صداقة العمر المُساهِمة في هزيمة حزيران 67 ( 1 من 2 ) بهنان يامين

صداقة العمر المُساهِمة في هزيمة حزيران 67 ( 1 من 2 )

                                                        بهنان يامين

بهنان يامين جديدة

 

 

 

 

 

مقدمة لابد منها:

    كانت العشر سنوات الأخيرة من حياة عبد الناصر حافلة بالحوادث والشخصيات، ولقد هزت حياة عبد الناصر السياسية هزيمة قاصمة، الا وهي هزيمة الخامس من حزيران، والتي تناولها المخرج عثمان ابو لبن بواقعية كاملة، كاشفاً كيف ان هزيمة حزيران أنهت العلاقة ما بين عبد الناصر وعبد الحكيم وهو الصديق اللدود، ونظراً لاهمية المسلسل تم قسم الدراسة الى قسمين: المرحلة السورية والمرحلة الناصرية.

المرحلة السورية: من الوحدة الى الانفصال والعلاقة مع البعث

     في خضم المسلسلات الرمضانية تفوز عادة أكثر المسلسلات سخافة بالأكثر مشاهدة، والأفضل هي الأقل مشاهدة، ومنها كان المسلسلات الرائعة، والتي كانت مشاهدتها قليلة كـ " ابناء الرشيد: الأمين والمأمون"، "الدوامة"، وفي هذا الموسم كان "صديق العمر"، الذي يتحدث عن مرحلة هامة من مراحل المنطقة التاريخية، تتمحور كلها حول مصر، وبالتحديد حول شخصية جمال عبدالناصر وعبد الحكيم عامر وكل اعضاء مجلس قيادة الثورة المصرية (أنور السادات، كمال الدين حسين، عبد اللطيف البغدادي، صلاح نصر وزكريا محي الدين) .

    كيف بدأت صداقة العمر هذه بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر حيث يقسم كلاهما على القرآن الكريم ان يبقيا على صداقاتهما حتى الابد، صداقة كانت حميمية على المستوى الانساني ولكنها كانت مكلفة ومدمرة للأمة، على  المستوى السياسي.

   يبدأ المسلسل بفرض الإقامة الجبرية على المشير عبد الحكيم عامر، أثر هزيمة 5 حزيران 1967، الذي يعود في فلاش باك الى عام1961، حيث يشتد الصراع ما بين عبد الحميد السراج، رئيس المكتب الثاني في سورية، الذي ركبه الغرور الى درجة حيث كان يعتبر نفسه المؤهل الوحيد لحكم سورية في مرحلة الوحدة المصرية – السورية، وما بين عبد الحكيم عامر الذي كان يعتبر نفسه الحاكم الفعلي للاقليم الشمالي، أي سورية، والتي ستعجل بقيام الانفصال في 28 ايلول 1961.

    لن نتحدث عن الناحية الفنية للمسلسل، حيث يبدع الفنان الكبير جمال سليمان في دور جمال عبد الناصر، وياسر سرة في دور عبد الحكيم عامر، بل سنتحدث عن الناحية السياسية للأعوام التي شملها المسلسل من 1961 وعام 1970 أي العقد الأخير من حياة الصديقين، والذي ينتهي بانتحار عبد الحكيم في أيلول 1967، وعبد الناصر 28 ايلول 1970.

   يتحدث المسلسل عن الصراع ما بين القوى الناصرية والقوى البعثية، حيث دفع هذا الصراع الى إنهاء الوحدة المصرية – السورية، التي لم تدم طويلاً، ثلاث سنوات ونصف، قضى عليها نرجسية وعنجهية عبد الحميد السراج، ونزاقة عبد الحكيم عامر، حيث يشار بواقعية بأن حكم المكتب الثاني في سورية، وتبادل التنقلات ما بين الضباط المصريين والسوريين، هو الذي دفع الى الانفصال، ولو كانت هذه التنقلات متعادلة، أي سلطة متوازنة ما بين الضباط السوريين والضباط المصريين لما كان هناك استياء، ولكن إعطاء سلطة عسكرية للضابط المصري على حساب الضابط السوري، أوجد استياء كبيراً لدى الضباط السوريين. أضف الى ذلك مصادرة الحريات العامة وتسلط جهاز المكتب الثاني في سورية والمباحث العامة في مصر أدى الى تغيب الديموقراطية في كلا البلدين.

   كان تمرد عبدالحميد السراج على عبدالناصر، وعودته الى مكتبه في دمشق، دون إعلام عبد الناصر، هي التي أدت الى تسريع تحرك الضباط، المعروفين بالضباط الشوام، والذي كانوا يتبادلون الكره مع عبد الحميد السراج، فنفذوا ما كان يخططون فأسرعوا بأعلن فصل الوحدة المصرية – السورية. يوم حدوث الانفصال وبعد البيان رقم سبعة والبيان رقم تسعة، يحدث صراع خفي ما بين عبد الناصر وعبدالحكيم عامر، وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة المصرية، حيث طلب عبد الناصر تحريك القوات المسلحة لمنع الانفصال بالقوة، وعبد الحكيم عامر مصر على عدم التدخل حتى يرحل الضباط المصريون بلا خسائر. وحسب معرفتي العكس هو الصحيح، وكان على المخرج ان يدقق في هذه النقطة بالذات، خاصة كون قائد الانفصال، العقيد عبد الكريم الحناوي، لا زال على قيد الحياة، وكان بالإمكان سؤاله حول الموضوع.

    يرضخ عبد الناصر لرأي أغلبية اعضاء مجلس قيادة الثورة، ويسحب القوات، ولكنه يرضخ ايضاً لرأيهم حول ضرورة اجراء تغييرات جذرية، بحيث يتم نقل معظم الضباط المواليين لعبد الحكيم عامر، مما يؤدي الى اولى استقالات عبد الحكيم عامر، حيث يتردد جمال عبدالناصر بقبولها، محاولاً اقناع صديقه عبد الحكيم بالتراجع عن الاستقالة وعدم إحراجه بقبولها، وهو ما أدى فعلا الى سحبها.

   في هذه الفترة يحدث الانقلاب الجمهوري في اليمن ايلول 1962 بقيادة عبد الرحمن البيضاني وعبد الله السلال، وغيرهم من الضباط الوحدويين، ولكن فشلهم في إغتيال البدر أدى الى حرب أهلية ما بين العشائر الملكية وعساكرها والقوات الجمهورية والعشائر الموالية لها ( سنتحدث في القسم الثاني عن أهمية حرب اليمن، والتدخل المصري – السعودي فيها).

     في 8 شباط 1963 يحدث اول انقلاب بعثي في العراق، يليه في 8 أذار انقلاب بعثي – ناصري في دمشق، حيث يحاول الحكم البعثي في القطرين التوحد ثانية مع عبد الناصر، الذي يرضخ للعواطف القومية، ويقبل بقيام الوحدة الثلاثية، رغم عدم ثقته بحزب البعث. لم يكن عبد الناصر على خطأ، ففي 18 تموز 1963، قام البعثيون بتصفية الضباط الوحدويين وعلى رأسهم جاسم علوان، الذي شاركهم في تمرد حلب الشهير والذي اغفله المسلسل، والذي لو نجح في نيسان 1962 كان من الممكن ان يغيير الكثير في تاريخ المنطقة عامة وتاريخ مصر وسورية خاصة.

    تستمر المرحلة البعثية في علاقة عبد الناصر بحزب البعث لفترة طويلة، وكانت هذه العلاقة هي بين أخذ ورد، فاحياناً كثيرة كان عبد الناصر يتوجس من كل شقوق البعث، ولكن الشعور القومي كان يغلب على تلك العلاقة، مما ادى الى هزيمة حزيران المخزية.

 القسم الثاني: المرحلة الناصرية: دعم حركات التحرر، حرب اليمن، هزيمة حزيران.