزب الله اللبناني وميليشيا أبو الفضل العباس, فضلاً عن إرخاء قبضته على المعابر الحدودية، الأمر الذي سمح بتدفق آلاف المقاتلين الأجانب, الحامملين لأوهامهم، حتى باتت سورية نقطة جذب لجميع المتطرفين من كل حدب وصوب، ومن كل نوع وملة.

لقد خلق النظام السوري بإصرار وتصميم البيئة الملائمة لازدهار التطرف بكل أشكاله، بهدف إغراق طموحات السوريين المشروعة في بناء دولتهم الوطنية الديمقراطية في بحار من الدم, وليضع السوريين بين خيارين مريرين من الطينة ذاتها: إما الاستبداد والعبودية أو الفوضى وانهيار مؤسسات دولتهم. وفي هذا السياق نؤكد أن الاستبداد لا يحمي السيادة الوطنية، وأن جوهره يتناقض أصلاً مع المفاهيم الوطنية, فالحفاظ على كرسي الحكم في عرفه وخطابه وممارساته أكثر أهمية من السيادة الوطنية التي لا ينادي بها المستبد إلا حين يطالب بعدم التدخل في عمليات قتله للشعب السوري وإبادته، وفيما عدا ذلك لا تعنيه هذه السيادة من قريب أو بعيد. بالتالي، فإن مفهوم السيادة الذي نحتفي به لا يمكن أن يبنى إلا على أساس حماية حقوق الأفراد وحرياتهم وكراماتهم، وحماية أمن المواطنين وسلامة عيشهم في وطن حر كريم، فضلاً عن أن السيادة الوطنية هي في جوهرها سيادة الشعب، ولا سيادة وطنية حيث لا يكون الشعب حاضراً وحراً وسيداً.

إن السوريين الذين يشهدون اليوم الطائرات الأجنبية في سماء بلادهم، ويسمعون استجداء النظام للمجتمع الدولي للسماح له بالمشاركة في التحالف الدولي، وكأن هذه الطائرات تقصف بلداً آخر, يرون ببداهة أن هذا الموقف يدل دلالة واضحة على انهيار مفهوم الوطنية السورية لدى النظام إزاء الخارج، بعد انهياره في الداخل، ويدل على تفريطه الكامل بسيادة سورية التي لم يكن يوماً أمينا عليها, ويسقط ادعاءاته الكاذبة بالدفاع عن مؤسسات الدولة, فالدولة التي تسمح بمشاركة آخرين لها بحمل السلاح وخوض المعارك على أرضها تفقد أهم أصل قانوني من أصول وجودها وشرعيتها. هذا يعني بجلاء أن مسؤولية ما يحدث تقع بشكل رئيس على عاتق النظام الذي ارتكب جريمة أخرى من جرائمه بحق السوريين، ألا وهي جريمة التفريط بسيادة بلدهم، وهدر استقلالهم الذي بذل الأجداد دماءهم في سبيله.

نتفهم اليوم تشتت وارتباك جميع الرؤى والمواقف لدى السوريين إزاء الحدث الراهن وما يجري في بلدهم، وهي الرؤى والمواقف التي نمت وترعرعت في ظل معاناة ليس لها مثيل، وفي حالة من الفوضى قل نظيرها، إن كان على مستوى ما أحدثه إرهاب النظام من قتل وتدمير وإفساد، بل وتخريبه المتعمد للنسيج الاجتماعي والوطني وتشويهه للقوى السياسية خلال نصف قرن من حكمه، أو على مستوى منتجاته من الجماعات المتطرفة، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، التي تمارس إرهاباً باسم الدين، والدين منها براء، أو على مستوى التدخلات السلبية والمدمرة لدول الجوار الإقليمي، ومعظم دول المجتمع الدولي، تلك التدخلات التي لم تضع أبداً في أي لحظة مصلحة الشعب السوري وحقه في الحرية والكرامة معياراً لها. لكن يبقى من المهم تثبيت الرائز أو المرتكز الرئيسي في عقولنا وأرواحنا: نحن السوريين ضد إرهاب النظام، وضد إرهاب الجماعات المتطرفة من كل لون وملة، وضد الفوضى. إننا بوضوح مع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، ومع السيادة الوطنية السورية المبنية في الداخل على حقوق السوريين وحرياتهم، وعلى سيادة الشعب، لتصبح السيادة الوطنية آنذاك إزاء الخارج أمراً بديهياً ونتيجة طبيعية لا يختلف عليها سوريان.

إن المجتمع الدولي مطالب باحترام قواعد القانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولات الملحقة بها، وتجنيب المدنيين السوريين أي معاناة إضافية، وعدم التعرض للمنشآت العامة المملوكة للشعب السوري, كما إنه ملزم قانونياً وأخلاقياً باحترام وتطبيق مبدأ المسؤولية عن الحماية الذي يفرض على جميع الدول اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية المدنيين السوريين من جرائم الحرب وعمليات الإبادة التي يرتكبها النظام والجماعات المتطرفة.

إن السوريين كافة مطالبون اليوم بالعمل المخلص والجاد من أجل مشروع وطني يسمح لهم باستعادة سيادة واستقلال بلدهم بشكل حقيقي، ويتيح الفرصة لبناء دولة وطنية قادرة على حماية حريات الأفراد وصون استقلال البلاد, مشروع يرفض بوضوح وثقة الاستبداد الذي خرب البلاد، ويقف ضد التطرف الذي تربى في جلباب النظام وينهل من معين الاستبداد ذاته، ويمنع الفوضى التي تجر البلاد وأهلها نحو الهاوية. وهنا ندعو جميع القوى السياسية والتيارات الفكرية والشخصيات الوطنية إلى الارتقاء فعلاً إلى مستوى التحديات والتهديدات، والعمل على صوغ ميثاق عمل وطني يشكل أساساً للخروج من نفق الاستبداد والتطرف، ومن ممارساتهما الإرهابية، ومن الفوضى التي يجران السوريين إليها بقصد منعهم من بناء دولتهم، الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، دولة الكرامة الوطنية، دولة جميع السوريين

 

لا للاستبداد، لا للتطرف، لا للفوضى

عاشت سورية حرة أبية

 

اللجنة التفيذية لحزب الجمهورية                   25 أيلول / سبتمبر 2014