“ ان الفصل بين رجل الدين ورجل السياسة, او بين المرجعية الدينية والمرجعية السياسية إشكالية صعبة, وشأن يستحيل تطبيقه في الاعلام, خصوصا اذا كان التداخل قائما وجامعا للصفتين في شخص واحد فان معد برنامج بسمات وطن، تعامل مع السيد نصر الله كمرجع سياسي كبير لا كرجل ديني ورمز مقاوم يحرك قسما كبيرا من الرأي العام اللبناني والعربي والاسلامي.”
بيار الظاهر
مدير المحطة اللبنانية للارسال
من البيان شبه الاعتذاري لحلقة بس مات وطن
تميز حزب الله وزعيمه بترفعه عن السياسة اليومية التي انغمست فيها كل القوى اللبنانية بلا استثناء، الا ان كان القرار 1559، حيث اعتبره السيد حسن نصرالله بانه موجه ضده، ورغم ان الزعيم الوطني وليد جنبلاط قد اكد امام قصر الاليزية بانه يرفض القرار 1559 وخاصة في بنده المتعلق بسحب سلاح المليشيات، فقد اعتبر حزب الله بانه المقصود الاهم في هذا القرار
عندما تشكلت جبهة عين التينية، خرج السيد حسن نصرالله عن حيادته بانضمامه الى فئة من اللبنانيين ضد فئة اخرى، ليعطي لهذه الجبهة مصداقية افتقدتها في باقية الشخصيات المشكلة لها. يومها فقد السيد حسن نصرالله ترفعه عن السياسة اليومية اللبنانية ليخوضها بكل ما فيها من مطبات وتوحل
اغتيل الحريري في 14 شباط 2005، ومعها انهارت جبهة عين التينة وحكومة عمر كرامي التي كانت اول حكومة تسقط في البرلمان وتحت ضغط الشارع، ولكن السيد حسن نصرالله في مسيرة الثامن من أذار 2005 حاول ان يعوم هذه الجبهة المنهارة وحكومتها، وكانت صرخته المستهجنة من من يحبونه ويحترمونه” لبنان ليس اوكرانيا.”الخ
لم ينفع هذا التعويم، حيث افشله اجماع كل القوى اللبنانية بكافة اطيافها، وذلك من خلال التفافها حول شعارات مظاهرة الرابع عشر من أذار، التي اطلقتها القوى المطالبة بسيادة وحرية لبنان وتجسدت بقسم الشهيد جبران تويني” اقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين الخ …..”، لتنكفأ قوى عين التينية مرة اخرى وليتحالف السيد حسن نصرالله مع قوى البريستول وخاصة في دائرة عالية المتن الجنوبي
يحصل حزب الله على كتلة نيابية كبيرة في البرلمان اللبناني ، المنتخب حديثا ليحتكر مع حركة امل التمثيل الشيعي في الحكومة اللبنانية، التي شكلها فؤاد السينيورة؛ حيث تخلى حزب الله عن حلفائه في ” عين التينية” ليتحالف مع الزعيم وليد جنبلاط وسعد الحريري والقوى الممثلة في ما تعارف عليه بقوى الرابع عشر من اذار
كان استنكار السيد حسن نصرالله للاغتيالات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية اللبنانية خلال ال2005، خجولا كشفه اغتيال الشهيد جبران تويني حيث انسحب مندوبيه ومندوبي كتلة الرئيس بري من جلسات الحكومة، بسبب اصرار القوى الاخرى المشكلة للحكومة على تطبيق الدستور الذي يجيز لها اخضاع القرارات التي يختلف عليها الى التصويت
هذا الموقف كان بداية تحول حسن نصرالله وحزبه الى تابو سياسي( التابو هو الموضوع الذي يحرم التحدث به)، حيث اخذ السيد حسن نصرالله يغرق في اوحال السياسة اليومية، قتارة هو سيد المقاومة و” قديسها”، وسلاحها “مقدس” ولا يقبل ان يمسه احد، وتارة يصدر التكاليف الشرعية في السياسة اليومية ليخضع الدين للسياسة وارهاصاتها، حيث نراه يتحول وحزبه الى نوع من ديكتاتورية على الوضع اللبناني، فهو يرفض دخول الجيش اللبناني الى الجنوب، ويرفض ترسيم الحدود مع سورية، وهو سيقطع يد كل من تمتد يده الى سلاح المقاومة، وما لم يكن يقوله هو كان نوابه، يتكفلون به، واحيانا كثيرة بشكل فظ
جاءت حلقة برنامج ” بس مات وطن” الاخيرة، والتي سنحرم حتما من مشاهدتها هنا، لتكشف بان ليس فقط حزب الله والمقاومة هو التابو بل حتى شخصه هو تابو لا يمكن المس “بقدسيته”، ومن هنا كانت ردة الفعل العنيفة هلى هذه الحلقة، التي لم تتناول السيد حسن نصرالله كمرجعية دينية، بل كرجل سياسة وزعيم حزب سياسي وكتلة نيابية وطرف سياسي مع هذا وضد ذاك من الاطراف
البرنامج للذين لا يعرفونه هو عبارة عن برنامج نقدي ساخر، يعتمد السخرية الكاريكاتورية لايصال النقد السياسي الى هذا الزعيم او ذاك، ولقد شكل نوع من الرسالة المحببة الى قلوب الناس، ولم يبقى زعيم سياسي لبناني واحد لم تتناوله البسمات بالتقليد وحتى بالنقد، ورغم امتعاض اغلبهم من مثل هذه اللسعات الكاريكاتورية لم ينزل احد الى الشارع ليقطع الطرقات مثلما حدث عندما تطرقوا الى السيد حسن نصرالله
ان تحول السيد حسن نصرالله الى تابو سياسي يفقده الكثير من مصداقيته، فباعطاه هذه الهالة من القدسية، يفقده الكثير من القيم التي ناضل من اجل تثبيتها في عقول الناس وقلوبهم. ان مخرج ومعد البرنامج كما تحدث بعد الحادثة لم يكن ابدا يقصد السيد حسن نصرالله كمرجعية دينية، او كسيد المقاومة او…. ولكن قصد حسن نصرالله المرجع السياسي ورئيس حزب
ان ردات الفعل الشبيهة بما حدث يوم الخميس الماضي في شوارع بيروت والجنوب والبقاع ان دلت على شيئ فهي تدل على القصور السياسي لدى جماهير حزب الله التي يمكن ان تستثار لاتفه الامور، وهي بذلك تشكل ليس خطرا على لبنان فحسب، بل بالدرجة الاولى على حزب الله والمقاومة
ان الذين عبئوا هذه الجماهير وشحنوها بالانفعال كان عليهم ان يعرفوا بان ردات فعل كهذه ممكن بالمحصلة ان توصل الى وضع كارثي قد يجر مآس عديدة على لبنان هو بغنى عنها. ان توتير الشارع لامر عادي كهذا ان دل على شيئ انما يدل على القصور السياسي لحزب الله وقياداته. على هذه القيادة ان تفهم بان عليها ان لا تغرق جماهيرها في اليوميات السياسية وتدعها للنضالات الاكثر الحاحا وضرورة
نعم وكما يقول الشيخ بيار الظاهر بان هناك صعوبة قصوى في الفصل ما بين المرجعية الدينية والمرجعية السياسية، خاصة عندما تتغلب المرجعية السياسية على الدينية كما هي حال السيد حسن نصرالله، ناهيك بالطبع حرية التعبير التي تكفلها الدساتير وشرعة حقوق الانسان في كل انحاء العالم، واستمرارية لبنان تنبع اكثر ما تنبع من ممارسة هذا التعبير، وهو ما يميز لبنان عن مجمل الدول العربية