على هامش زيارة قداسة البابا الى البرازيل وأطلاقه صرخته المدوية لرجال الكنيسة والسياسيين
” لا يكفي ان نفتح لهم الابواب ونرحب بهم، بل علينا الخروج من الباب والاتجاه الى الشعـوب وملاقاتهم… علينا ان نتحلى بالشجاعة ونبدأ بالاطراف، الى اولئك الذين هم اكثر بعدا”
قداسة البابا فرنسيس الاول خلال زيارته الأخيرة للبرازيل
بهذه الصرخة توجه قداسة البابا فرنسيس الاول اليسوعي، بابا الفاتيكان، وهو يخاطب الأساقفة المتكاسلين في الكنيسة الكاثوليكية عن العمل التبشيري، وكذلك السياسيين الذين ابتعدوا عن الشعب ومطالبهم. هذه الصرخة هي اشبه بصرخة الانجيل المُقدس “صوت صارخ في البرية، أعدوا طريق الرب، إصنعوا سبله مستقيمة” (مرقص الاصحاح الاول الآية 3). بهذه الكلمات تحدث الحواري مرقص عن يوحنا المعمدان وكرازته كمقدمة لرسالة السيد المسيح وتعاليمه.
قداسة البابا كان محقا في كلامه عن الكنيسة وعن السياسيين. فالكنيسة الكاثوليكية، نتيجة ترهل أساقفتها وفسادهم وأبتعادهم عن الناس، قد خسرت لصالح الكنائس البروتستانتية العديد من الاتباع وذلك نتيجة توجه هؤلاء الى الشعب لمعرفة متطلباتهم وتلبيتها، من هنا كانت صرخة البابا فرنسيس بانه لا يكفي ان نستقبلهم بل علينا التوجه اليهم لمعرفة آلامهم وعذاباتهم، ونقترب منهم أكثر لحل وتضميد هذه العذابات وهذه الآلام. فالكنيسة الكاثوليكية تتحمل مسؤولية الفقر المدقع الموجود ليس فقط في البرازيل بل في كل انحاء العالم.
ليست الكنيسة وحدها المسؤولة بل رجال السياسة هم ايضا مسؤولون عن هذا الآلم، فالتوزيع غير العادل للثروات هو احد اسباب هذه العذابات، وهو ما ذكره قداسة البابا بولص السادس في رسالته حول توزيع الثروات، حيث كانت صرخته هذه نتيجة الفقر الذي لحظه في القارة اللاتينية فطالب الحكومات والسياسيين واصحاب الثراء الفاحش، لتوزيع الثروات توزيعا عادلا حتى يزال الكثير من عذابات الناس والبشرية، ولكنه بقي صوتا صارخا في البرية ولم ينفذ أحد وصية قداسته انذاك نتيجة جشع الذات البشرية.
اليوم تتجدد الصرخة، وهي صرخة نابعة من القلب، وليست رسالة رعوية، بل هي صوت يبشر بتمهيد طريق الرب حيث تتحقق العدالة وتزول عذابات البشر التي من اجلها جاءت الديانات كلها.
لم يتوجه قداسة البابا فرنسيس الاول في رسالته هذه الا بعد ان شاهد ولحظ المعاناة لدى الناس من خلال رسالته الرعوية يوم كان راهبا يسوعيا او اسقفا لدولة كبيرة هي الارجنتين، ولقد سحب هذه المعاناة على كل الكرة الارضية، ومن هنا كانت زيارته للبرازيل اول فرصة له ليخاطب الكنيسة والسياسيين والشعوب كلها، من أجل ازالة الفقر واللاعدالة مابين البشرية وما بين الناس.
الحقيقة بأن البشرية كانت بحاجة ماسة الى شخصية كارزمية محبوبة كـقداسة البابا فرنسيس الاول، ليقَوم إعوجاج رجال الدين والسياسيين في كل انحاء العالم، وهو إذ يطالبهم اليوم بالذهاب الى الشعوب، الى الناس، بعد ان فقد معظمهم صلتهم بمحكوميهم واتباعِهم، لا بل نستطيع ان نقول أكثر من ذلك، بأن السياسيين في معظم انحاء العالم قد تحولوا الى فاسدين وقتلة ومجرمين، ولم يعودوا يلتفتوا الى شعوبهم ومصالحهم وحرياتهم، بل الى اطماعهم وشهواتهم.
على قداسة البابا ان يتوجه اليوم الى بلدان الربيع العربي، والى ان يصرخ في وجه الطغاة ويقول لهم عودوا الى الشعب، أعطوه حريته وحققوا العدالة لهم، وامنعوا الفساد في بطانتكم حيث هي تمتص عرق جبين هذه الشعوب وتعبهم وألمهم. قل لشعوب هذا الربيع، ما قاله السيد المسيح” تعالوا الي ايها المتعبون وانا اريحكم.”
كما قال قداسته كلمة الحق، علينا نحن كمسيحيين ان نقف مع حق شعوبنا وإخوتنا في الوطن،و نصرخ، كما طلب منا قداسته، في وجه حكامنا، بالعودة الى الشعب لانه مصدر الشرائع ومصدر الحريات التي صانتها الشرائع االسماوية. انها كلمة الحق في وجه الباطل دون خوف من بطش هؤلاء الحكام، لننفذ كلام السيد المسيح بتأكيده على الحق بقوله “الحق، الحق أقول لكم.”