عندما شاهدت احدى الراهبات هستيرية القتل وحمام الدم في راوندا، صرخة قائلة “لقد فتحت أبواب جهنم وخرجت كل الشياطين منها لتدفع الى القتل والتذابح على أساس قبلي”. ما يحدث اليوم في سورية اشبه الى ذلك، ولكن مع عدد اقل من ضحايا. ما يحدث في سورية اليوم هو نوع من الهسيتريا، فلقد تحول النظام العائلي الى نظام قاتل ولا يهمه كم من دم يسفك وكم من الأرواح تزهق.
ان عمليات القتل التي يقوم بها شبيحة النظام، والسلب والنهب والاغتصاب، لا يمكن ان يوصف الا بالعودة الى بدائية المجتمعات الإنسانية، انه عودة الى التوحش والبربرية، فاقدين بذلك أي حس أخلاقي او مجتمعي. هذه المليشيا من القتلة، المدعومة من جيش اثبت فشله العسكري اكثر من مرة امام إسرائيل في كل الحروب التي خاضها، سواء في حرب 48 او67 او73، هي التي تقوم بهذا الاعمال الجهنمية.
ما حدث في حمص خلال فتح جيش النظام لها، والذي تحول في الحقيقة من جيش سوري وطني، الى كتائب للنظام الاسدي، يدمر المدن السورية على رأس قاطنيها، وحاميا للشبحية واللجان الشعبية في هستيريتها القتلية. ما حدث في حمص، وقبله في حماة عام 1982، مخيف كونه ارتدى طابعا طائفيا لم تعرفه سورية منذ سنوات طويلة.
يحاول بعض المحللين السياسيين ان يصبغ على النظام شرعية كاذبة، ومن خلال مسرحيات النظام الاستفتائية او الانتخابية، ولكنه بمجرد تحوله الى نظام قاتل فقد أي شرعية، فمن يقمع شعبه بهذه الطريقة البربرية والهمجية يفقد شرعيته، حتى لو اجرى كل يوم اكثر من انتخاب واكثر من استفتاء، حتى لو استجدى براءات الديموقراطية من كل رجال الدين في المجتمع السوري والمحيط به.
يسخر البعض من القوى المعارضة عندما يقولون بأن السيارات المفخخة هي من صنع النظام، ناسين او متناسين بأن النظام الذي فقد شرعيته، يحصد أرواح الناس بشكل يومي، لا يهمه كم من الضحايا الايرياء يسقط من جراء هذه التفجيرات. عندما تسيطر هستيريا القتل على أي نظام سياسي، تفقده هذه الهستريا كل حس انساني او وطني، ولا يستبعد ان يرتكب كل أنواع جرائم القتل في حق مواطنيه.
السيارات المفخخة غايتها إيجاد شرخ في المجتمع، وهي في الحقيقة عبارة عن استجداء النظام من شعبه حماية فقدها عبر آلية القتل الذي يمارسها بشكل يومي، فالنظام يعرف بان قبضته الحديدية لم تعد حديدية، لذا وتمسكا بالسلطة نراه يبتكر الأساليب التي تبقي عليها، ومنها هذه السيارات المفخخة، وهو الأسلوب الذي نجح فيه هذا النظام اثناء احتلاله للبنان لمدة قاربت الثلاثين عاما. فكل الاغتيالات السياسية التي نفذها هذا النظام كان معظمها عن طريق السيارات المفخخة هذه.
المؤامرة التي يقودها النظام ضد شعبه، أفشلها الحس الوطني والإنساني للشعب السوري، فالاقتتال الطائفي مقصور فقط على فئة غاشمة، اعماها في الحقيقة لا حبها لطائفتها بل الشهوة للقتل وحب السلطة والمال.
ما حدث ويحدث في حمص من قتل وتدمير لم يعد بالمشكلة، بل المشكلة هي بالفرز الطائفي والتهجير القسري للناس، حيث يقوم النظام بترانسفير طائفي، اسوة بالترانسفير الذي قام به صدام حسين جنوبا ضد الشيعة، خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وشمالا بحربه ضد الشعب الكردي، ممزقا بذلك الدولة العراقية الى أقاليم. هذا التهجير خطره أكثر من القتل، لأنه ينفذ تقسيم سورية على أساس طائفي، وهو ما طمحت اليه كل القوى المحيقة بسورية واولها النظام العائلي بالذات.
لا زالت القوى الديموقراطية السورية تعول على الحس الوطني والكرامة الإنسانية للشعب السوري، ولكن الى متى سيبقى هذا الشعب قادرا على كبت مشاعره في مقابل آلة القتل والتدمير. حتى متى يبقى غير مسلحا وهو يرى نسائه وبناته يغتصبن ويذبحن بدم بارد، واطفاله يقتلون وهم في عمر الورود بطريقة تنم عن وحشية وبربرية لم تعرفها سورية الا في ظل النظام البعثي، الذي جاء الى السلطة وشعاره ” امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، لتموضع من اجل حماية سلطته، في قطرية محطما كل امل قومي عربي، هذا في البداية، وفي النهاية حول هذه القطرية الى إقليمية على أساس طائفي وعرقي.
فمتى يتوقف حمام الدم في سورية، لا احد يعلم ذلك، فالنظام مستمر بالقتل بشكل هستيري، والعالم كله يقف متفرجا على هذا القتل والجميع يحاول ان يحقق مصالحه في هذه الدولة الايلة الى السقوط.