مقدمة:
لم يتفاجأ احد بإعلان أسماء لجنة الدستور الذي سيفرض على الشعب السوري من قبل القوى المسيطرة على الأرض وخاصة المستعمر الروسي، والإيراني، والتركي، الذين اشترك ثلاثتهم مع الأمم المتحدة، وبمباركة المايسترو الأمريكي، بإعلان هذه الأسماء التي تضم 150 شخصاُ، مقسمين الى ثلاثة اثلاث، النظام له الثلث، والمعارضة لها الثلث، وما تعارف على تسميته بالمجتمع المدني له الثلث، وذلك لان الوضع الدولي والسوري لم يعد يحتمل التأجيل، ولكن هذا الإعلان لا يعني نهاية حل المسألة السورية والتي لا زالت كثيرة التعقيد.
لن يختلف اثنان على ان اعلان اللجنة الدستورية بهذه الطريقة، لن يكون في مصلحة الشعب السوري، كونها صدرت بإرادة خارجية، فهي لن تقدم للشعب السوري ما قاتل للحصول عليه خلال التسع سنوات الماضية، بل هي جاءت مفروضة بقوة السلاح، فالنظام لم يقبل بها الا على مضض، رغم انه سيفجرها من الداخل، حيث الأسماء التي طرحها هي أسماء اشتهرت بالتهريج في الاعلام، ولسوف تحاول ان تهرج لصالح النظام في هذه اللجنة الدستورية من أجل تفشيلها من بداياتها، وما تصريح المعلم بان النظام قد توافق مع الأمم المتحدة على آلية عمل هذه اللجنة، مما يعني ان النظام هو من سيدير اللعبة، ليس فقط من خلال اعضاءه غير الاختصاصيين، بل أيضا من خلال بعض وجوه المعارضة، وبعض الأسماء من المجتمع المدني. النظام نظام مخاتل، ومحتال، وسيحاول جهده ان يحول مخاتلة هذه، واحتياله هذا، لمكاسب.
المراقب السياسي، المخضرم منه خاصة، يتذكر مفاوضات قيام “الجبهة الوطنية التقدمية“، حيث استطاع هذا النظام ان يلهي كل القوى السياسية عبر تمديد اعمال هذه اللجنة، واخذ حافظ الأسد يلعب على خلافات هذه الأحزاب، ليشجع هذه الانشقاقات، التي جاءت كلها لصالحه، ليفرض نسبة الواحد والخمسين بالمئة لصالح حزب البعث، وباقي الأحزاب بكل شقوقها، تسع وأربعين بالمئة أي ولدت هذه الجبهة ميتة من بداياتها، ومن يعرف تركيبة الأحزاب المشاركة، يعرف بانه من المستحيل ان تتوافق على رأي واحد، من هنا كان حزب البعث هو القائد في المجتمع والدولة بل أيضا هذه الجبهة، وما كانت تجتمع لجنتها المركزية الا عند المصائب، التي كانت تحيق بالوطن السوري، ونضرب على ذلك مثال خسارته في حرب تشرين 1973 لصالح إسرائيل، فدعاها الى الاجتماع مدعياً مشاركتها بقرار قبول إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال هذه الحرب، مقابل قبول سورية بفصل القوات مع إسرائيل، والذي بقي سائداً حتى يومنا هذا. سيلعب النظام ذات اللعبة وباعتقاد كل المراقبين بان القوى الديموقراطية في حصة المعارضة والمجتمع المدني ليست بالقوى القادرة على منع هذا الاحتيال، ناهيك بأن حصة بشار الأسد ونظامه في اللجنة، هي اكبر من المعارضة، والمجتمع المدني، لان لديه حتماً احصنة طروادة في هذين الثلين، في الوقت الذي ليس للمعارضة والمجتمع المدني أي اختراق ممكن في جانب النظام.
نأتي الى موضوع اللجان الفرعية التي ستتشكل من أجل بحث مواضيع حل المسألة السورية، هنا سيحاول النظام ان يكون له الحصة الأكبر في هذه اللجان، وسيغرقها في نقاشات لن تنتهي، لكونه يعتقد بأنه الغالب في هذه الحرب، والقوى المطالبة بالإصلاحات هي المغلوبة، وعليها ان تخضع له، أي ان تستلم له، وتقبل بشروطه.
اما مواضيع الدستور، فهل سيكون اصلاحاً لدستور 2012، أي دستور فارغ، يثبت سلطة الأسد وعصابته، ام هو دستور جديد يلغي النظام الرئاسي، الذي يقود الى نظام حكم ديموقراطي؟ الكل يعترف بأن النظام لا يريد ان يلغي دستور 2012 بل يقبل باصلاحات ترقيعية هنا اوهناك، فمن المستحيل ان يقبل بدستور جديد يلغي كل صلاحياته، ليحل محله دستور المؤسسات الذي يعتمد فصل السلطات، القضائية، والتنفيذية، والتشريعية، تتحكم بهذا الفصل اللعبة الديموقراطية.
على القوى الديموقراطية في هذه اللجنة ان تفرض في مقدمة الدستور التي عادت تكون جزء اساسي من الدستور ان تلغي صفة عربية من الجمهورية العربية السورية، ليحل معها تعبير الجمهورية السورية، وكل المشتقات التي تبثق عنها، وان تعترف المقدمة بكل مكونات الشعب السوري الاثنية، والعنصرية والدينية، فعلى هذه المقدمة ان تعترف بهذه المكونات، بشكل صريح ومباشر حتى لا يستثنى احد من مكونات الشعب السوري، بتعبير آخر يلغيه. يبقى مفهوم المواطنة هو الذي يجب ان يسود روح الدستور، لانه يلغي كل الفوارق الدينية، والمذهبية، والعنصرية، معترفاً بحقوق كل من يعيش على الاراضي السورية، ويحمل لقب مواطن سوري، دون اي تسميات قوموية او مذهبية.
ستضطر هذه القوى الى خوض معركة كبيرة من اجل الغاء المادتين الثالثة، والرابعة، التي تؤسلم الدستور السوري، الذي حول الدولة السورية الى دولة إسلامية، وستُهضم بذلك حقوق المكون المسيحي، الذي يصبح مواطناً من الدرجة الثانية، ان لم نقل الثالثة، والرابعة، وإلغاء هاتين المادتين هو مقدمة صعبة لفصل الدين عن الدولة، الذي هو مصدر أساسي لقيام دولة المواطنة، التي عمادها الديموقراطية والقوانين المدنية.
يبقى ان نختم باننا نعول على القوى والاسماء التي نحترمها ونتمنى عليها ان تُسمع صوتنا عالياً وتنقل ان لم تستطيع ان تحقق أي مكسب، فعلى الأقل تسمع الصوت الديموقراطي الوطني، للمعارضة والنظام والمجتمع المدني.