لماذا هرب المطران جنبرت من حلب بهنان يامين

لماذا هرب المطران جنبرت من حلب

بهنان يامين : كلنا شركاء

    ترددت كثيرا قبل ان اكتب هذا المقال، لانني عادة لا أتطرق الى رجال الدين رغم موقفي النقدي من الكثير منهم، ولكن عندما يبلغ السيل الزبى نتيجة الضرر التي تسببه افعال هؤلاء، فأن السكوت على هذا الموضوع يعتبر شراكة في الفعل. كما ان قول السيد المسيح بالتأكيد على الحق، "الحق الحق أقول لكم،" كان ماثلا امامي ويطالبني باتخاذ موقف وكشف اسباب هذا الهروب، وكذلك روح الأب الصديق الراحل حكمت جاموس، الذي تسبب المطران جنبرت بموته، ومعاناة كل كهنة طائفة الروم الكاثوليك في حلب من تسلط هذا المطران دفعاني الى كتابة هذا الموضوع .

     أثر تحرير القوى الثورية جزءا هاما من مدينة حلب وبالتحديد عند نشوب المعارك في منطقة التلل والجديدة وساحة المطران العلامة جرمانوس فرحات وما يحيط بها، حيث يتواجد القسم الاكبر من الكنائس القديمة والمطرانيات، شهدت الساحة الرعوية حادثتين متناقضتين كان بطلاها مطرانين،

                                         المطران يوحنا (جان) كلود جنبرت

الاول المطران مار غريغوريس يوحنا ابراهيم، مطران حلب وتوابعها للسريان الاورثوذكس، والثاني المطران يوحنا او جان كلود جنبرت مطران حلب للروم الملكيين الكاثوليك، ويا للمصادفة كلاهما يوحنا.

   يقول المثل الشئ بالشئ يذكر، فالمطران يوحنا ابراهيم كان متواجدا في اليابان لشرح الازمة السورية ومعاناة الشعب السوري عامة والمسيحين منهم بشكل خاص، عندما ما جرت الاحداث في حلب، وكان يستطيع ان يبقى هناك بحجة اقفال مطار حلب وعدم وجود طيران يصل اليها، ولكنه تجشم عناء السفر ومخاطره ليكون بين رعيته وابنائه الروحيين، حيث منذ وصوله وهو يجري الاتصالات من أجل عقد أجتماع لمطارنة حلب للطوائف المسيحية. ( انظر بيانه باللغة الانكليزية   http://www.alhadarah.com/category/articles/articles-en/ على موقع الحضارة.) وهذا هو موقف الراعي الصالح الذي يكون الى جانب رعيته عند المصاعب، ويذكرنا موقفه هذا بموقف المطران مالويان مطران ماردين الارمني، الذي فضل الشهادة في سفربلك على الهرب والتخلي عن رعيته.

     الحدث الثاني كان فرار وهروب المطران جان كلود جنبرت من حلب متسللا تحت جناح الليل، وبحماية القوات الاسدية والنظامية، تاركا رعيته تواجه وحدها وكهنتها الحوادث التي قد تصيبه نتيجة ما يحدث في حلب، ضاربا بعرض الحائط بكل تعاليم الرب يسوع الذي أوصى باهتمام الراعي بخرافه، الذين يتفرقون عندما يهرب الراعي. بالطبع وبدلا ان يعاقب الفاتيكان هذا المطران لتركه الرعية، حاولت دوائر الفاتيكان، التي يضرب الفساد اطنابه فيها، ان يوجد للمطران الهارب المبررات لهروبه هذا.

    الحدث الاول نتج عنه أجتماع لكل رؤوساء الطوائف المسيحية، وكان الغائب الوحيد عن هذا الاجتماع هو المطران الهارب جنبرت الذي ناب عنه احد الكهنة ، ولقد أسفر عن هذا الاجتماع الذي جرى في مطرانية السريان الاورثوذكس بحلب بيان أجمع ووقع عليه كل الحضور. انظر البيان باللغة العربية والانكليزية على موقع الحضارة الرابط العربي :

http://www.alhadarah.com/documents-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82/829/

الرابط الانكليزي:

http://www.alhadarah.com/articles/arabic-articles/communique-of-aleppo-issued-by-churches-leaders-in-aleppo-syria/

وهذا البيان، ورغم تأخره، جاء معبرا عن موقف القيادات الدينية المسيحية في حلب، وجميعهم كانوا يستطيعون الفرار خارجا، لان جميعهم يحملون جنسيات اخرى، الفرنسية والامريكية والارمنية وغيرها من الجنسيات، ولكنهم فضلوا البقاء مع خرافهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

      اما الحدث الثاني فقد نجم عنه هروب الراعي المفترض، جان كلود جنبرت، بحجة ان بعض الملثمين قد دخلوا مكاتب المطرانية وعبثوا بمحتوياتها، فولى هاربا ادراج الرياح الى بيروت اولا، ومنها الى العاصمة الفرنسية. دوائر الفاتيكان اثارت بلبلة بنقلها فقط خبر هروب هذا المطران دون التدقيق بالاسباب الحقيقة لهذا الهروب، والذي سنفصله لاحقا. لهذا المطران الفار نقول، كان عليه ان يلتفت وهو يجري ممسكا بثوبه، الى ذلك التمثال الموجود في حديقة الكاتدرائية للمطران الوطني الكبير ايسادور فتال الذي قاد رعيته بوطنية مطلقة، في فترة عصيبة من تاريخ سورية بعد الحرب العالمية الثانية وبدأ العدد التنازلي للانتداب الفرنسي (انظرا مقالة الارشمنديت أغناطيوس ديك على موقع الحضارة عن دور المسيحيين الوطني من تاريخ سورية الحديث وتحت الانتداب الفرنسي أليكم الرابط:

http://www.alhadarah.com/articles/%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%88-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%85/

حيث يشرح المؤرخ أهمية دور الشخصيات الوطنية المسيحية ومنهم المطران ايسادور فتال. كان على المطران الهارب ان يتوقف عن الهروب مؤنبا نفسه، ولكنه إستمر في هروبه الى الامام متخليا عن قسمه الكنسي بحماية رعيته وخاصة في الايام العصيبة من تاريخ تحرر سورية اليوم، مفضلا الالتحاق بمصالحه وامواله التي جناها طيلة فترة تواجده في قيادة الطائفة الحلبية والتي تصدى له في ذلك، الكاهن الشهيد الاب حكمت جاموس، وكذلك الاب بيير مصري وغيرهم من الكهنة الورعيين والمسيحيين الحقيقيين الذين دافعوا عن حقوق الطائفة ولم يسكتوا عن عسف هذا المطران التي ابتليت به طائفة الروم الكاثوليك. ولكن كما يقول المثل "متى عرف السبب بطل العجب" فما هي الاسباب التي دفعت المطران جنبرت للهرب والفرار والتخلي عن رعيته.

   لو دققنا بالسبب الذي ادعاه المطران جنبرت لهروبه الا وهو عبث بعض الملثمين غير المعروفين بمحتويات مكاتب المطرانية وتحطيم بعض اثاثها. فالمدقق والعارف للمنطقة يرفض هذا السبب مباشرة، ففي تلك المنطقة اكثر من مطرانية، واكثر من كنيسة، واكثر من دير، فلما اختار هؤلاء الملثمين مطرانية الروم الكاثوليك بالذات لهذا العبث، ولما لم يدعي مثلا مطران الموارنة، الذي تلتصق كنيسته ومطرانيته، والتي اصيبت بقذائف القوات النظامية بشئ كهذا، فلماذا المطران جنبرت بالذات.

    اذا كان خبر العبث صحيحا فان الملثمين كانوا يعرفون جيدا ماذا يريدون من هذا المطران الذي ارتبط اسمه بفساد السلطة الكنسية وعلاقاته المشبوهة بالسلطة السياسية الفاسدة ونظام آل الاسد، فهو شريك بامتياز لآل العزوز شركاء بشار الاسد وواجهتم آل مخلوف. فهم حتما يفتشون عن وثائق تدين هذا المطران الذي منذ وضع قدميه في ارض المطرانية وهو يضطهد كهنتها وعبرهم الرعية، ويعمل لمصلحته الفردية بالتحالف مع النظام.

   اما اذا كان هذا الخبر تلفيقا من هذا المطران، فأن هذا المطران لا يستحق ان يكون راعيا لهذه الكنيسة، فكيف يكذب وهو الذي يعلم الناس والرعية بعدم الكذب التي تعتبرها الكنيسة خطيئة مميتة بالنسبة للخراف فكيف للراعي.

   ارتبط اسم المطران جان كلود جنبرت بدوائر النظام الديكتاتورية عبر شراكاته المالية مع العائلة الاسدية والعائلة المخلوفية عبر شركات أخيه الثري بول جنبرت، الذي فتح ثروته ليغدق على السينودس، الذي انعقد لاختيار خليفة للمطران الراحل ادلبي، الاموال لشراء ضمائر من أختاروا أخيه مطرانا، بدأ من البطريرك ووصولا الى أصغر مطران في السينودس، ومع الأسف صادقت دوائر الفاتيكان على هذا " الانتخاب "، لانها هي ايضا قد ارتشت من الأخ الثري. بالطبع عندما تغدق كل هذه الثروات فلا بد ان يستعيدها الأخ الثري عبر الأخ المطران عبر الدخول الى دوائر الفساد المحيطة ببشار الاسد.

  منذ انتخابه وهو يحارب كل الكهنة، وخاصة اولئك الذين لديهم صناديق مالية، وسنضرب مثالا أعرفه ويعرفه الكثيرون من الكهنة وابناء الرعية في حلب، لقد كان للمرحوم الأب الشهيد حكمت جاموس صندوقا ماليا يجمع فيه الاموال لكي يؤسس المشروع تلو الآخر من ريع هذه الاموال، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أكماله مشروع المكتبة الروحية وتوسيعها لتشكل منبرا ومنارة فكرية لحلب الشهباء، تأسيسه مدرسة الصم والبكم والمعاقين الخ .. من المشاريع. كان هذا الصندوق هو الهدف الرئيسي للمطران جنبرت ولم يكن يعقد اي اجتماع للمطران والكهنة، الا ويتعالى صوت الكهنة وخاصة الاب حكمت على هذا المطران الذي لا هدف له الا بوضع كل الصناديق المالية تحت تصرفه، وهذا بالطبع منافي للقوانين الكنسية والاخلاقية المسيحية. وليلة وفاة الاب حمكت جاموس، هذا الانسان المسيحي الحقيقي، كان اجتماعا عاصفا بينهما فاستفاق الناس والكهنة الشهود على خبر اصابة الاب حكمت جاموس بجلطة أدت الى وفاته ليتخلص من عسف هذا المطران بالموت.

   عبر علاقاته مع الاجهزة الحكومية والأمنية منها، كان المطران جنبرت يجمع الاموال، ليس هذا فحسب بل كان يدعوا الشباب الى الانخراط في حزب البعث العربي الاشتراكي، المظلة السياسية للنظام الديكتاتوري للعائلة الاسدية، بالطبع كان يرفض رفضا قاطعا انتساب هؤلاء الى الاحزاب المعارضة، كان بذلك يريد ان يجمع حوله شباب شبيحة، ناسيا او متناسيا بأن الطائفة التي افرزت قيادات سياسية مسيحيية فكرية ونهضوية لن تسير في ركابه.

  منذ ان انطلق الحراك الثوري والمطران جنبرت يطلق التصريحات والمواقف ضد هذا الحراك وخدمة لهذا النظام حيث مواقفه لا تختلف كثيرا عن موقف المطران الشبيح الآخر لوقا الخوري، وللمصادفة كلاهم من طائفة الروم ولكن واحد كاثوليكي والثاني ارثوذكس، وكانهما ارادا توحيد موقفهما ولكن بطريقة تشبيحية، فلقد قرر هذا المطران ان يقف مع النظام وبكل قوة ضد الشعب المطالب بحريته وكرامته ومنهم العديد من المسيحيين الذين حملوا كمواطنيين شرفاء راية الحرية والديموقراطية. فلقد تحالف وبشكل كامل مع الشيخ أحمد حسون المفتي الذي على شاكلته ومن لف لهما.

  يعتقد الكثيرون بأن المطران جنبرت قد هرب من حلب خوفا على حياته نتيجة مواقفه المتطرفة ضد الحراك الثوري، ويوم وصل الحراك الى عقر داره، وكما يقول المثل "شمع الخيط" وهرب الى فرنسا لانه يحمل جنسيتها، تاركا الناس يواجهون لوحدهم الاوضاع الصعبة والمأسوية التي تعيشها حلب.

   هرب المطران جنبرت هذا، حتى لا يوقع ايضا على البيان الذي اصدره رؤوساء الطوائف المسيحية في حلب، حتى يترك له خط الرجعة مع النظام، ففي حال سيطرة النظام على حلب من جديد، وهو لا يعلم بأن هذا لن يحدث، سيكون له المبررات للتشدق بأنه لم يوقع على البيان لانه لم يكن موافقا عليه، ومن وقعه وقعه على مسؤوليته.

   عندما سمعت خبر هروب المطران جنبرت تذكرت كلمة الاب باول دالليليو في حديث خاص اثناء وجوده في لوس انجلوس في ندوة في جامعة UCLA ، بأنه عند انتصار الثورة اول اثنين يجب طردهما من سورية هم المطران جنبرت والراهبة أغنيس والذي يحمل كليهما حقدا ضد الشعب السوري وحبا مطلق للنظام البائد.

   نعم يجب ان لا يكون لهذا المطران الهارب عودة الى حلب وسورية المحررة لانه قد اخذ موقفا غير سليم وعدائي من الحراك الثوري. فالراعي الصالح الذي يترك رعيته ويهرب لا يستحق ان يحمل صفة المسيحي فكيف بصفة المطران الذي يجب ان يكون على رأس رعيته، لا ان يلحق امواله وشهواته هربا من القصاص والعقاب.

   بالطبع هذه بعض الاسباب التي هرب من أجلها المطران يوحنا كلود جنبرت، وقد تنكشف الكثير من الامور الاخرى في حال وقوع الرعية على الوثائق التي تدين هذا المطران، وان شاء الله يكون ذلك قريبا.